الوقت- ما إن وصلت الحرب في سوريا إلى آخر فصولها حتى بدأ الحديث يدور وبكثرة حول عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، كما بدأ البحث عن أفضل السُبل والمُحفزات التي يجب أن تُقَدَّم للاجئين بهدف حثّهم على العودة إلى سوريا، خصوصاً بعد أن تمكّنت الحكومة السورية من فرض سيطرتها على أغلب أراضي سوريا.
مُحاربة الإرهاب
ملايين اللاجئين السوريين وفقاً لما تؤكده تقارير الأمم المتحدة ينتظرون عودة الأوضاع في سوريا إلى ما كانت عليه حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم، غير أنّ سرطان الإرهاب المنتشر هو ما يمنعهم من ذلك.
أكثر من ذلك؛ فإنّ اصطلاح "محاربة الإرهاب" أصبح يحمل الكثير من التفاسير، فدول التحالف الدولي باتت تفُسره على أنّه محاربة الجيش السوري الذي يعمل ومنذ سنوات على تطهير البلاد من الإرهابيين، والجميع شاهد مُجريات ليلة الجمعة الفائتة، إذ عمدت طائرات العدوان الثلاثي إلى ضرب عدّة مواقع للجيش السوري، بعضها كان يُحاصر فيها الجيش إرهابيي تنظيم داعش، ولا سيما منطقة القدم جنوب العاصمة دمشق.
إنّ ضربات العدوان الثلاثي الجوية منذ يومين كانت تهدف إلى تخفيف عملية الضغط العسكري الذي كانت تفرضها القوات السورية على مجموعات "داعش" جنوب العاصمة، الأمر الذي سيؤخر تحرير تلك المناطق، وبالنتيجة تأخير عودة اللاجئين إلى وطنهم، الأمر الذي دفع السوريين إلى التشكيك والتساؤل عن مصداقية الحديث الغربي في تقديم الدعم.
نهاية المُعاناة
إن أحداً لا يستطيع أن يمحي من ذاكرته كمّ المُعاناة التي يعيشها اللاجئون السوريون في دول اللجوء، لكن وقبل وصول اللاجئين إلى تلك الدول؛ فإنّ كمّ الأهوال التي عاشوها يعجز القلم عن ذكره، غير أنّ آخر تلك القصص وربما أكثرها إيلاماً هو ما جرى في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي بعد أن تحوّل الثلج الأبيض إلى كفن لستّةَ عشر سوريًّا جُلّهم من النساء والأطفال على الحدود السورية اللبنانية، وذلك إثر محاولتهم العبور إلى لبنان، حيث كانوا ضمن قافلة تضم ثلاثين شخصاً.
وإذا كان المثل الشائع يقول "نار الوطن ولا جنة الغربة"، غير أنّه وبعد أن بسطت الحكومة السورية سيطرتها على أغلب الأراضي؛ فإنّ أحداً من السوريين لم يعد بحاجة إلى مغادرة بلاده، فالجنة السورية وكما يؤكد السوريون عادت إلى سابق عهدها، وإن السوريين من الآن فصاعداً لن يكونوا بحاجة إلى تحمّل أيّ نوعٍ من المعاناة، بل على العكس، فإنّ استقرار الأوضاع سيدفع باللاجئين للعودة إلى ديارهم.
إعادة الإعمار
لا ريب أنّ الأزمة في سوريا دفعت مئات الآلاف من الشباب إلى الهجرة واللجوء إلى دول الجوار أو أوروبا، الأمر الذي أدى إلى تفريغ البلاد من الشباب القادرين على العمل، وهم كما يقول مُراقبون للحالة السورية عماد عمليات إعادة تدوير عجلة الاقتصاد السوري.
إحصائيات رسميّة قالت إنّ عدد المتقدمين إلى سوق العمل يتركز على الإناث بنسبة كبيرة لقلة عدد الذكور، وكما يؤكد مدير مرصد سوق العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل محمود الكوا أنّ قوة العمل من النساء باتت تعادل أربعة أضعاف الرجال، الأمر الذي سيؤدي إلى مواجهة إشكالية كبيرة في مرحلة انتعاش الاقتصاد الوطني ومرحلة إعادة الإعمار.
وبناءً عليه فإنّ الدولة السورية بحاجة إلى عودة اللاجئين المنتشرين حول العالم لإعادة بناء ما دمرته الحرب، فمن غير عودتهم لا يمكن للحالة الاقتصادية أن تعود كما كانت عليه قبل الحرب، وهنا فإنّ الحكومة السورية، وأي دولة ستُشارك في عملية إعادة الإعمار بحاجة إلى القوى العاملة، الأمر الذي سيُجبر الجميع على تقديم أفضل المُحفزات لعودة اللاجئين.
دعم اللاجئين لا يكون عن طريق إغرائهم بتقديم الأموال كما تفعل الحكومة الألمانية على سبيل المثال، ولكنها كما يقول مراقبون تكون عن طريق تقديم الدعم للحكومة السورية حتى تتمكن من توفير أفضل الظروف لعودة اللاجئين من خلال العمل على مشاريع تنموية من شأنها تحفيز اللاجئين العائدين للبقاء في أرضهم.
وأخيراً، فإنّ عودة اللاجئين ليست عبارة عن شعارات تُطلق هنا وهناك، وليست أيضاً عبارة عن مشاريع بحثية تُقدم في الندوات، إنما هي عملية مُتكاملة يتوجب على الجميع المشاركة فيها من خلال دعم وتعزيز عودة اللاجئين إلى أوطانهم، بالإضافة لدعم الحكومة السورية كي تعمل على تنفيذ المشاريع التي من شأنها أن تشجع اللاجئين على العودة إلى منازلهم.