الوقت- أعلن الجيش التركي أن وحداته العسكرية تمكّنت من محاصرة مدينة "عفرين" السورية خلال عملية "غصن الزيتون" العسكرية التي قامت بها ضد الأكراد في شمال سوريا ووفقاً لما صرّح به بعض الناشطين في منظمة حقوق الإنسان، فإن هناك حوالي 300 ألف شخص في تلك المدينة تحت الحصار وعلى الرغم من ادعاء الرئيس التركي "أردوغان" بأن دخول قواته إلى تلك المدينة كان سهلاً ولم تكن هناك أي مقاومة، إلا أن وحدات حماية الشعب الكردي رفضت هذه المزاعم وقالت إنها قاومت وستواصل مقاومة تقدم القوات التركية.
وتزامناً مع هذا التدخل العسكري التركي في شمال سوريا والذي بدأ في الأيام الأخيرة من شهر يناير الماضي حصاراً خانقاً على مدينة "عفرين" الكردية، أعلنت "أنقرة" أنها ستقوم بمحاصرة هذه المدينة الكردية خلال عدة أيام فقط، ولكن الآن وبعد مرور ما يقرب من شهرين، لم تستطع تركيا أن تسيطر على هذه المدينة الكردية بشكل كامل، بل فشلت أيضاً في تحقيق جميع أهدافها التي كانت تمنّي نفسها بها في تلك المدينة، وحتى لو زعمت السلطات التركية أنها استطاعت أن تفرض حصاراً كاملاً على مدينة "عفرين" الكردية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، إلى متى سيستمر هذا الوضع في تلك المدنية؟
لا شكّ أن السلطات التركية والقادة العسكريين الأتراك يدركون أن حصار منطقة "عفرين" الكردية في شمال سوريا لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة.
ردّ الحكومة السورية: تُعدّ "دمشق" أكثر المعارضين للتدخل العسكري التركي في شمال سوريا، واليوم نجد أن الوضع الحالي للحكومة السورية يختلف كثيراً عن وضعها بين عامي 2012 و 2014 وذلك بعدما تمكّنت من السيطرة على العديد من المناطق وهزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي.
القوات الحكومية السورية تنتشر في المناطق المحررة حديثاً في مدينة "حلب" وغيرها، وهذا يعني أن الجيش السوري يمكنه في وقتنا الحاضر متابعة التطورات الميدانية في الجزء الشمالي من البلاد، ومما لا شكّ فيه، أن هذه القوات وبدعم من الحلفاء الإقليميين، لن تظلّ صامتة إزاء العمليات العسكرية التي تقوم بها تركيا في شمال سوريا. حيث قام الجيش السوري في 19 فبراير الماضي بإرسال العديد من القوات العسكرية التابعة له إلى منطقة "عفرين" وذلك بهدف دعم القوات الكردية والدفاع عن تلك المنطقة الكردية السورية الواقعة في شمال سوريا ولقد استقبل الأكراد تلك القوات بترحيبٍ واسع.
الجدير بالذكر أنه خلال تلك الهجمات التي قام بها الجيش التركي على مدينة "عفرين" الكردية، قامت دمشق بإبرام اتفاق غير مكتوب وغير رسمي مع الأكراد السوريين وذلك من أجل أن يعملوا معاً للدفاع عن جميع الأراضي السورية ولا سيما مدينة "عفرين" الكردية وهنا انطلقت القوات الشعبية المسماة بـ"قوات الدفاع الوطني" إلى منطقة "عفرين" لدعم القوات الكردية في مواجهة الجيش التركي وهنا أيضاً أعلن الأكراد السوريون بأنهم لم يدعوا إلى الانفصال أبداً عن سوريا ولن يقوموا بذلك في المستقبل.
إنشاء جبهة كردية موحدة في مدينة "عفرين": أعلنت جميع الفصائل الكردية عن استعدادها للالتحاق بالقوات الحكومية المتعاونة مع القوات الكردية المسماة بـ"وحدات حماية الشعب" المتمركزة في منطقة "عفرين" وذلك من أجل حماية جميع المناطق السورية بما فيها المناطق الكردية من الغزو التركي، ومع انتشار بعض الأخبار في بداية شهر مارس الحالي والتي أفادت بأن القوات العسكرية التركية أصبحت قريبة من منطقة "عفرين"، أعلنت قناة "روداو" الإخبارية الكردية، نقلاً عن أحد القادة الأكراد في القوات الديمقراطية السورية، بأن القوات الكردية سوف تنطلق من مدينة "دير الزور" ومن بعض المناطق الأخرى باتجاه مدينة "عفرين".
وفي سياق متصل أعلنت بعض الجماعات الكردية القاطنة خارج الحدود السورية والموجودة في العراق عن استعدادها لدعم إخوانها الأكراد السوريين ضد الغزو التركي، وفي هذا الصدد، أعلنت "مالاباختيار"، العضوة البارزة في حزب العمال الكردستاني العراقي، بأن قوات "البيشمركة" على استعداد تام للانطلاق إلى منطقة "عفرين" وذلك من أجل مساعدة الأكراد السوريين.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن جميع الفصائل الكردية الموجودة في بعض المدن السورية كـ"منبج" و"القامشلي" و"كوباني"، أبدت استعدادها للتوجه نحو مدينة "عفرين" لمساعدة إخوانها الأكراد ومقاومة الغزو التركي، وبالنظر إلى أن تركيا أعلنت عن توسيع عملياتها العسكرية تجاه المناطق الكردية الواقعة في شرق سوريا، فستكون مدينة "عفرين" بطبيعة الحال هي المدينة الأولى التي ستنطلق منها شرارة المقاومة الكردية.
وبناءً على ذلك، فإن تشكيل جبهة كردية موحدة في منطقة "عفرين"، تتألف من أكراد هذه المدينة ومن المناطق الأخرى وحتى من المناطق العراقية، يمكن أن يؤدي إلى تشكيل وتكوين جبهة مقاومة كبيرة، ستقف أمام العدوان التركي وهذا الأمر سيزيد من صعوبة دخول الأتراك إلى منطقة "عفرين".
العقبات السياسية التي تواجه التقدّم التركي تجاه منطقة "عفرين":
قبل غزوها لمناطق شمال سوريا كانت الحكومة التركية تبذل الكثير من الجهد بالتعاون مع شركائها الإقليميين، بما في ذلك إيران وروسيا للتوصل إلى اتفاق ثلاثي حول سوريا وقبل خمسة أشهر تقريباً، أعلن رؤساء كل من إيران وتركيا وروسيا بأنهم هزموا تنظيم "داعش" الإرهابي وبأنهم اتفقوا على عقد قمة "سوتشي" لدفع العملية السياسية في سوريا إلى الأمام وتعهد أولئك الرؤساء، على التزامهم بالتوصل إلى اتفاق يفضي إلى إنشاء "مناطق خالية من السلاح" في سوريا لمنع وقوع مزيد من أحداث العنف والصراعات في مناطق معينة منها وللمساعدة على إحلال الأمن والاستقرار النسبي وتوفير المصالحة الوطنية في تلك المناطق.
ولكن الهجوم التركي المفاجئ على شمال سوريا قد قوّض كل المعادلات السابقة للتعاون مع إيران وروسيا وهنا تجدر الإشارة إلى أن إيران، منذ بداية التدخل العسكري التركي في شمال سوريا، أعلنت معارضتها العلنية لذلك ودعت "أنقرة" إلى كبح نفسها، كما أن الجانب الروسي أعلن أنه يرفض هذا الوجود التركي في شمال سوريا.
في ظل مثل هذه الظروف، فإنه من الطبيعي أن تستطيع تلك المحاور المعارضة للوجود التركي في شمال سوريا، منع تركيا من الوصول إلى أهدافها والسيطرة على منطقة "عفرين" ومن ناحية أخرى، فإن الخوف من ارتفاع الإنفاق العسكري والخسائر العسكرية بين القوات التركية والمدنيين، سيجبر الأتراك على عدم الاستمرار في فرض حصارهم على منطقة "عفرين" على المدى الطويل، وإن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 950 مدنياً في منطقة "عفرين" بسبب الهجمات التركية، سيزيد من الانتقادات الدولية على "أنقرة" وهذا الأمر يؤكد بأن تركيا ستواجه أوقاتاً عصيبة خلال تقدمها إلى منطقة "عفرين".