الوقت-يعدّ تقارب بريطانيا واستراليا من الصين كشركاء تقليديين للولايات المتحدة الأمريكية إشارة مهمة بالنسبة لهذا البلد. وفي الوقت الراهن بإمكان مشروع "طريق الحرير" الجديد المطروح بقوة أن يكون سبيلاً للتحرك بشكل أسرع نحو الصين القوية. كما أن إقبال بعض أكثر الدول الأوروبية تأثيراً، مثل بريطانيا تجاه الصين، سبّب قلقاً للأوروبيين والولايات المتحدة لأنهم لا يستطيعون بالطبع تحمّل هيمنة جديدة تتصدر الصين عنوانها.
وأفاد معهد دراسات "تشاتام هاوس" البريطاني في مقاله الأخير بقلم الدكتور بيتس غيل، الأستاذ الجامعي والخبير في الشؤون الأمريكية والآسيوية: "أن ترامب أبدى رغبته في الاصطدام بالصين أكثر بعد نشر وثيقة استراتيجية الأمن القومي ووثيقة استراتيجية الدفاع الوطني. ولكن نزعة أقرب شركاء أمريكا إلى الصين تظهر ما هو الواقع الاستراتيجي في الزمان الراهن.
ووفقاً لوثيقة ترامب للأمن القومي، يظهر أن الصين هي قوة رجعية في عالم اليوم، وهي تقف بقوة أمام المصالح والقيم الأمريكية، وتقوّض مكانة أمريكا بشدة في منطقة المحيط الهندي، وتعيد رسم صورة المنطقة على النحو الذي تشاؤه. وتم اعتبار الصين في وثيقة الدفاع الوطني، أنها تحدٍّ رئيسٍ لأهداف أمريكا، وقد أولي اهتمام خاص بضرورة المواجهة الاستراتيجية مع القوى الرجعية الجديدة في النظام الدولي وعلى رأسهم الصين.
ووفقاً لادعاءات الوثيقة فإن الصينيين يستخدمون نوعاً من الاقتصاد الانتهازي لتخويف جيرانهم من عسكرة بحر الصين الجنوبي وأنهم يسعون على المدى القصير إلى فرض هيمنتهم وقطع يد الولايات المتحدة في منطقة المحيط الهادئ الهندي من أجل تحقيق تفوّق عالمي في المستقبل. كما تبرز الوثيقة بوضوح أهمية الشركاء الأمريكيين في هذا الصدد:
"إن شركاء أمريكا، يمنحونها قوة لمواجهة المنافسين من موضع قوة. وفيما يلي ثلاثة أسباب لإثبات ادعاء أن الأمريكي في ميدان العمل أو ترجمة الأقوال بالأفعال لا يقدّم خيراً للحلفاء والشركاء ولا يمكن للحلفاء أن يجنوا خيراً من أمريكا ويمكن أن نثبت هذا الادعاء بثلاث نقاط:
أولاً، لنبدأ بفرضية أساسية: أن الصين هي قوة رجعية تتحدى بشدة المصالح الطويلة الأجل للولايات المتحدة وحلفائها. وهنالك حقيقة أن هذا الادعاء صدر عن دولة أظهرت نفسها خلال أدائها في سنة واحدة ودعت إلى إعادة النظر في النظام الليبرالي الدولي. دولة قوّضت قيمة الناتو وشركاء أمريكا الآخرين. دولة انسحبت من اتفاق المحيط الهادئ ودعت إلى إظهار الالتزامات الأمريكية بالاتفاقيات التجارية الثنائية أو المتعددة الأطراف. دولة انسحبت من مفاوضات المناخ في باريس وتدعم زعماء الاستبداد في بعض البلدان.
وفي الواقع، كيف يمكن التوقع منهم ألّا يميلوا نحو القوة الرجعية عندما تكون هنالك حكومة في أمريكا تتحدى وتنتقد شركاءها بشدة؟ في أجواء عدم الثقة التي أنشأها ترامب للشركاء الأمريكيين، هل يمكن من المتوقع ألّا ينجذبوا لأمريكا؟
وثانياً، فإن عدم الثقة بشأن البعد المالي للاستراتيجيات في حكومة ترامب ملحوظ جيداً، وضمن اعتراف وزير الدفاع الأمريكي بذلك، فإن الشركاء الأمريكيين يدركون ذلك جيداً. وبينما تتحدث وثيقة استراتيجية الدفاع القومي عن التنافس مع الصين، فإن الميزانية المالية للحكومة غير واضحة تقريباً، وكذلك الميزانية العسكرية إضافة إلى سوء الأداء السياسي.
وثالثاً، تنصّ الوثيقة على أن شركاء أمريكا قلقون بشأن طموحات الصين والقوة التي من الممكن تحقيقها في المستقبل، لذلك لا يرون أنفسهم على نفس الطريق مع الصين. وهذا غير صحيح. ولكن نفس هؤلاء الشركاء يفضّلون الاقتراب من الصين بدلاً من منافستها ومواجهتها، والتعامل معها والاستفادة منها. ويرون أن مكاسب هذا التعامل ستكون أكثر ثقلاً من المنافسة وأكثر ذكاء.
إن جملة "جولي بيشوب"، وزيرة الخارجية الأسترالية مهمة جداً عندما تقول: "نحن نختلف مع أمريكا حول الصين وروسيا. ولا نعتقد أن هذين البلدين يشكلان تهديداً لأستراليا. وسنواصل العمل بشكل وثيق مع الصين".
على أي حال، فإن أصدقاء وشركاء الولايات المتحدة يعتبرون أن استراتيجية حكومة ترامب هي استراتيجية دولة غير مستقرة وسيئة الأداء ولا يمكن الاعتماد عليها.
وقد قام معهد "تشاتام هاوس"، في تحليل آخر أجراه الدكتور "تيم سمرز"، بالتطرق إلى زيارة تريزا ماي إلى الصين في أوائل مايو، واعتبرها علامة مهمة لابتعاد الشريك الأمريكي القديم عن هذا البلد خلال عصر ترامب. وقال في تحليله إن قرار رئيسة الوزراء البريطانية بالتعاون في مجالات التجارة والاستثمار والثقافة والتعليم وحقوق الإنسان والجغرافيا السياسية مع الصين يمكن أن يكون ذا مغزى كبير. وأشادت ماي بـ"شي جين بينغ" كثيراً لطرحه مشروع "طريق الحرير الجديد".
إن فرصة التواصل الواسع، وإقرار السلام، والمنافع المتبادلة، والفوائد الأخرى لهذا المشروع، الذي يمرّ من آسيا وإفريقيا وأوروبا كثيرة جداً، ومن البعيد جداً ان تتغاضى عنه دولة ما. هذه الأيديولوجية هي من فئة تلك الأيديولوجيات التي يضعها البنك الدولي والأوروبيون على جدول الأعمال منذ عقود.
إن النمو المتزايد لاستثمارات الشركات الصينية والمعاملات الاقتصادية والاجتماعية في مثل هذه الأجواء، يعكس حقيقة أن العالم يمرّ بمرحلة تحوّل في العقود الأولى من الألفية الجديدة. وتسعى بريطانيا أيضاً بذكاء إلى عدم التخلف عن قافلة الأذكياء وترى أن القفزة والانفراج يكمنان في مصاحبة الصين.
وقبل بضعة أسابيع من لقائه مع الرئيس الصيني قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في اجتماع مع مسؤولين صينيين إن مشروع طريق الحرير الجديد لا يمكن ولا يجب أن يكون مشروعاً لتشكيل هيمنة جديدة. وهذا يعنى أن الشركاء البريطانيين الرئيسيين لديهم نفس المخاوف تجاه الصين كما كان من قبل، وأن بريطانيا التي تريد التعاون الوثيق مع الصين يجب أن تقف ضد شركائها التقليديين. لكن بريطانيا تنظر إلى الظروف المحيطة بها، وترى أن التعامل مع ترامب لا يزيدها إلا صداعاً سياسياً.
وكانت من بين أسباب السفر الأخرى إلى الصين تذكير الصينيين بالاستثمار في محطة القوة النووية "هينكلي بوينت"، الذي رحب به الصينيون، على أمل أن يتمكن البريطانيون من تسهيل المزيد من التعاون بين الأوروبيين في تصميم طريق الحرير. وتحدثت ماي في الصين عن دخول البلدين إلى العصر الذهبي، ووصف كبير مستشاري فيليب هاموند، المملكة المتحدة بأنها شريك طبيعي لطريق الحرير.
ويبدو أن هذه التصريحات والإجراءت تريد أن تنقل رسالة إلى ترامب بأن الصين، على عكس وثيقة استراتيجية الأمن القومي، ليست تهديداً، ويمكن للولايات المتحدة أن تعمل معها.
الآن هناك 155،000 طالب جامعي صيني في بريطانيا يفيدون اقتصاد البلاد بـ 5 مليارات جنيه سنويا. ومن ناحية اخرى، أشادت صحيفة جلوبال تايمز، باعتبارها صوت الحكومة الصينية، بالنهج البريطاني الذي انتقدته حكومة تايوان بشدة.
ومن ناحية أخرى، ينبغي النظر بعين الاعتبار، في التعاون مع الصين، في ظلّ وجود شركاء تقليديين في أوروبا وآسيا. وتريد بريطانيا تعزيز علاقاتها ومصالحها مع الصين بالتوازن مع علاقاتها ومصلحها مع شركائها التقليديين، وفي الوقت نفسه لا تريد أن تفقد فيه الصين على الإطلاق.
وهذ الأمر يواجه تحديات عديدة، ولكن أبعد من ذلك، فإن الولايات المتحدة باعتبارها أقرب شريك تقليدي لبريطانيا، ستضغط على الأخيرة في جو منعزل على نحو متزايد نتيجة لابتعاد شركائها القدامى، على الرغم من أن البريطانيين أخذوا بعين الاعتبار كل الجوانب. وسوف يسعى البريطانيون لإقناع الأمريكيين بأن الصين ليست تهديداً، أو إذا كانت كذلك، فيجب السيطرة عليها من خلال التقارب. وهذا النهج من الصعب جداً التوصل إلى حلّ من خلاله، ولكن ينبغي النظر إلى مدى تجاوب ترامب الإيجابي مع هذه القضية.