الوقت- توقيف الزعيم الكردي السوري صالح مسلم في التشيك يوم أمس الأحد "25/2/2018"، لا يمكن اختصاره بحادثة فردية تشبه غيرها من الحوادث التي تقع في أي مكان وفي أي زمان، ففي توقيف صالح الزمان والمكان لهما دلالات وأهداف قد نتمكن من ملامسة أطرافهما لنغوص في قضية كردية جديدة، عمّقت الجرح الكردي وفتحت الباب على مصراعيه لطرح مجموعة من الأسئلة عن توقيت هذا التوقيف ودلالاته وعما إذا كان تسليم "مسلم" للسلطات التركية قانوني أم لا؟!.
يوم أمس وبالتزامن مع إعلان وحدة الإنتربول التشيكية توقيف صالح مسلم استناداً إلى طلب ومذكرة توقيف صادرة عن السلطات التركية، سارعت الأخيرة إلى طلب تسليمه بأسرع فرصة ممكنة، ومن المقرر أن يَمثل مسلم اليوم الاثنين أمام محكمة تشيكية، وحتى الآن لم تبدِ التشيك أي رغبة في تسليم مسلم بهذه السرعة التي تريدها تركيا، وطلبت السلطات التشيكية من تركيا إرسال الوثائق والأوراق اللازمة من أجل تسليم مسلم إلى أنقرة، وتواصل مسؤولو الأمن الأتراك مع وزارة العدل التركية من أجل البدء بالإجراءات الإدارية الخاصة بتسليم مسلم.
ويبقى السؤال هل سيتم تسليم مسلم أم لا وما هو الدور الأمريكي في هذه القضية؟!
أولاً: حتى اللحظة لم تُصرّح التشيك بأنها تريد تسليم مسلم للسلطات التركية أم لا، حيث يسبق هذا الإجراء عدة جلسات في المحكمة يتم من خلالها التحقيق مع مسلم ومن ثم جمع الدلائل حول ما إذا كان مسلم قام بعمليات إرهابية أو دعم هكذا نوع من العمليات كما تدعي أنقرة ومن ثم مقارنتها مع الوثائق التركية.
ولا نعتقد بأن التشيك قادرة على تسليم الزعيم الكردي إلى تركيا، فهو مواطن سوري وليس "تركيّاً"، وعليه فإنه لا يحق لبراغ تسليمه لأنقرة لأن في ذلك مخالفة للقوانين الدولية، حيث لا يحق تسليم مواطن من بلد إلى بلد آخر من قبل بلد ثالث إلا في حال قيام هذا المواطن بجرائم خطيرة في البلد المدعي عليه وإثبات ذلك بالدلائل والبراهين، وفي حالة مسلم فالقضية لا تعدو كونها مجرد اتهامات تركية ليست كافية حتى اللحظة لتسليمه.
ثانياً: كان مسلم يشغل منصب الرئيس المشارك لحزب الاتحاد الديمقراطي "PYD"، وسعى مسلم الذي قاد "الاتحاد الديمقراطي" لسبع سنوات متتالية إلى إرساء قواعد الحكم الانفصالي للأكراد في شمال سوريا، ومع ذلك لم يدرج اسم صالح مسلم على لوائح الإرهاب حتى اللحظة ولم يصدر المجتمع الدولي أي تهمة لحزبه بأنه إرهابي.
ومن ناحية أخرى ليس من عادة الدول الأوربية أن تقوم بتسليم مواطن إلى بلد لا يمكن الوثوق بنظامه القضائي وبأنه سيقوم بمحاكمة عادلة، يضاف إلى ذلك إنه في حال كان البلد متهماً بعدم الامتثال لمعايير حقوق الإنسان، فإن احتمالية تسليم المتهم تكون شبه معدومة.
ثالثاً: من المرجح أن تدفع الدول الأوروبية ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية نحو منع تسليم مسلم للسلطات التركية، وخاصة واشنطن التي تربطها بـ"براغ" علاقات متينة، ومن المرجح أن تستغل الولايات المتحدة هذا الموقف لمصلحتها لتستخدمه كورقة ضغط ضد تركيا في أي محادثات مقبلة، خاصة أن واشنطن أثبتت لـ"أنقرة" من خلال توقيف مسلم بأنها لا تملك أي تعاون مع "حزب العمال الكردستاني" ولا تقدم له أي نوع من الدعم.
وكان لافتاً أن هذا الاعتقال جاء بعد محادثات جمعت بين وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خاصة أن الأخير لم يعر أي اهتمام لتدهور العلاقات مع واشنطن، لذلك قد يكون مسلم "كبش فداء كردي جديد" تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لتحسين العلاقات مع تركيا خوفاً من أن تذهب الأخيرة إلى الحضن الروسي وهذا الأمر لم يكن مستبعداً في ظل تحسن العلاقات بينهما خلال الأشهر الماضية.
ومن هنا جاءت ورقة مسلم التي لا نعتقد بأنها وليدة الصدفة، خاصة أن الرجل الذي صدر أمر اعتقاله من السلطات التركية وعُمم اسمه على الانتربول الدولي في العام 2016، كان يصول ويجول في أوروبا ويلتقي بالرؤساء دون أن يعترضه شخص واحد، وبالتالي فإن هذه الورقة يمكن استغلالها على نحو جيد من قبل واشنطن للضغط على أنقرة من جهة وإعادة العلاقات معها من جهة أخرى.
وما يجعلنا لا نستبعد إعطاء واشنطن الضوء الأخضر في توقيف مسلم ثلاثة أمور:
- الرجل ذهب إلى التشيك للمشاركة في منتدى قسم دراسات تطوير الشرق الأوسط التابع لجامعة كاليفورنيا، وبالتالي واشنطن على علم بتفاصيل قدومه وبنفس الوقت لا أحد يشكّ بأنها قادرة على حمايته إذا أرادت ذلك.
- هناك كلام في الكواليس عن رغبة واشنطن بالتخلي عن "حزب الاتحاد الديمقراطي" كلياً، وقد ذكر هذا الكلام تيلرسون خلال لقائه الأخير مع أردوغان، حيث أبلغ الجانب التركي أن الأكراد يتجهون إلى طيّ صفحة "الاتحاد الديمقراطي PYD"، والإعلان عن "حزب سوريا المستقبل"، بحسب مصدر غربي.
- واشنطن تخلت عن الأكراد وتركتهم وحيدين يواجهون "غصن الزيتون" الذي قتل أكثر من 2500 شخص منهم حتى الآن، ومن هنا كان يجدر بـ"مسلم" أن يعلم بأن واشنطن ستتخلى عنه في أقرب فرصة كما تخلت عن شعبه.
الأكراد عانوا ويعانون الكثير بسبب تحالفهم مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي لا تستحي من التخلي عن حلفائها والصعود على أكتافهم لتحقيق مشاريعها في المنطقة، لذلك من حق الأكراد أن يخافوا من أي تحالف جديد مع واشنطن خوفاً من مصير يشبه "عفرين" و"مسلم".