الوقت- على الرغم من كل السياسات المحدودة الأفق التي انتهجها أكراد سوريا تجاه أنفسهم أولاً وتجاه بلدهم ثانياً، لم تقبل الحكومة السورية أن تتخلى عنهم أياً كان الظرف، علّهم يتعلمون من أخطائهم التي لم تجلب لهم سوى الغضب العالمي والخذلان الأمريكي.
ورغم كل التحذيرات التي وجهها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته للقوات السورية لمنعها من الدخول إلى عفرين، لم تبالِ هذه القوات وشقّت طريقها دفاعاً عن أبناء سوريا في عفرين، حيث كشفت مصادر في المعارضة السورية لوكالة الأنباء الألمانية "د.ب. أ" أن "مجموعة من الحرس الجمهوري السوري دخلت اليوم "الجمعة" إلى بلدة تل رفعت في ريف حلب الشمالي تمهيداً لخروج وحدات حماية الشعب الكردي من المنطقة، وسيطرة القوات الحكومية السورية عليها.
أما عفرين فقد دخلتها القوات الشعبية السورية، واحتشد في استقبالها المئات من أهالي مدينة عفرين بريف حلب في الساحة الرئيسة للمدينة ترحيباً بدخول القوات الشعبية إلى المدينة للمساعدة في مواجهة الهجوم التركي المتواصل على منطقة عفرين، وذكرت وكالة الأنباء السورية أن أهالي عفرين أكدوا خلال تجمعهم في الساحة الرئيسة وسط المدينة انتماءهم لوطنهم سورية مرحبين بانخراط القوات الشعبية في مواجهة الهجوم التركي المتواصل على منطقة عفرين.
كيف وافق الجيش السوري على دخول عفرين لمساعدة الأكراد؟
بعد اتصالات دامت طويلاً توجّهت القوات السورية نحو عفرين إثر اتفاق مع الأكراد الذين تراجعوا عن شروطهم السابقة بمنع الجيش السوري من الدخول إلى مناطقهم. الجيش السوري دخل إلى تل رفعت، ولكن اللجان الشعبية هي من دخلت إلى عفرين، ومن المعروف أن الجيش السوري لا يحضر في الأماكن التي يكون وجوده فيها صورياً، فهو المخوّل قانونياً لبسط الأمن والاستقرار والدفاع عن أي اعتداء أجنبي.
جميعنا يعلم بأن الجيش السوري عرض في السابق على الأكراد الدخول إلى عفرين ورفع العلم السوري على المباني الحكومية لتجنيب الأكراد الهجوم التركي عليهم، لكنهم رفضوا ذلك وفضلوا حينها الحضن الأمريكي على الحضن السوري ليلقوا النتيجة بعد مدة قصيرة، والغريب أنهم لم يستفيدوا من تجربتهم السابقة في منبج عندما دخل الجيش السوري إليها عبر الحضور في الجبهة الأمامية بغية وقف القصف التركي، إلا أن حساب الحقل السوري لم يكن كحساب البيدر الكردي الذي تبيّن لاحقاً أنه استخدم ورقة الجيش السوري لأهداف خاصّة.
في الحقيقة لم تنسَ دمشق تجربة منبج، إلا أنها عمدت مؤخراً إلى الدخول في مفاوضات مع الأكراد الرافضين منذ سنوات وجود الجيش السوري في عفرين ومناطقهم، كون تركيا تبقى دولة معتدية والأكراد يبقون مواطنين سوريين، في الأسبوع الأول حصلت المفاوضات بوساطة دولة إقليمية، وتم الاتفاق على دخول الجيش السوري إلى عفرين، ولكن مع انتهاء المفاوضات وجد الأكراد أنفسهم قادرين على الصمود بوجه العدوان التركي، فنكسوا الاتفاق مجدداً "واشترطوا عدم حضور الجيش السوري إلى الجبهات وعلى الخطوط الأمامية"، ليتبيّن أن لجوءهم إلى الجيش السوري ومناشدتهم دمشق بأنهم سوريون كانت لأهداف سياسية بحتة، رغم أنهم قالوا بالحرف وحسب مصدر كردي في عفرين، إن الأكراد يرحبون بدخول الجيش السوري إلى منطقة عفرين ضمن اتفاق مع الحكومة السورية، وذلك مقابل أن يكون الأكراد جزءاً من العملية السياسية، مشيراً إلى أن سلاحهم سيعود للدولة السورية الذي هو لها في الأصل.
تعطّل الاتفاق فيما بعد واستمر العدوان التركي ليجد الأكراد أنفسهم أمام ضربات عسكرية قويّة تطيح بهم، لذلك لجؤوا مجدداً إلى المفاوضات. قبلت دمشق ولكن تمّ إرسال اللجان الشعبية وليس الجيش السوري، ولكن لا نعلم السبب الحقيقي فهل الأمر رسالة من دمشق للأكراد بسبب سياستهم المحدودة الأفق، أم إن الأمر يدخل في حسابات المواجهة مع تركيا، رغم أن الخيار الأوّل هو الأكثر ترجيحاً.
وعلى الرغم من أن تصرّفات الأكراد توحي بأنهم يريدون من الجيش السوري أن يكون كبش المحرقة في مواجهة العدوان التركي، إلا أن الخطوة الأخيرة جيدة شرط أن تلحقها خطوات حسن نوايا من الجانبين، وألّا يمتطي الأكراد ظهر الحكومة السورية بعد أن تعيد الاستقرار إلى عفرين ليقولوا فيما بعد أنهم يريدون حكماً ذاتياً من جديد، فالجيش السوري واللجان الشعبية يزجّون أنفسهم هناك لحرب قد تكلفهم الكثير على جميع الأصعدة، لذلك على الأكراد أن يقدروا هذه التضحيات التي يقدمها الجيش السوري للحفاظ على وحدة التراب السوري وألا يسمحوا للأمريكي بأن يستخدمهم كورقة يتخلى عنها في أحلك الظروف، والجميع اليوم في سوريا يرغب بأن يتحول التحالف مع الأكراد إلى تحالف استراتيجي لأن في ذلك منفعة مشتركة للطرفين.