الوقت- أيام قليلة تفصلنا عن مؤتمر السياسة والأمن الدولي الذي تستضيفه مدينة ميونخ الألمانية. وهو حدث عالمي يحضره نحو 600 ضيف من جميع أنحاء العالم، يعقد هذا العام خلال الفترة من 15 وحتى 18 من الشهر الحالي، في ظروف استثنائية ومشاكل أمنية تسيطر على سائر الدول. مما جذب أنظار المهتمّين على الصعيدين الأمني والسياسي.
فجوة في الإتّحاد الأوروبيّ
من الإتّحاد الأوروبيّ نبدأ. مع بداية العام 2017، كانت العلاقات متوتّرة داخل صفوفه، وكان الحدث الأبرز خروج بريطانيا، والخلافات الحادة بين الأعضاء، خصوصا حول ملف الهجرة، وعانى الإتحاد من الملف الأمني أيضا.
ولا تزال هذا المشاكل تواجهه في الفترة الحالية، لكن أمل الأوربيين بنموّ إقتصادي مستدام، لا يتحقق إلا بوحدتهم، أعطاهم أملا بالإستمرار.
وفي العام الماضي أيضا، ارتفعت المطالبات داخل الإتحاد الأوروبي بسياسة الدفاع الموحّدة. فوقع 23 بلدا عضوا وثيقة للتعاون الدفاعي تهدف لتعزيز التكامل الأوروبي في المجال العسكري، وقد أعلنت الممثلة العليا للسياسة الخارجية للإتحاد فيديريكا موغيريني في ختام توقيع الوثيقة أن الدول الأعضاء تعيش "لحظة تاريخية للدفاع الأوروبي". وتعتبر موغيريني أن هذه الأداة الجديدة تسمح بزيادة تطوير قدرات الإتحاد الأوروبي العسكرية لتعزيز استقلاليته "الإستراتيجية".
وفي هذا المجال توافقت كل من فرنسا وألمانيا على التعاون في تصنيع الجيل القادم من المقاتلات العسكرية.
هذا ويمكن القول أن دعم المفوضية الأوروبية لبحوث الدفاع الأوروبي وزيادة ميزانيات الدفاع، يتيح للقادة الأوروبيين الفرصة لخلق المزيد من القوة الأوروبية، وهو ما يلزم للدفاع عن مصالح 500 مليون أوروبي.
وفي حين نرى بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي غير حازمة بشأن المزيد من عمليات الدمج، إلا أن عددا من البلدان الأخرى، كفرنسا وألمانيا، دخلت حيّز التنفيذ.
وسيظهر العام المقبل ما إذا كانت المحاولات الرامية إلى التوصل لحلول توافقية وطموحة للإصلاح ستتحول إلى إجراءات وقرارات فعلية لسد الفجوة في الاتحاد الأوروبي.
الولايات المتحدة الأمريكية
أما أمريكا، فخطابات وتغريدات الرئيس ترامب والوثائق الإستراتيجية جعلت حلفاء الولايات المتحدة وأعداءها يتلقّون مجموعة عديدة من الرسائل.
على سبيل المثال، قال ترامب واصفا المحادثات مع كوريا الشمالية بأنها مضيعة للوقت، بينما قال وزير الخارجية تيلرسون أن الولايات المتحدة مستعدة للتفاوض مع بيونغ يانغ دون شروط مسبقة.
الولايات المتحدة تعمل على توتير الأوضاع في الشرق. فقبل مدّة اعتبر ترامب أن الإسلام واحد من أهم الأديان، لكن بعد طلب عدم دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، صرح ترامب قائلا: "الإسلام يكرهنا."
وتشير الاستراتيجية الأمنية الوطنية الجديدة، الصادرة في ديسمبر 2017، إلى أن الصين وروسيا هما العدوان الرئيسيان للولايات المتحدة، ومنافسيها في الوقت نفسه، في حين أكد ترامب على تحسين العلاقات مع روسيا.
مما يشير إلى تناقض في الآراء والأفعال داخل سياسة البيت الأبيض، ويجعل من الصعب تحديد استراتيجية واضحة له.
وقد خلقت الولايات المتحدة، بخروجها من اليونسكو، واتفاق المحيط الهادئ، ومعاهدة باريس بشأن تغير المناخ، والتهديد بالانسحاب من الاتفاق النووي، وضعا خاصا لنفسها في الساحة الخارجية، وكذلك لشركائها ومنافسيها وأعدائها.
اليوم، ولأن سياسة ترامب تعمل على تشديد النزاع في سائر المناطق، خصوصا في شرق آسيا وغربها، بغية مضاعفة وجودها العسكري من جهة، والحصول على مكاسب مالية من مبيعات السلاح، ستكون موضوعا حساسا على طاولة مؤتمر ميونخ بعد أيام.
شرق آسيا واحتدام المنافسة
لطالما تحدث الرئيس الصيني عن التحولات العالمية، لم يكن آخرها في الخطاب الذي ألقاه في المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني حيث كرر سبع مرات عبارة أن "الصين تخطط لدخول مرحلة جديدة في العقود الثلاثة المقبلة حتى العام 2050"، تكرار رأى فيه محللون إشارة إلى نظام عالمي جديد، ونقطة بداية تاريخية جديدة من شأنها أن تؤثر في الصين والعالم لعقود طويلة من الزمن.
ويمكن فهم الخطاب على أنه إشارة واضحة على توثب الصين لاحتلال مركز أقرب إلى صدارة العالم في القرن الحادي والعشرين، وهي التي أصبحت قطبا اقتصاديا ثانيا وقوة عسكرية ثالثة بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
وتمثّل الأزمة النووية الكورية والجهود الأمريكية لتوسيع وجودها العسكري في المنطقة، وخلق ائتلاف يضم اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا والهند لمواجهة زخم بكين في الساحة العالمية، كلها تحديات تواجه منطقة شرق آسيا واستقرارها.
الدب الروسي
أظهرت إحصائية في شهر كانون الأول من العام الماضي أن 72 بالمئة من الشعب الروسي يعتقد أن روسيا باتت قوة عظمى، واللافت أن النسبة كانت 32 بالمئة في العام 1999، هذه الثقة لم تأت من فراغ، بل استطاعت موسكو في السنوات الأخيرة أن تثبت نفسها كلاعب دولي محترف في شتى الميادين. ففي سوريا كان لها دور فاعل في دعم الدولة ومحاربة الإرهاب، على خلاف المشروع الأمريكي، مما زادت حدة خلافها مع واشنطن، التي يمكن القول أنها تخوض حربا باردة مع موسكو.
وإن استمرار الحرب في أوكرانيا والجهود التي تبذلها كييف للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو الناتو وتوسيع الناتو إلى أوروبا الشرقية وإنشاء حزام أمني حول روسيا والجهد الأمريكي لتوسيع داعش إلى آسيا الوسطى عبر أفغانستان يزيد من العقوبات المفروضة في الكونغرس تحت ذريعة تأثير روسيا على انتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2016. كلها تحديات هامة لأمن روسيا.
بالتالي يمكن القول أن ظروفا إستثنائية تحيط بالعالم في الفترة الحالية، وتحتم على المؤتمر الدولي للسياسة والأمن أن يدرس برويّة الأوضاع الراهنة، فإلى أين تتّجه البوصلة العالمية، وهل يمكن الحيلولة دون تفاقم الأزمات التي تعصف من كل حدب وصوب؟