الوقت- ما الذي تُريده أبو ظبي من كل هذا العبث؟ سؤال بدأ يتردد كثيراً في الآونة الأخيرة خصوصاً مع توسع رقعة المغامرات الإماراتية وانتشارها من الجزائر مروراً بليبيا ومصر فسوريا واليمن وعُمان والسعودية وأخيراً قطر، فعن ماذا يبحث "عيال زايد" من كل هذه المغامرات و"المؤامرات" التي يحيكونها بهدف تقويض الحكومات الموجودة أو دعم طرفٍ على حساب آخر كما في ليبيا وسوريا؟ وهل ستجلب لهم هذه المغامرات أيّة منافع غير الدور الاستخباراتي الذي باتت أبو ظبي تلعبه نيابةً عن الـ "سي أي ايه"، أم أنّ طموح العظمة عند حكام الإمارات للعب دور يفوق حجمها ودورها وأهميتها الجيوسياسية الذي تسبب في كلِّ هذه الأزمات؟.
الجزائر
يمكن مشاهدة الدور الإماراتي في الجزائر من خلال محاولة الأخيرة التأثير على القرار السياسي الجزائري، غير أنّ الجزائر رفضت مراراً الانصياع لأوامر أبو ظبي وقررت المضي منفردة في مساعي إحلال السلام في المنطقة، ولعلّ أبرز مواقف الجزائر المناهضة لأبو ظبي تمثّل بدعم رئيس الوزراء الليبي فايز السرّاج على حساب حليف الإمارات خليفة حفتر، بالإضافة إلى دعم الاقتصاد التونسي بعد توقف عدد من المشاريع التي كانت تدعمها الإمارات.
تونس
أما تونس؛ وهي الناجية الوحيدة من الربيع العربي، كان للإمارات رأياً آخر، حيث حاولت أبو ظبي الضغط على الرئيس السبسي الذي لم يخضع للرغبات الإماراتية التي أرادت من خلالها إعادة إنتاج المشهد المصري عقب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي من خلال زج الإخوان المُسلمين التونسيين في السجون.
وحال رفض الرئيس السبسي الإملاءات الإماراتية، قامت أبو ظبي بإيقاف عدد من المشاريع التي كانت تنجزها في تونس، ثم تطورت الحالة إلى منع التونسيات من السفر على الخطوط الجوية التابعة لدولة الإمارات، بالإضافة لمنعهنّ من ركوب أي طائرة متجهة نحو أحد مطارات الإمارات كوجهة نهائية أو حتى كمحطة عبور، ليكون الرد التونسي على هذا الإجراء من خلال تعليق رحلات شركة الخطوط الإماراتية من وإلى تونس إلى حين تمكن الشركة من إيجاد الحل المناسب لتشغيل رحلاتها طبقًا للقوانين والمعاهدات الدولية.
ليبيا
أما في ليبيا؛ فيمكن مشاهدة الدور الإماراتي جليّاً في دعم الجنرال خليفة حفتر على حساب رئيس الوزراء فايز السراج، حيث اتهم تقرير للأمم المتحدة دولة الإمارات بانتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا من خلال تقديم مروحيات قتالية وطائرات حربية لقوات المشير خليفة حفتر، وجاء في التقرير الذي أعده خبراء من المنظمة الدولية أن أبو ظبي قدمت الدعم المادي والدعم المباشر "للجيش الوطني الليبي" الذي يقوده حفتر.
سوريا
وفي سوريا، يبدو التدخل الإماراتي جليّاً من خلال مشاركتها الفعالة في غرفة "الموك" الاستخبارية والموجودة في العاصمة الأردنية عمان، والتي يتم من خلالها دعم المجموعات المسلحة السورية، بالإضافة لتنسيق عمل تلك المجموعات على الأرض، ناهيك عن طرد مئات السوريين المُقيمين في الإمارات، وذلك بسبب آرائهم السياسية تجاه بلدهم سوريا.
العراق
وضع العراق لم يكن أفضل من أشقائه، حيث يمكن رؤية الدور الإماراتي واضحاً جلياً من خلال محاولة أبو ظبي إغراق العراق بالمخدرات تارةً، أو دعم المنظمات الإرهابية تارة أخرى، وفي هذا السياق تمكّنت السطات العراقية من ضبط أكبر عملية تهريب للمخدرات شهدها العراق في تاريخه، وصلت عن طريق موانئ دولة الإمارات، حيث أكد الخبراء حينها أنّ أبو ظبي هي من قام بتسهيل عبور هذه الكميّة الكبيرة من المواد المخدّرة، وذلك بهدف إغراق العراق بالمخدرات.
وغير بعيدٍ عن المخدرات دعمت الإمارات شركة "بلاك ووتر" المتهمة بعمليات قتل ممنهج في العراق، فبعد أن خرجت الشركة من العراق إثر قرارٍ برلماني، وملاحقتها وإغلاق مكاتبها في الولايات المتحدة الأمريكية، احتضنت أبو ظبي الشركة مع تغيير اسمها والاحتفاظ بكوادرها، لتبدأ الشركة عملها تحت اسم "أوليف" أو شركة "الزيتونة للخدمات الأمنية"، وتملكها بشكلٍ كامل حكومة أبو ظبي، ويديرها مؤسس "بلاك ووتر" الضابط السابق بالجيش الأميركي "إريك برنس" والملاحق قضائياً بتهم عدة، بينها جنائية وأخرى تهرب ضريبي.
اليمن
أما في اليمن فلا مجال للحديث عن الانتهاكات الإماراتية هناك، فهي أكبر وأكثر من أن تُحصى، غير أنّه لا بدّ من تسليط الضوء على مشاركة الإمارات فيما بات يُعرف بالتحالف العربي، ومشاركتها بقتل الآلاف من أبناء الشعب اليمني، ناهيك عن تشكيل الميليشيات الخاصة بها والتي تعمل صباح مساء على قتل اليمنيين وإرساء التفرقة بين أبناء البلد الواحد.
عُمان
بداية التدخل الإماراتي كان مع اتهام السلطنة بأنها تقوم بتسهيل تهريب الأسلحة والمعونات لحركة أنصار الله اليمنيّة، الأمر الذي نفته مسقط مراراً، وترافق ذلك مع ضخّ إعلامي مكثف في وسائل الإعلام السعودية – الإماراتية، لتبدأ بعدها عمليات التحرش الإماراتية وأحياناً السعودية بسلطنة عُمان، حيث تعمل كل من السعودية والامارات على استفزاز عمان منذ ما يقارب العام تقريباً من خلال تكثيف الدولتين لنشاطهما في محافظة المهرة اليمنية وهي الواقعة على الحدود مع عُمان، بعد أن كانت هذه المحافظة خارج دائرة الصراع منذ بداية الحرب الهمجية على اليمن.
ويؤكد مراقبون أنّ علاقات قديمة وعميقة تجمع سكان المهرة مع سلطنة عمان، حيث تربطهم بها مصالح ثقافية وسياسية وأمنية واقتصادية، ولهذا السبب سعت عُمان ومنذ بداية الحرب على اليمن إلى عدم التورط بالحرب على اليمن والحفاظ على المهرة آمنة من النزاع اليمني، غير أنّ وجود القوات الإماراتية والسعودية هناك قد يجرُّ مسقط إلى الحرب الأمر الذي سيجعل الأمور تتعقد في اليمن أكثر وأكثر وسيهدد هذا الأمر السلم الأهلي والأمن داخل سلطنة عمان.
وغير بعيد عن التحرشات الإماراتية بعُمان؛ تبرز عملية إلقاء القبض على خليّة استخباراتية كانت تعمل في عُمان لحساب جهاز الاستخبارات الإماراتي، حيث تم اعتقال هذه الخليّة من قبل السلطات العُمانية، ويجرب التحقيق معها.
قطر
وفي قطر يمكن مشاهدة الدور الإماراتي من خلال مشاركتها في عملية الحصار المفروضة على الدوحة، وإغلاق الحدود البرية والبحرية وحتى المجال الجوي بوجه قطر، الأمر نتج عنه أزمة اقتصادية خانقة ضربت الدوحة لولا تدخل طهران وأنقرة لإنقاذ الموقف هناك.
السعودية
التنافس الإماراتي السعودي يبدو اليوم وأكثر من أيِّ وقتِ مضى على أشده، من خلال محاولة السيطرة على مراكز القرار في العالم العربي بشكلٍ عام، والمنطقة الخليجية بشكلٍ خاص، وفي سبيل هذه السيطرة؛ يتسابق المُحمدين (ابن سلمان وابن زايد) متخذين في سبيل ذلك أيّ طريق قد يوصلهما إلى مسعاهما، حيث يؤكد مراقبون أنّ عملية الاقتتال بين بن زايد وبن سلمان ما هي إلا عملية وقت، حيث ستشهد المنطقة حربا بين الحليفين لا تُبقي ولا تذر، حيث باتت هذه الحرب تطلُّ براسها معلنةً قدومها من خلال عمليات الاقتتال التي شهدتها مدينة عدن اليمنيّة بين القوات المؤيدة لأبو ظبي والقوات المؤيدة للرياض.
وأخيراً؛ فإنّ الدور الإماراتي يمكن مشاهدته جليّاً خلال مؤامراتٌ عدّة، أو ربما تكون هي اللاعب الرئيسي فيها، حيث باتت أبو ظبي تحتل المرتبة الثانية في العداء الإقليمي بعد دولة الاحتلال الإسرائيلية، إثر مؤامراتها تلك، حيث يؤكد مراقبون أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة وبعد أن كانت سابقاً مقصداً لكل أمم الأرض للعمل والحياة فيها؛ لما كانت توفره من فرصٍ كبيرة، تحولت اليوم ونتيجةً للسياسات التي ينتهجها حكامها الجدد إلى مكان يُسبب النفور عند السماع به، ناهيك عن غلاء المعيشة التي باتت تُهدد سكان الإمارات قبل المُقيمين بها.