الوقت - قبل أكثر من عام ونصف العام صوّت نحو 17 مليون بريطاني خلال استفتاء لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، فيما فضّل 16 مليون البقاء في الاتحاد.
ومنذ ذلك الوقت دخلت بريطانيا في منعطف تاريخي نتيجة التنافس الشديد بين المؤيدين للانفصال عن الاتحاد الأوروبي المعروف اختصاراً باسم (البريكست) والمعارضين له.
وبعد استقالة رئيس الوزراء البريطاني السابق "ديفيد كامرون" ومجيء "تيريزا ماي" أكدت الأخيرة استعدادها للمضي قدماً في إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وأعلنت ماي في 29 مارس/آذار 2017 تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، لتبدأ رسمياً إجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن الوصول إلى هذه النتيجة دونه مفاوضات عسيرة تنتظر الطرفين للاتفاق على طبيعة العلاقات بينهما على مختلف الأصعدة في مرحلة ما بعد الانفصال.
وتسعى ماي للتفاوض بشأن اتفاق شامل للتجارة الحرة بين بلادها والاتحاد الأوروبي، ويرى البعض أن المهلة المتبقية غير كافية لإبرام اتفاق من هذا القبيل، غير أن الطرفين قد يدفعان باتجاه إجراء مفاوضات تجارية موازية للمفاوضات السياسية. وأعربت ماي عن أملها بأن تتم عملية الخروج "على مراحل"، لكنها استبعدت في الوقت نفسه "وضعاً انتقالياً غير محدود زمنيا".
وعلى الرغم من مرور عام ونصف العام على تصويت البريطانيين على الانفصال من الاتحاد الأوروبي لازالت أي من الإجراءات المطلوبة لهذا الغرض لم تطبق على أرض الواقع، ويعود السبب كما يبدو لوجود خلافات عميقة في وجهات النظر بين قادة الاتحاد الأوروبي والزعامة البريطانية في شتى المجالات.
فقد شدد كبير مفاوضي الاتحاد بشأن البريكست "ميشال بارنييه" على ضرورة التوصل إلى اتفاق لإنهاء التفاوض ضمن المهلة المحددة، وذلك بعد حسم القضايا الأساسية خصوصاً التزامات بريطانيا تجاه الاتحاد ومنها مساهمتها في الموازنة الأوروبية.
وحدد بارنييه شهر أكتوبر/تشرين الثاني 2018 موعداً لإنهاء إجراءات انفصال بريطانيا كما هي محددة في المادة 50، وذلك لإتاحة الوقت الكافي لكي يصادق البرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا على معاهدة الانسحاب بحلول مارس/آذار 2019.
وفي 29 مارس/آذار 2019 يجب أن تكون بريطانيا خارج الاتحاد بمقتضى المادة 50، أي سنتين بعد طلب لندن تفعيل هذه المادة، وبإمكانها الانفصال قبل ذلك إذا اتفق الطرفان، وقد تمدد مهلة العامين إذا وافقا، لكن الاتحاد يريد أن تتم عملية الانفصال قبل إجراء الانتخابات الأوروبية في مايو/أيار 2019.
التحديات التي تواجه تنفيذ "بريكست"
تواجه الإجراءات الخاصة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جملة من التحديات يمكن إجمالها بما يلي:
- الخلاف بشأن ترسيم الحدود بين بريطانيا وإيرلندا الشمالية التي تطالب بضمانات كي لا يؤدي "بريكست" إلى عودة التفتيش على الحدود بين الجانبين والذي قد يثير توترات طائفية في منطقة غرقت في الماضي بالعنف.
ونذكِّر هنا بأن غالبية سكان إيرلندا الشمالية صوَّتوا للحفاظ على عضوية بلادهم في الاتحاد الأوروبي. وكانت مصادر دبلوماسية في بروكسل قد أعلنت في وقت سابق أن الاتحاد الأوروبي يصر على حصول إيرلندا على الحكم الذاتي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
- التبعات المالية الباهظة التي ستتحملها لندن بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي ومن بينها عشرات المليارات من اليورو التي هي عبارة عن ديون مستحقة للاتحاد بذمة الحكومة البريطانية، فضلاً عن التزامات تعهدت بها في إطار الموازنة الأوروبية حتى العام 2020.
- ملف أوضاع المواطنين البريطانيين في دول الاتحاد، وكذلك ملف المواطنين الأوروبيين في بريطانيا البالغ عددهم نحو 3 ملايين نسمة، فهناك خلافات بشأن دور محكمة العدل الأوروبية في ضمان حقوق مواطني الاتحاد الأوروبي في بريطانيا ما بعد "بريكست".
- يحذّر خبراء اقتصاديون من أن بريطانيا قد تخسر حوالى 500 ألف وظيفة في حلول 2030 في حال خروجها من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق حول السوق الموحدة أو الاتحاد الجمركي أو التدابير الانتقالية.
ويقول المسؤولون البريطانيون ومسؤولو الاتحاد الأوروبي إنه قد يكون من الضروري الاتفاق على ترتيبات انتقالية لإتاحة الوقت الكافي للتوصل إلى اتفاق شامل للتجارة الحرة بين الجانبين، وإتاحة الوقت للشركات والأفراد للتأقلم مع الوضع الجديد. ويرى العديد من المراقبين أن الأمر يتعلق بسنتين إلى خمس بعد الانفصال من أجل التوصل إلى اتفاق شامل.
فالمادة 50 من معاهدة لشبونة تتعلق بموضوع انفصال دولة عضو من الاتحاد الأوروبي، وأما العلاقات المستقبلية - لاسيّما التجارية والقضائية - فيجب أن تحدد في إطار محادثات أخرى يمكن أن تستغرق سنوات، ولذلك طرحت فكرة اتفاق مرحلي لتفادي خروج مفاجئ جداً، خصوصاً بالنسبة إلى الشركات، بانتظار التوصل إلى اتفاق نهائي.
ختاماً ينبغي التنويه إلى أن الكثير من المراقبين يعتقدون بأن بريطانيا ستكون في وضع سيء أياً كان الاتفاق الذي تتوصل إليه مع الاتحاد الأوروبي.