الوقت - الحادي والعشرون من آب 2014، ومع ساعات الفجر الأولى، ضربت مروحية اسرائيلية سيارة القيادي رائد العطار، قائد «كتيبة رفح» في «كتائب عز الدين القسام» فاستشهد على الفور مع قياديين آخرين هما محمد أبو شمالة ومحمد برهوم. يومها تلقت حماس الضربة الأقسى خلال الحرب فالعطار هو «الرجل الثاني» في الكتائب فعليا، و«الأول» على صعيد الحراك الميداني على الأرض، وأيضا هو المسؤول عن التخطيط والتنفيذ لعدد من أهم العمليات العسكرية، في مقدمتها أسر الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط.
ينتمي الشهيد العطار الى الجيل الثاني من قياديي حركة حماس، حيث عانى هذا الجيل من صعوبات مزدوجة فبالإضافة الى الملاحقة الاسرائيلية، تلقى أبناء هذا الجيل صفعة فلسطينية حيث لاحقتهم السلطة واعتقلت العديد منهم وقدمت للأجهزة الأمنية الاسرائيلية معلومات هامة عنهم، حيث اعترف أحد المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، عام 1996، بأن السلطة نجحت في ثمانية أشهر فقط، في الحصول على معلومات لم يتمكن الكيان الاسرائيلي من جمعها خلال عشرين عاماً.
عام 1995 حكمت عليه محكمة تابعة للسلطة الفلسطينية بالسجن مدة عامين، بتهمة «التدريب على أسلحة غير مشروعة» (اتفاقية أوسلو نصت على أن «السلاح الشرعي» في الضفة الغربية وغزة، هو أسلحة جيش الكيان الاسرائيلي والسلطة فقط.)
في العاشر من آذار سنة 1999 حكمت عليه محكمة أمن الدولة بالاعدام رميا على خلفية مقتل ضابط في الشرطة، خلال ملاحقته للقبض عليه. أدى هذا الحكم إلى اشتعال مواجهات عنيفة في محافظة رفح قتل فيها شابان وأصيب آخرون بجراح مختلفة، مما اضطر ياسر عرفات الى الضغط لاعادة محاكمته، وقد تمكن العطار من الخروج من سجون السلطة في ظل استهداف الكيان الاسرائيلي مواقع الأجهزة الأمنية أثناء أحداث انتفاضة الأقصى الثانية، ليعود إلى عمله العسكري بحماس أكثر وبشخصية مثقلة بالوعي والثبات والتصميم.
دور العطار الحقيقي برز في بناء «الجيل الرابع» من مقاتلي «القسام»: جيل ما بعد أحداث الانقسام الداخلي، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008. هذا الجيل بالذات شهد «طفرة نوعية»، فقد كان من الشباب الذين سنحت لهم فرصة الانتقال من «العمل في مجموعات محدودة الأفراد» إلى بناء هيكلية عسكرية شديدة التنظيم، تحظى بتسليح وتدريب جيدين، إضافة إلى نقل الخبرات والمعارف الجديدة، التي حظي بها المتدربون في إيران وسوريا، وذلك ترافق مع تأسيس أول كلية عسكرية باسم «صلاح شحادة» ــ قائد «القسام» السابق ــ وقد كان للعطار دور مهم فيها.
أولى ثمار الحصاد كانت بإتمام صفقة التبادل المعروفة باسم «صفقة شاليط» عام 2011. والتي لمع من خلالها اسم العطار الذي فرض نفسه أنه الأكثر دهاء وخطورة بين قيادات «القسام»، فقد أشرف على عملية الأسر، ثم متابعة الاحتفاظ بشاليط طوال خمس سنوات، وفي النهاية الإشراف على إخراج شاليط من مخبئه، ومراقبة المراحل الأخيرة من «الاستلام والتسليم»، مع وضع الاحتمالات والاحتياطات اللازمة لذلك.
وبعد عملية التبادل ورغم كونه ملاحقا ومستهدفا الا أنه أشرف على عملية تدريب شباب المقاومة الفلسطينية وخصوصا شباب النخبة والقوات الخاصة الذين من بعد عملية التبادل بات أبو أيمن( العطار) يوليهم أهمية خاصة.
صب العطار تركيزه على تدريب «النخبة» على ضرورة أسر الجنود، حتى صار أستاذا بتكتيكات الأسر، وكانت تعليماته للمتدربين بتعلم اللغة العبرية، والخطوات اللازمة في حال أسر الجندي، كالدخول في «الصمت اللاسلكي» والتخلص من أي وسيلة تعقب إلكترونية تكون مغروسة حتى في جسد كل جندي إسرائيلي لتحديد مكانه، مع ضرورة «اختيار الجنود من ذوي البشرة البيضاء والملامح الغربية، وتجنب ذوي الملامح العربية والأفريقية. حسبما يروي أحد المتدربين على يديه.
عام 2014 اندلعت الحرب الثامنة مع الکيان الاسرائيلي، فسطع نجم العطار بقوة وقد برزت لمساته المنفردة في تدريب جنوده الشباب من المقاومين الذين شهد لتنظيمهم الکيان الاسرائيلي نفسه، وقد زادت شهادة المسؤول العسكري الجعبري من صعوبة المهمة الملقاة على عاتق العطار الذي حمل المسؤولية وكان على قدرها. وكانت توجيهات العطار واضحة في الحرب: «اسر المزيد من الجنود». وتقول مصادر إنه كان المشرف الأول على أسر الجندي هدار غولدن في رفح، التي كانت السبب الرئيسي في اكتشاف مكانه، من «عيون» الکيان الاسرائيلي في غزة، ثم اغتياله مع «الرجل الثالث» في «القسام»، محمد أبو شمالة، ضمن ضربة مزدوجة ومؤلمة.
وبعد تسعة أشهر على استشهاده، يعود اسم رائد العطار الى الواجهة من جديد بعد أن حكمت عليه محكمة مصرية بالإعدام، متهمة إياه بالتورط في أحداث سجن «وادي النطرون»، عام 2011. حكمان بالإعدام وعدة محاولات اغتيال، الا أن رائد العطار كان له النهاية التي يتمناها، والتحق برفاقه الذين سبقوه ومضوا قبله على طريق التحرير.