الوقت- لم تكن العلاقات الامريكية الروسية على هذه الدرجة من الفتور والتوتر منذ انهيار النظام الشيوعي في موسكو حتى الان، ورغم تزايد احتمال التقارب بين الدولتين بعد مجيء دونالد ترامب الى الحكم بسبب رغبة ترامب في تحسين العلاقات لكن في الحقيقة لم يتم اتخاذ اية خطوة ايجابية من هذا القبيل بل على العكس من ذلك ازداد الشرخ بين الجانبين و تصاعدت الخلافات بينهما.
وفي هذا السياق يمكن الاشارة الى البيان الذي اصدرته وزارة الخارجية الروسية قبيل زيارة وزير الخارجية الامريكي ركس تيلرسون الى موسكو في الرابع من ديسمبر حيث اعتبر البيان ان العلاقات الثنائية بين روسيا وامريكا هي في اسوأ اوضاعها الممكنة منذ انتهاء الحرب الباردة، ورغم ذلك قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بارسال رسالة الى نظيره الامريكي دونالد ترامب بمناسبة حلول العام الميلادي الجديد داعيا الى توسيع العلاقات بين موسكو وواشنطن.
وقد قال بوتين في هذه الرسالة الموجهة الى ترامب "ان تعزيز الحوار البناء بين واشنطن وموسكو لدعم الاستقرار الاستراتيجي في العالم على وجه خصوص امر هام جدا" لكن السؤال المطروح الان هو هل ان مساعي و رغبات الرئيسين الروسي و الامريكي ستمهد لتحسين العلاقات بين البلدين؟ وهل يمكن رؤية آفاق ايجابية من التعاون وتقليص التوتر بين روسيا وامريكا خلال العام الجديد؟
لاشك ان امام بوتين وترامب طريق صعب حتى اذا افترضنا وجود رغبة حقيقية للتعاون على الصعيد الدولي لأن الحكومات الامريكية المتعاقبة بعد الحرب الباردة اتبعت سياسة الأحادية وفرض الهيمنية الامريكية على العالم بدرجات متفاوتة وذلك من اجل منع ظهور قوى متصاعدة تتحدى الامريكيين في العالم.
وكانت روسيا من الدول التي تحدت وواجهت الامريكيين بعد مجيء بوتين الى الحكم ومن المعروف ان بوتين سعى جاهدا الى تحسين مكانة روسيا في العالم، وقد بعث الروس عدة رسائل واضحة الى الامريكيين حينما ردوا على نشر الدرع الصاروخية الامريكية بإشعال التنافس مع الامريكيين في قطب الشمال والاعلان عن بدء رحلات القاذفات الاستراتيجية الروسية وهذا كله يدل ان الروس يتبعون سياسة جديدة ازاء التطورات الدولية.
الخلافات الساخنة
الخلافات بين موسكو وواشنطن تشمل قضايا كثيرة جدا، الازمة في اوكرانيا والعقوبات الموجهة ضد روسيا (وخاصة قانون كاتسا الذي وقعه ترامب في أغسطس) والتهم الموجهة لروسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الامريكية و التنافس في سوريا وسعي موسكو لايجاد موطئ قدم لها في الشرق الاوسط و الازمة النووية لكوريا الشماية واتهامات واشنطن لموسكو بأنها لاتراعي القرارات الدولية فيما يخص العقوبات المفروضة على بيونغ يانغ، ومحاولات واشنطن لتمدد حلف الناتو نحو الشرق، وسعي امريكا في تهديد المصالح الروسية في شرق اوروبا وآسيا الوسطى عبر طرق عديدة مثل تضخيم الخطر الروسي والتمهيد لتفشي داء الارهاب (وخاصة داعش) في آسيا الوسطى هي من أهم ساحات المواجهة والتنفاس والخلاف بين البلدين طوال السنين الماضية والتي بقيت من دون حلول حتى الان ولا يتوقع حلها على المدى المنظور حتى اذا توفرت الرغبة لدى الرئيسين الروسي و الامريكي لازالة هذه العراقيل.
الحرب الباردة الجديدة
ان ما تعيشه روسيا وامريكا ( حتى مع غياب التنافس الايديولوجي الذي كان سائدا بين البلدين في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار الاتحاد السوفيتي) يمكن تسميته بالحرب الباردة الجديدة وسبب ذلك هو السياسات الامريكية لاحداث تغيير في الموازنة الاستراتيجية الراهنة مع روسيا.
ان وثيقة استراتيجية الامن القومي لادارة ترامب تعتبر روسيا خطرا وتهديدا للأمن القومي الامريكي وليس منافسا ومن الطبيعي ان تكون السياسة الخارجية الامريكية مبنية على المواجهة المتزايدة مع موسكو.
وفي الحقيقة فإن سياسة ادارة ترامب مبنية على نظرة تنافسية وحرب باردة وليس التعامل والتعاون (كما دعا اليه بوتين في رسالته) فامريكا كما تقول في استراتيجية امنها القومي تحاول بوضوح فرض هيمنتها وسياساتها الاحادية على العالم، وهذه السياسة تقف على النقيض تماما مع سياسات روسيا بوتين وهذا ما سيسوق البلدين نحو مزيد من الاحتكاك والمواجهة بفعل التعقيدات التي تلف تطورت الاوضاع على الساحتين الدولية و العالمية وذلك على الرغم من سعي البلدين الى تجنب لدخول في مواجهة مباشرة.