الوقت- لايستوعب العقل البشري المعاصر سبب كل هذا الحقد والقتل والتشريد والظلم الذي ينتهجه يهود اسرائيل تجاه المسيحيين والمسلمين، ولكن الأمر المريب هو أن يقف العالم الذي يدعي التحضر المسمى بالديمقراطي والليبرالي وغيرها من المصطلحات الفضفاضة دون ان يوقف هذا الكيان الطائفي الحاقد من سلوكه العنصري بحق الانسان على الأراضي الفلسطينية.
وعلاوة على الكراهية والعداء والظلم الذي يكنّه الاسرائيليين للمسلمين منذ بداية احتلالهم لفلسطين في عام 1948م، إلا انه لم يشفي غليلهم إذ صبّوا جام حقدهم على المسيحيين أيضا، وتفننوا بحرق وتعذيب وقتل وتخريب كل ماهو مسيحي في فلسطين، ولكن سيتساءل أحدهم "لماذا هذا الحقد الاسرائيلي الأعمى الدفين على كل ما هو حضاري ومقدّس في هذه البقعة الطاهرة المباركة، وعلى وجه الخصوص المسيحيين القاطنين فيها؟". وفي هذه القراءة سنسلّط الضوء على سلسلة الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الاسرائيلي بحق المسيحيين في فلسطين، لاسيما بعد إعلان قدس الأقداس عاصمة لإسرائيل من قبل الماسوني الأمريكي "دونالد ترامب".
لابد لنا في بداية الأمر أن نوضّح أسباب ودوافع هذا الحقد الصهيوني الأعمى، إذ يعرف المسيحيون في الأراضي الفلسطينية جيدًا ما يكنّه اليهود المتطرفون لديانتهم ومقدساتهم وقادتهم الدينيين، فقد اعتادوا على حوادث حرق الكنائس، وعلى قراءة الشعارات المعادية التي تطالب بذبحهم، وتنعتهم بألفاظ سيئة، وكذلك البصق على الرهبان في شوارع القدس، ، يحدث ذلك مع استمرار خروج فتاوى الحاخامات التي تجيز ذبح المسيحيين وحرقهم؛ لأن يسوع في نظرهم "أفسد إسرائيل وهدمها" حسب مايزعمه الاسرائيليين.
ولمن لا يعلم، إن معظم المرجعيات الدينية اليهودية ترفض أي علاقة مع الجماعات المسيحية الإنجيلية الأمريكية على الرغم من دورها الداعم لإسرائيل؛ فقد دعا أمثال الحاخام الصهيوني "شلومو أفنير" بعدم السماح للإنجيليين بتدنيس المستوطنات، وقاطع بعض النخب الزيارات التي تنظم لهم إليها؛ بل ذهب رئيس منظمة (لهافا) المتطرفة "بنتسي غوبشتين"، إلى القول إن إقامة دولة إسرائيل هو أكبر صفعة رنانة تلقتها الكنيسة على وجهها على الإطلاق بعد سنوات من محاولات فاشلة لإبادة اليهود.
ولنعود بالذكرة الى الماضي القريب وعلى وجه التحديد في العام 2015، حيث نفّذ الصهاينة أكبر الاعتداءات على الكنائس في فلسطين، فقد تعرضت كنيسة الطابغة (كنيسة السمك والخبز) الواقعة على الضفاف الشمالية لبحيرة طبريا في عام 2015 لهجوم غير مسبوق، حيث أضرم الاسرائيليين النيران في أبوابها فجرًا مما أدى الى وقوع أضرار جسيمة في الكنيسة الأثرية، حيث حرقت قاعة الصلاة، وكتب الإنجيل، وألحقت أضرارًا بالصلبان المرفوعة في فناء الكنيسة، وجاءت هذه الجريمة الصهيونية بغية تغيير نظام الحكم وتقريب الخلاص، عن طريق جملة من الوسائل، بينهم المس بالمواقع المسيحية في أنحاء البلاد، كما قال المتطرف اليهودي "يانون رؤوفيني" منفّذ هجوم حرق الكنسية.
ولم تتمثل الإعتداءات الصهيونية ضد المقدسات المسيحية بهجمات المتطرفين اليهود فقط، ففي العام الماضي نُشر كتاب إسرائيلي يضم وثائق تؤكد أن جيش الاحتلال عمد إلى انتهاج سياسة تقوم على تدمير الكنائس وتخريبها والمس بها في فلسطين عشية حرب عام 1948 واستمر بهذه السياسة ولايزال حتى الوقت الراهن.
ففي إحدى صفحات الكتاب بحسب مانقلته صحيفة "هآرتس": سرق الجنود من إحدى الكنائس تاجًا مصنوعًا من الأحجار الكريمة قيمته كبيرة جدًا، كما كسروا يد تمثال للمسيح في إحدى الكنائس لسرقة سوار من ذهب كانت تلفه، لقد تعمد الضباط والجنود الإسرائيليون التعرّض لقدسية الكنائس وتمزيق كتب مقدسة.
ولو سلّطنا الضوء قليلا على جزء مما كتبه رئيس منظمة (لهافا) الصهيونية المتطرفة "بنتسي غوبشتين"، لتبيّن لنا مدى الحقد الذي يكنّه الصهاينة للمسيحيين، حيث قال والحقد يملؤ عينيه: لا مكان لعيد الميلاد في الأراضي المقدسة، لا ينبغي منح العمل التبشيري موطئ قدم، لنلقي بمصاصي الدماء خارج أرضنا قبل أن يقوموا بشرب دمنا مرة أخرى، كتب "غوبشتين" ذلك في مقال له على موقع "كوكر".
ومن أشد الإعتداءات الصهيونية خطورة بحق المقدسات المسيحية في القدس هي قضية تسريب الأملاك المسيحية إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات الماضية، فقد أزيل اللثام عن الكثير من الحقائق حول التسريب المستمر للعقارات المسيحية، وشهد 27 يونيو (حزيران) 2017، كشف النقاب عن بيع الاحتلال الإسرائيلي الأراضي التابعة للكنيسة الأرثوذكسية في القدس.
كما ويؤدي التعليم الديني في إسرائيل دوره في دعم الوجهة الدينية المتطرفة ضد المسيحية، فالمؤسسات التعليمية التابعة للمتطرفين التي تربي على أن الشعب اليهودي هو شعب الله المختار، تلقن فيها الفتاوى التي تبيح تدنيس أماكن العبادة والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وغيرها من المناطق الأخرى.
في نهاية المطاف بات جليّا تصاعد مشاعر العنصرية والكراهية لغير اليهود في اسرائيل، حيث تجلى آخرها باعتداءات مختلفة على المسيحيين وصلت لحد المطالبة العلنية بطردهم. ويرى مراقبون أن جرائم الكراهية تتكرر كل يوم بدعم أو تجاهل المؤسسة الحاكمة في تل أبيب.