الوقت - لم يكن قرار ترامب بشأن القدس اعتباطيا بل جاء بعد مرحلة طويلة من محاولة ترويض الحلفاء العرب لأمريكا في المنطقة؛ بعد هذا الترويض الممنهج جاءت مرحلة "جس النبض" لمعرفة كيف سيتعامل الشارع العربي والاسلامي مع قضية القدس وماهي ردة فعل حكام العرب على هذا القرار، والحقيقة أن الشارع العربي هو ما كان يقلق الکيان الاسرائيلي وأمريكا في هذه القضية أكثر من الحكام، وما كان لافتا في هذه المرحلة المصيرية هو موقف الأردن قيادةً وشعبا وتضامنها اللامحدود مع الشعب الفلسطيني ولو على حساب علاقتها مع السعودية.
السعودية تلقت الرسالة وعلمت جيدا أن الأردن ماضية في دفاعها عن القدس وأنها بدأت تغرد خارج سرب دول "الاعتدال العربي"، وهنا ما كان على السعودية إلا استدعاء الملك الأردني عبد الله الثاني لمحاولة استدراك واستيعاب التطور الأردني الجديد على مستوى القيادة والشعب وايصال رسالة للأردن بأن الحضن السعودي ما زال "دافئاً"؛ ولكن هذا الدفء لم يعد يغري الأردن وإن كان يدفئ القيادة الأردنية فهو يجعل الشعب الأردني يرتعد بردا، أدركت الأردن هذه القضية وشعرت بأن اللعبة الجديدة ستهدد أمنها واستقرارها فضلا عن كونها تهدد الوجود الفلسطيني بأكمله وهذا ما تراه الأردن "خطاً أحمر" لايمكن تجاوزه مهما كانت المغريات.
القمة الاسلامية
توجه يوم أمس الملك الأردني على رأس وفد رفيع المستوى إلى العاصمة السعودية الرياض بعد أن كان قد رفض قمة ثلاثية دعاه إليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتجمعه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وربما يأتي رفضه لهذه القمة لكونه يعلم جيدا أنها ستشكل ضغطا كبيرا على السلطة الفلسطينية ومن خلفها الشعب الفلسطيني وهذا أبعد ما يبحث عنه الملك عبدالله في هذه المرحلة الحرجة من عمر الأمة.
أما فيما يتعلق بلقائه بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز؛ فالجميع كان ينتظر ما ستؤول إليه هذه الزيارة لتخفيف حدة التوتر والركود الذي شهدته العلاقات السعودية – الأردنية بعد قرار ترامب بشان القدس، وما كان يسعى إليه الإعلام السعودي لم يستطع تحقيقه لأن الزيارة جاءت بنتائج خجولة لا ترقى لايجاد تحليلات تبرز النقاط المشتركة بين البلدين ومدى تطابق وجهات النظر حيال موضوع القدس، وكان البيان الصادر عن اللقاء قد تحدث عن اتفاق الزعيمين على استمرار التشاور والتنسيق في مختلف القضايا، وما يؤكد عدم الوصول إلى نقاط مشتركة حيال موضوع القدس؛ توجه الملك الأردني إلى تركيا بنفس اليوم لحضور اجتماعات القمة الطارئة لمنظمة التعاون الإسلامي، والتي تعقد الیوم الأربعاء في مدينة إسطنبول بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي تترأس بلاده الدورة الحالية للمنظمة.
هذا الأمر لم تكن تتمناه السعودية تحت أي ظرف، خاصة أن السعودية قلصت تمثيلها الدبلوماسي في مؤتمر القمة الاسلامية نظرا لحالة التوتر أو على الأقل عدم الانسجام مع الجانب التركي في هذه المرحلة، وبالتالي فإن تمثيل الأردن بوفد رفيع المستوى في قمة تركيا يبرهن أن هناك خلافاً حقيقياً مع السعودية وأن ما اقترحته الرياض على الملك عبدالله لم يلق ترحيباً من الجانب الأردني على الرغم من العلاقة القوية التي تجمعهما، وهذا يعتبر تطوراً جديداً في العلاقات السعودية – الاردنية ويجعلها فاترة وربما باردة بعد أن كانت الأردن أقرب الحلفاء للسعودية، ولكن ومهما كانت القيادة الاردنية منسجمة مع السعودية لن تستطيع أن "تدير ظهرها" لشعبها الذي انتفض على قرار ترامب وخرج للتظاهر منددا بالقرار الأمريكي وبموقف المملكة.
الشعب الأردني والقيادة
الشرخ بين الشارع العربي والأنظمة الحاکمة اتسع أكثر من السابق بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لـ"اسرائيل" وخرجت الشعوب العربية بالآلاف لتدافع عن أولى القبلتين وتندد بهذا القرار ومن يدافع عنه، والشارع الأردني لم يكن منفصلا عن بقية الشعوب العربية والاسلامية بل كان أكثرها حدة وعنفوانا تجاه قضية القدس، رافضا أي مساس بالقدس وأماكنه المقدسة ورغم العلاقة الجيدة مع السعودية لم يتردد هذا الشعب بالتنديد بمواقف الملك سلمان وهنا وجدت الحكومة الأردنية أنها لاتستطيع أن تعزل نفسها عن شعبها، حتى أنها وعلى غير العادة دعت يوم الجمعة الفائت الشعب الأردنيّ بكامل أطيافه، للخروج احتجاجا على قرار ترامب.
التنديد بموقف السعودية أغضب السفير السعودي في الأردن، خالد بن فيصل، ووصف توجيه ما اعتبره شتائم لرموز المملكة بالأمر الناقص، وتوعد من يتعدى حدوده أيا كان، ولم تسمح السعودية وكذلك البحرين لمواطنيهما المتواجدين على الأراضي الاردنية بالتظاهر ضد قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، وقالت السفارة السعودية في تغريدة على موقع "تويتر"، إنّ السفارة "تهيب بمواطنيها المقيمين على الأراضي الأردنيّة الشقيقة، والطلّاب الدارسين في الجامعات الأردنيّة، الابتعاد عن أماكن التجمعات والمسيرات، حفاظا على سلامتهم".
ماذا تريد السعودية من الاردن؟!
الملك عبدالله كان يعلم أنه يستطيع الافلات من قمة مصر لكنه لن يستطيع عدم الذهاب إلى السعودية ولقاء الملك سلمان، ومحاولة إقناعه بأن عليه التخفيف من حدة موقفه تجاه قرار ترامب، وربما مافعله الشعب الأردني أثناء التظاهرات من التنديد بموقف الملك السعودي كان نقطة ارتكاز حديث الملك لتوجيه اللوم للأردن وملكه، عله ينجح في الضغط على الملك الأردني لعدم السير بأي تحرّك في القمّة الإسلاميّة.
وربما کان یرید الملك سلمان انقاذ قرار ترامب وتبييض صفحته في المنطقة بعد أن واجه قراره كل هذا الاحتجاج، وما إرسال وفد بحريني إلى الکيان الاسرائيلي إلا دليل جوهري على هذا الأمر، خاصة أن البحرين لا تقدم على أي خطوة في هذا التوقيت الحرج دون أوامر سعوديّة.
وفي ظاهر الأمر فإن هدف السعودية من استقبال الملك الأردني إظهار الحرص السعودي على القدس كون الأردن هي الراعية للقدس، لأن السعودية بدأت تدرك جيدا أن هناك حالة نفور عامة منها في الشارع العربي وبالتالي كان لابد من حفظ ماء وجهها بأي طريقة.