الوقت - فتحت التطورات الميدانية الأخيرة في سوريا، من إدلب إلى السويداء، الباب واسعاً حول مستقبل الدروز في سوريا. مجزرة قلب لوزة والتي راح ضحيتها أكثر من أربعين مواطناً بينهم اطفال قضوا جراء اعتداء مسلحي جبهة النصرة الفرع السوري لتنظيم القاعدة، أعادت تسليط الاضواء على وضع طائفة الموحدين الدروز في سوريا وموقفهم من الأحداث هناك، خاصةً أنهم باتوا يدفعون ضريبة مباشرة لمشاريع الجماعات التكفيرية.
تأتي مجزرة بلدة لوزة في منطقة جبل السماق، وكذلك القصف الذي تعرّضت له السويداء في اليومين الماضيين، بعد سلسلة من الآراء المتعارضة حول موقف الدروز من الحرب السورية، ففي حين أكّد رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط ضرورة الحياد في الفترة السابقة، عاد مؤخراً إلى مطالبة الدروز بالوقوف إلى جانب جبهة النصرة أو ثوار سوريا كما يسميهم، في حين طالبت قيادات درزية أخرى بوقوف أبناء الجبل إلى جانب الجيش العربي السوري وحمل السلاح لمواجهة الجماعات التكفيرية.
إنقسام درزي
لم ينجح التوتّر القائم في جبل السماق والذي أعاد البحث في سبل حلّ أزمة بقاء نحو ستة آلاف من أهالي قرى جبل السّماق تحت رحمة إرهابيي "النصرة"، في توحيد الموقف الدرزي لبنانياً، إلا أن أهالي السويداء أدركوا أن الجماعات التكفيرية تعتبر "خطراً وجودياً" حقيقياً خاصةً أن جبهة النصرة "لم تسمح حتى الآن بدفن الشهداء، ولا بإقامة مراسم الدفن والعزاء"، وفق صحيفة الأخبار.
جنبلاط الذي يحاول دس رأسه في التراب والقفز عن حقيقة مفادها ان الموحدين الدروز مهددون أكثر من اي وقت مضى من قبل الجماعات التكفيرية بسبب وجود دلائل دامغة تؤكد ان هذه الجماعات وخاصة المنتشرة في محافظة ادلب تسعى الى فرض شريعتها على الاخرين بقوة السلاح، دعا بالامس بعد إجتماع المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز الى الهدوء، قائلاً لا حل في سوريا بوجود الاسد وانه سيقوم باتصالاته لمعالجة ما حصل في بلدة قلب لوزة، مكررا ان الحادث فردي.
من جانبه اعلن النائب طلال ارسلان من عاليه موقفا واضحاً داعياً إلى إبعاد المزايدات السياسية عن الظروف الحاضرة، معلنا دعمه للمقاومة والجيش العربي السوري الذي يدافع عن السويداء ولم يتخل عنها، مؤكدا أن كل متطاول على السويداء سيدفن فيها.
وتابع أرسلان قائلاً: دروز سوريا جزءٌ لا يتجزّأ من الواقع السوريّ، والمعركة مشتركة ولا نستطيع فصل الواقع الدرزي عن الواقع الذي تعيشه سوريا.
واعتبر أرسلان أن "هناك توجه اعلامي لتشويه الموقف الدرزي في جبل العرب، مشيراً إلى أنه لا توجه عند أي فصيل درزي للخروج من كنف الدولة السورية".
وإذ دعا النائب اللبناني إلى "تنظيم المعركة بين الجيش والفصائل الدرزية المقاتلة، إذا تعرضت السويداء لخطر من الجماعات المسلحة"، قال "إننا على تواصل مع الجميع ولكن هناك خلاف مع البعض في مقاربة الموضوع السوري".
وأكد أنه "لا ضمانات مع من يقوم بذبحنا،" لافتاً إلى "أن قسماً كبيراً من اهل درعا موجود الان في السويداء ولا خلاف مع الدروز".
اما رئيس تيار التوحيد العربي وئام وهاب فنظم مناصروه تظاهرة في باحة دار الطائفة الدرزية، وبالتوازي مع انعقاد المجلس المذهبي دعوا فيها للثأر لدروز ادلب وضرورة التسلح للحفاظ على دروز السويداء، وسلموا الشيخ نعيم حسن مذكرة حملت مطالبهم.
لا حياد.. معركة مصير
لا يعكس كلام جنبلاط المزاج الدرزي العام، باعتراف أكثر من مصدر في الحزب التقدمي الاشتراكي، في ظلّ سقوط نظرية "البيك" في الحياد أو الحصول على ضمانات من الجماعات التكفيرية. كلام جنبلاط الذي يرتكز على مصالح الحزب التقدّمي الإشتراكي يبدو مجانباً للواقع حيث لم تنجح كل محاولاته السابقة في التقرّب من جبهة النصرة، كما أنّها باتت عكس تلك المواقف التي يطلقها أبناء جبل العرب الذين عاشوا في كنف النظام الحالي طوال ثلاثين عاماً بأمن وسلام.
لم يتعارض الموقف الجنبلاطي مع أبناء حزبه، والزعيمين الدرزيين اللبنانيين طلال أرسلان ووئام وهاب، بل أفرزت مجزرة منطقة جبل السماق أحقاداً درزية على الجماعات التكفيرية ومن ساندها، وساهمت في توحيد دروز سوريا الذين أدركوا أنها معركة مصير، معلنين "أن كل من يحاول الاعتداء على جبل العرب ستكون مقبرته في هذا الجبل".
قد ينجح جنبلاط من خلال بعض المواقف التي أطلقها مؤخراً في تحقيق بعض المصالح الفئوية، إلا أنه بالتاكيد لم ولن ينجح في حماية دروز سوريا من براثن الجماعات التكفيرية. وقد أدرك دروز السويداء وإدلب أن لا سبيل لبقائهم في أرضهم سوى مواجهة الجماعات التكفيرية التي خيّرتهم بين الالتزام بشريعتها أو الرحيل، وإلا القتل.