الوقت- يرسم صناع القرار السياسي في اوروبا والغرب عموماً وبريطيانيا خصوصاً منهجاً لحماية حقوق الانسان ثم يتربعون على كرسي زعامة هذا المنهج منادين بتطبيق "حقوق الانسان" هنا ومنددين "بممارساتٍ" هناك، وبين هذه وتلك يخبؤون العديد من الانتهاكات التي لا تُسجل ولا تُدان يتم تمريرها تحت مسميات متعددة وبأشكال مختلفة ليحكموا بها شعوبهم،وهذا ما اعتمدته الحكومة البريطانية أيضا وذلك من خلال قوانين بثتها وأحكام شرعتها تحت مسميات وأهداف متعددة.
"مكافحة الجريمة المنظمة والارهاب" يعتبر أحد الشعارات التي نادت بها الحكومة البريطانية والتي سمحت من خلالها للأجهزة الاستخبارية البريطانية بالحصول على معلومات عن أي شخص في البلاد، حسب ما كشفه تقرير نشرته اللجنة البرلمانية للمخابرات والأمن، حيث صدر تقرير اللجنة هذه بعد معلومات كشفها الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية "إدوارد سنودن" اتهم فيها أجهزة الأمن البريطانية بالتجسس على الاتصالات الإلكترونية دون أي قيود حاذية بذلك خطى أجهزة الاستخبارات الأمريكية.
ووفقاً للقوانين البريطانية يحق لضباط المخابرات الحصول على كم هائل من المعلومات والبيانات عن المواطنين من دون علمهم ويُسمح باستخدام العديد من الوسائل لهذا الغرض كتشفير الرسائل الإلكترونية والتنصت على المكالمات الهاتفية اضافةً الى جمع البيانات من البنوك والشركات الخاصة، وهو أمر ترفضه منظمات المجتمع المدني التي تدافع عن الحريات العامة للمواطنين وحقوق الانسان.
ورغم اباحة التجسس على المواطنين لم تقر الحكومة أي قانون يضبط هذا التجسس ويضع حدوداً له، فجمع البيانات والمعلومات يتم دون أي رادع قانوني يمنع الضباط التابعين لجهاز الاستخبارات من استخدام المعلومات بالصورة التي يريدونها، وهذا ما انتقدته الكثير من الجمعيات المدنية والانسانية حيث طالبت بوضع قوانين تقيد عمل أجهزة الاستخبارات ليكون عناصرها وعملها تحت اطار القانون.
واللافت أن التجسس على المعلومات الخاصة للمواطنين لم يعد مجازاً لوكالات الاستخبارات البريطانية فحسب، بل أصبح مسموحاً للمجالس المحلية البريطانية أن تتعرف على الممتلكات الشخصية للمواطنين وأرصدتهم البنكية منتهكين حقوق الشعب البريطاني الذي رفض مسألة التجسس عليه تحت أي ذريعة معتبراً أن الحريات أمر مقدس لايمكن انتهاكه حتى بذريعة مكافحة الارهاب.
والجدير بالذكر أنه في عام 2009 طالبت الحكومة البريطانية شركات الاتصالات ومُزوّدي خدمة الإنترنت، بعمل سجل لكل الاتصالات الشخصية للأفراد يُبَيّن جهة اتصالاتهم ومتى وأين وما هي المواقع التي يزورنها عبر الإنترنت وتم وقتئذٍ السماح لـ(653) جهة رسمية ومؤسسة حكومية بالوصول الى هذه المعلومات ولاقت هذه الخطوة معارضة شعبية واسعة ذلك الوقت كما اعتبرتها المعارضة البريطانية خطوةً أقرب ماتكون الى "تجسس دولة" وشكلاً من اشكال المراقبة السرية على الشعب.
لاتتواقف انتهاكات حقوق الانسان في بريطانيا على التجسس على المواطنين وانتهاك خصوصياتهم، فمنذ عدة سنوات قدمت الامم المتحدة انتقادات لاذعة للحكومة البريطانية حول تعاملها مع المشتبه بهم في قضايا الارهاب، حيث تقوم السلطات البريطانية وقبل الوصول الى أي دليل قطعي بنقل المشتبه به الى "دييجو جارسيا" وهي أرض بريطانية في المحيط الهندي تتواجد عليها قوات أمنية أمريكية حيث يتم استجواب المنقولين الى هناك من قبل الاستخبارات الأمريكية ويجري كل هذا دون أي أساس قانوني، كما تتعمد الحكومة البريطانية عدم اصدار أي تقرير حول حقوق الانسان في هذه الجزيرة بدعوى أن الجزيرة خالية من السكان وهذا ما انتقدته الأمم المتحدة.
حقوق الانسان التي تدعيها بريطانيا وتنادي بها في كل محفل دولي لاتطبقها على نفسها، فبريطانيا التي تعتبر نفسها دولة الحريات تعتمد مبدأ التجسس، والمحاكمات الغير قانونية، وغير ذلك من الممارسات التي تسلب المواطنين البريطانيين حقوقهم المدنية، وكل هذا يتم تحت شعارات "مكافحة الارهاب" و"مكافحة الجريمة المنظمة" كما يتم ضربُ ستارٍ من التعتيم على مايجري فلا تقارير حقوقية تتحدث عن الأوضاع ولا منظمات مدنية تستطيع العمل بحرية، ورغم المعارضة الشعبية لهذه الانتهاكات تبقى سياسة "اللامبالاة" الخيار الأفضل لدولة الحريات البريطانية!.