الوقت- دخلت السعودية في حربها على اليمن، وهي تسعى لتحقيق أهداف ومكاسب، قد تُعيدها الى واجهة الصراع أو لعلها تكون من أصحاب القرارات فيما يخص المنطقة. لكن وبعد أشهرٍ من العدوان، لم تحقق السعودية أياً من أهدافها، إن على الصعيد العسكري أو السياسي تحديداً. بل على العكس تماماً فإن السعودية تغرق اليوم، بمشاكل أدخلتها في صراعٍ مع وجودها السياسي. فكيف يمكن تقييم إنعكاسات العدوان على الرياض المعتدية؟ وكيف ساهمت السعودية ومنذ مدة، في ضرب أمنها القومي؟
لا يمكن نكران أن السعودية بقيت دولةً إقليمية لها وزنها السياسي، إنطلاقاً من علاقتها الوثيقة بواشنطن التي اعتمدت عليها في إدارة العديد من الملفات في المنطقة وبالتحديد تلك التي تخص الدول العربية. ولذلك فقد بقيت الرياض العاصمة الراعية للكثير من سياسات المنطقة، الى جانب مشاركتها في وضع السياسات الإستراتيجية لدولٍ عديدة، ضمن مشروع أمريكا الهادف لتحقيق أمن الكيان الإسرائيلي، ورعاية المصالح الأمريكية الأخرى. وبالتالي فيمكن القول إن السعودية، بقيت ولمدةٍ طويلة من الزمن، شريكاً أساسياً، في نسج الخطط الأمريكية. ولذلك فإن الرياض سعت لتأسيس بنية أمنها القومي، على أرضيةٍ نسجتها من خلال وجودها في تقييم وتحديد إستراتيجيات المنطقة. وهو الأمر الذي أدى الى قيامها بالدمج بين أهدافها في السياسة الداخلية، وأهدافها في السياسة الخارجية، مما جعلها تدخل في مغامرةٍ خطيرة إستراتيجياً، لأن هذا الموضوع سرعان ما ينعكس عليها بالتحديد، في حال الفشل في الرؤية السياسية. وهنا يأتي السؤال الأهم: كيف أخطأت السعودية في حساباتها خارجياً وداخلياً؟
على الصعيد الخارجي بنت السعودية استراتيجياتها على أساس نقل الفكر الأيديولوجي التي يقوم عليها كيانها الداخلي، الى العديد من الأنظمة العربية، من خلال العمل على إيصال حكامٍ ينتمون لنهجها السياسي. ولذلك فقد حاولت استغلال ما سمي بالربيع العربي كغيرها من الدول التي تملك طموح "الدور الإقليمي الفعال" كتركيا وقطر مثلاً، للمساهمة في إسقاط أنظمة وتعويم أخرى، الأمر الذي جعلها على سبيل المثال، تساهم في إسقاط الرئيس مرسي ووصول خلفه السيسي. ولعل السعودية من خلال سياستها هذه كانت تعيش حالةً من الإطمئنان في تقييمها للأوضاع، على صعيد الملفين السوري والعراقي. الى جانب شعورها بأنها ما تزال مرجعية العديد من الدول حينها. فعملت بثقة في فرض سياساتها، وهو الأمر الذي إنعكس عليها سلباً بعد فشل مشروعها في الأزمة السورية التي شكلت نتائجها مفصلاً في تحول الصراع السياسي في المنطقة. والسبب في ذلك هو أن الطبقة الممسكة بزمام الحكم في الرياض، جعلت الرهان على سياستها في المنطقة، يرتبط بمستقبلها السياسي.
لذلك ونتيجة الفشل في الأزمة السورية، انتقلت من سياسة تبني الإنجازات وحيدةً الى سياسات إشراك البعض من الدول التي قد يكون بينها وبين الرياض قواسم مشتركة. وكان هدفها من ذلك، إشراك الجميع بالخسارة أيضاً. وهنا دخلت السعودية في أزمة العلاقات مع الدول الخليجية التي بقيت ولسنوات عرابة سياساتهم، الى جانب محاولتها استرضاء تركيا. لتنتقل من المنافسة الشرسة مع قطر، الى محاولة إقتسام الإنجازات معها. وقد تزامن كل ذلك مع السقوط المدوي لسياسة الإرهاب في سوريا، الى جانب عدم النجاح في إدارة الملف العراقي، لتستفيق السعودية على واقع أن واشنطن لم تعد تجد الرياض دولة الإدارة السياسية الناجحة. فإيران ومن خلال إدارتها الناجحة للملفات الخارجية، أسقطت الرهانات الأمريكية الخليجية في المنطقة، وتحديداً في سوريا والعراق. الأمر الذي جاء ليكمِّل المساعي الأمريكية البراغماتية لإسترضاء طهران بملفها النووي، فتحول التعنت الأمريكي الى محاولةٍ للجلوس مع إيران. مما جعل السعودية أمام مشهدٍ مختلفٍ تماماً عن الواقع الذي طالما عاشته.
حينها قررت الرياض توجيه رسائل عدة لمن يعنيهم الأمر. فقامت بخطوة الحرب على اليمن، من باب فرض الوجود والتعبير عن القدرة. وهو الأمر الذي جعلها تغرق في النتائج السلبية، على الصعيدين الداخلي والخارجي. فكيف كانت الرياض أول وأكثر من يدفع الثمن؟
- عملت السعودية جاهدةً طوال الأعوام الماضية، على تحصين جبهتها الداخلية من أعمال العنف الطائفي والمذهبي. ولكن أسلوبها الذي استخدمته في تحصين داخلها، كان يعتمد على تصدير الأزمة الى الخارج، خاصة الى سوريا والعراق. وذلك عبر ضخ مليارات الدولارات في تمويل جماعات متطرفة وتسليحها في محاولة منها لإبعاد خطر هذه المجموعات عن أرضها. لكن سقوط هذه السياسة وتنامي قوة هذه الجماعات وتمددها، عاد ليصل الى الداخل السعودي، ولذلك وبعد شهرٍ واحد من الحرب على اليمن، بدأت بالفعل عمليات الإغتيال والإرهاب واستهداف قوات الأمن، تنتشر داخل الرياض، وصولاً الى التفجيرات التي بدأت تضرب مناطق مختلفة أخرى.
- وهنا وفي ظل فشل الطبقة السياسية السعودية الجديدة في التعاطي مع الأزمات الخارجية الطارئة، كان الفشل أيضاً في التعاطي مع الداخل. فاليوم وإذا نظرنا الى واقع الحكم في السعودية، نجد أن أقطاب السياسة الذين قبضوا على مفاصل الحكم منذ منتصف الستينيات في السعودية، قد توفوا جميعاً، من الملك فهد الذي توفي في 2005 الى الأمير سلطان في 2011 ثم الأمير نايف في 2012 وصولاً الى الملك عبد الله. وهو الأمر الذي أدى الى تفاقم المشكلات في إدارة الشأن السعودي، بين أناسٍ قليلي الخبرة السياسية، يحكمهم الصراع على السلطة بين الأحفاد، الى جانب التنافس في إدارة الملفات. فعاشت السعودية حالة الضياع المستمرة حتى اليوم.
- لذلك فإن حالة عدم الإستقرار السياسي هذه والتي أدت الى تصاعد المخاطر الأمنية الداخلية، تزامنت مع انهيارات في النفوذ السياسي الخارجي السعودي في كل الأبعاد والإتجاهات ابتداءاً من العراق وسوريا مروراً بلبنان وصولاً الى مصر واليمن. مما أدى الى انهيار مكانة السعودية الإستراتيجية بنظر حلفائها الغربيين بسب فشل سياستها الخارجية. وهو الأمر الذي أوجد مناخاً داخلياً أدى لأن يكون الفشل أداةً للحرب بين المتنافسين في الداخل السعودي.
إذاً كانت الحرب على اليمن، مخاطرةً سعودية تضاف الى تلك التي سبقتها من المخاطرات في الرهان على الإرهاب. وهو الأمر الذي أدى الى دخول الرياض في صراعٍ يتفق الجميع على أنه ليس في صالحها. فحرب اليمن كانت أول ضربةٍ مباشرةٍ على الرأس أدخلت السعودية في تحولٍ إستراتيجي، ليلحقها تمدد الإرهاب الى كيانها، ويدخلها في أزماتٍ جديدة.
الوقت- محمد علي جعفر