الوقت- في ظل التغييرات التي تعصف بالعالم اليوم سياسياً، تشكل الإنتخابات الجارية في دول أوروبا أمراً يحظى بإهتمام المراقبين. ولعل الشعوب الأوروبية اليوم، تعبر في المجمل عن رضاها فيما يخص أداء الطبقات الحاكمة. وهنا يأتي الحديث عن الإنتخابات التي جرت في بولندا وإسبانيا، والتي أظهرت في نهاية الأسبوع الماضي استياءاً شعبياً كبيراً تجاه الوضع السياسي الراهن. فماذا في الإنتخابات الإسبانية والبولندية؟ وما هي قراءتها التحليلية، وبالتحديد أثرها على الإتحاد الأوروبي؟
أولاً: الإنتخابات ونتائجها:
عبّر الناخبون الإسبان في الإنتخابات البلدية والمناطقية عن استيائهم من سياسة التقشف التي فرضها اليمين الحاكم لسنوات. فأظهرت نتائج الإنتخابات مساء الأحد فقدان اليمين عدداً من معاقله الإقليمية التقليدية، فيما اعتبر الأمين العام للحزب الاشتراكي أن المواطنين أبدوا رغبة في التوجه إلى اليسار، وأنه يعود لحركته ضمان وجود حكومات تقدمية وتحقيق تغيير أكيد. وبذلك، يكون الإسبان وعبر الإنتخابات قد وجهوا تحذيراً قاسياً إلى الطبقة السياسية، وفتحوا أبواب برشلونة ومدريد أمام حركة "الغاضبين" وهو الاسم الذي يطلق على من قاموا بالإحتجاجات الشعبية الواسعة التي عمت إسبانيا بين عامي 2011 و2012، وذلك في أعقاب انتخابات البلديات والمناطق حينها.
وكان قد ربط رئيس الوزراء الإسباني وزعيم حزب الشعب الحاكم، ماريانو راخوي، التراجع في نسبة الأصوات التي حصل عليها حزبه في الإنتخابات المحلية بالأزمة الإقتصادية التي تمر بها البلاد. ففي اجتماع للهيئة الإدارية للحزب كان موضوعه تحليل نتائج الإنتخابات (التي حصل الحزب فيها على المرتبة الأولى، رغم تراجع أصواته من نسبة 37.54% قبل أربع سنوات إلى 27.03%)، أكد راخوي أن الحكومات تتضرر دائماً من الأزمات الإقتصادية وتفشي الفساد.
من ناحيةٍ أخرى أدلى الناخبون البولنديون بأصواتهم في الإنتخابات الرئاسية يوم الأحد في جولة إعادة تبدو غير محسومة لكنها تنذر بالفعل بمتاعب لحزب المنتدى المدني الحاكم الذي يتطلع للفوز في الإنتخابات البرلمانية التي تجري في وقت لاحق هذا العام. وكان ينظر للإنتخابات في باديء الأمر على أنها ستحسم بسهولة لصالح الرئيس برونيسلاف كوموروفسكي الذي يسعى لنيل فترة ولاية ثانية لكن الرئيس وجد نفسه في منافسة محتدمة مع المعارض المحافظ أندريه دودا الذي تحدى استطلاعات الرأي ليتصدر الجولة الأولى من الإنتخابات التي أجريت في العاشر من مايو أيار. وسيمثل انتصار دودا البالغ من العمر 43 عاماً أول فوز رئيسي لحزب القانون والعدالة المعارض في انتخابات منذ نحو عشر سنوات ويوفر نقطة انطلاق لتحدي الحكومة في الإنتخابات البرلمانية التي ستجري في الخريف. وحتى في حالة خسارته فقد حول هذا السباق عضو البرلمان الأوروبي، دودا، إلى طرف في السياسة الوطنية.
قراءة في الدلالات:
لا يمكن قراءة نتائج الإنتخابات ودلالاتها إلا عبر معرفة الأوضاع التي تعاني منها الدول الخاضعة للسباقات السياسية. لكن الأمور الملفتة للمراقبين اليوم، هي ما تشترك به هذه النتائج، ومن عدة جوانب، وهو ما يمكن التعبير عنه بالتالي:
- أفادت نتائج الدولتين، بولندا وإسبانيا بأنه وفي البلدين، حقق المسؤولون نمواً إقتصادياً معقولًا، لكنه لم يرتقِ لمستوى تطلعات الشعوب. وبالتالي فقد عاقب الناخبون الطبقة الحاكمة عبر صناديق الإقتراع. وهو ما أدى إلى صعود أطراف معارضة في البلدين، على حساب أطراف موالية للنظام. الأمر الذي يتفق مع الإنتخابات البريطانية الجديدة التي جعلت الأسكتلنديين يدخلون الحكم وبقوة.
- وبالتالي فقد أكدت نتائج الإنتخابات فشل الإتحاد الأوروبي في معالجة القضايا الإقتصادية لدول الإتحاد، وبالتحديد حين يأتي الحديث عن إسبانيا التي كانت على وشك طلب مساعدات إنقاذ. في وقت تعاني الدول الأوروبية مجملاً، من مشكلة البطء في التعافي الإقتصادي الذي عادةً ما يأخذ وقتاً طويلاً، وهو الأمر الذي جاء نتيجة انعكاس الأداء السياسي على النمو الإقتصادي.
- تعتبر التغييرات السياسية الحاصلة على صعيد دول الإتحاد الأوروبي كافةً، تغييرات بنيوية في المسار السياسي للدول، وبالتالي ترجمة لتطلعات الشعوب الأوروبية، التي كانت ضحية الرؤى السياسية لحكوماتها، والتي انعكست على الوضع المعيشي للمواطن الأوروبي.
إذاً، عكست الأوضاع السياسية للدول الأوروبية اليوم، الحالة التي أوصلت إليها سياسات الإتحاد الأوروبي، دول الإتحاد. فالأنظمة الحاكمة تدفع اليوم ثمن دخولها المشاريع الامريكية، بعيداً عن إعطاء المواطن الأوروبي الأولوية في الأهداف. وهو الأمر الذي لا يمكن تجاهل علاقة العقوبات الإقتصادية المفروضة على روسيا به. لكن الأهم هو أن الشعوب قالت كلمتها، بأنه يجب على الأنظمة الحاكمة أن تدفع الثمن.