الوقت - رغم الاتفاقية الأمنية المعقودة بين البلدين لازالت أمريكا تسعى لتمديد تواجد قواتها في أفغانستان متذرعة بحجج واهية لتحقيق عدّة أهداف يمكن إجمالها بما يلي:
- الاستحواذ على الاحتياطي الهائل للكثير من المعادن التي تزخر بها أفغانستان والتي تقدر قيمتها بنحو ثلاثة مليارات دولار أمريكي والتي تشمل الحديد والنحاس والزنك واليورانيوم والكوبالت والذهب والليثيوم (وهي مواد خام استراتيجية تستخدم في إنتاج بطاريات التكنولوجيا العالية لأجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف المحمولة والسيارات الكهربائية).
- بعد مرور اكثر من 16 عام على احتلال أمريكا لأفغانستان بحجة محاربة الإرهاب باتت واشنطن بحاجة ماسة لاختلاق ذريعة أخرى للبقاء في هذا البلد، ولهذا عمدت إلى إطلاق مشروع جديد تحت عنوان "تعزيز العلاقات الاقتصادية مع أفغانستان" لتبرير تمديد تواجد قواتها هناك.
- بعد تسلم الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لمهام عمله في 20 كانون الثاني/يناير 2017 سعى لتمديد تواجد قوات بلاده في أفغانستان باعتبارها تمثل ركيزة أساسية لتقوية الاقتصاد الأمريكي لما تحويه من موارد طبيعية كبيرة في مقدمتها الاحتياطيات المعدنية كما أسلفنا. وهذا الأمر من شأنه أن يمكن واشنطن من منافسة الدول الكبرى في المجال الاقتصادي لاسيّما الصين المحاذية لأفغانستان من الجهة الشمالية الشرقية.
وفي الوقت الذي دعت فيه الحكومة الأفغانية برئاسة "أشرف غني أحمد زي" لتعزيز الاستثمارات الأمريكية في التعدين، والليثيوم، كانت الصين في طليعة المطورين لمشاريع التعدين والطاقة هناك، فضلاً عن مشاريع خطوط الأنابيب وممرات النقل. وتعتبر الصين شريكاً تجارياً واستثمارياً رئيسيا مع أفغانستان، مما يهدد المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الأمريكية في عموم منطقة آسيا الوسطى.
- تسعى الحكومة الأفغانية إلى إبقاء القوات الأمريكية في أفغانستان لحمايتها من التحديات الأمنية التي تواجهها، ولذلك تقوم كابول بتقديم عروض اقتصادية مغرية للإدارة الأمريكية في مقدمتها المشاريع الاستثمارية في مختلف القطاعات الاقتصادية ومن بينها استخراج المعادن.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" إن فريقا أمريكياً اكتشف احتياطيات لخامات بعض المعادن في أفغانستان تقدر قيمتها بنحو تريليون دولار، وهي أكبر من أي احتياطيات معروفة هناك حتى الآن. وهذه المعادن أساسية للصناعات الحديثة بحيث قد تصبح أفغانستان واحدة من أهم مراكز التعدين في العالم.
ومع غياب الصناعة المعدنية أو البنية الأساسية اللازمة للصناعة المعدنية فإن أفغانستان بحاجة إلى عدّة عقود كي تستطيع استغلال ثروتها المعدنية بصورة كاملة.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن أفغانستان غنية أيضاً بالأحجار الكريمة حيث تحتضن أكبر مناجم لهذه الأحجار في العالم.
وتتناثر الاكتشافات الجديدة على طول البلاد وعرضها بما في ذلك المناطق الجنوبية والشرقية على طول الحدود مع باكستان التي طالما كانت مسرحاً لأعنف قتال بين القوات الحكومية ومسلحي طالبان.
- من المعروف أن أفغانستان لديها موارد كبيرة من النفط والغاز الطبيعي والموارد الخام الاستراتيجية، ناهيك عن الأفيون، وهي صناعة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات وهي تغذي سوق الهيروين الأمريكي غير المشروع.
- تسعى أمريكا لتكريس حالة الفساد الاقتصادي والمالي في أفغانستان وذلك من خلال منح فرص كبيرة لكثير من المسؤولين في هذا البلد لاسيّما في مجال استخراج المعادن بهدف تشجيع الرشاوى وعمليات غسيل الأموال وغيرها من النشاطات المالية غير المشروعة والتي من شأنها أن تنخر بالبنية الاقتصادية والاجتماعية والإدارية للشعب الأفغاني.
وتفشي الفساد في المؤسسات الحكومية الأفغانية يبقى حجر عثرة أمام أي فرص لجذب استثمارات أجنبية إلى أفغانستان كما هو معلوم. وعلينا أن نتذكر بأن أفغانستان خاضت حروباً عديدة تركت مخلفات كثيرة مما يجعل القضاء الكامل على الفساد يستغرق وقتاً طويلا.
والفساد المستشري في أفغانستان قد يزداد بسبب الثروة الجديدة خصوصاً إذا ما استطاعت البطانة المحيطة بالمسؤولين والتي تشمل عدداً من أصحاب النفوذ الذين يحتفظون بعلاقات جيدة مع الحكومة من السيطرة على مصادر المعادن.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكثير من المعادن تتواجد في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة الأفغانية وفي مقدمتها حركة طالبان، ولهذا من المتوقع جداً أن تزداد حدة المعارك بين هذه الجماعات والقوات الحكومية.
في هذا السياق أشارت عدة مصادر إلى أن نزاعاً شديداً قد ينشب بين الحكومة المركزية في كابل وزعماء القبائل في المناطق الغنية بالمعادن، مما يساهم كذلك في زعزعة الأمن والاستقرار في أفغانستان، وهو ما تسعى إليه أمريكا أيضاً لضمان تواجد قواتها في هذا البلد.
ولايزال هناك تشكيك مستمر تجاه الوجود الأمريكي في أفغانستان وبأن التنقيب عن اليورانيوم المستخدم لأغراض الطاقة النووية هو السبب وراء حقيقة هذا التواجد. فقد أظهرت التجارب السابقة أن إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان لن ينتج عنه إلا مزيد من الخسائر للجيش الأمريكي من جانب وللقدرات الاقتصادية الأفغانية من جانب آخر.