الوقت- على وقع الخلافات السياسية وتباين المواقف العراقية حول شرعية الاستفتاء في كردستان العراق، ومع اقتراب الموعد الذي حدده رئيس الاقليم كردستان العراق المنتهية ولايته مسعود برزاني لهذا الاستفتاء، تتصاعد حدة النقاشات السياسية والقانونية حول الموضوع لما له من عظيم الأثر على حاضر العراق ومستقبله.
رئيس اقليم كرستان العراق، مسعود برزاني، وحزبه الذي قرر اجراء هذا الاستفتاء، يتحجج بعدم التنسيق مع الحكومة المركزية في العراق، بذريعة انتهاكها الدستور الأساسي ، ولكن هذا الاتهام يدفعنا لنسأل برزاني وحكومة اقليمه عدد من الاسئلة القانونية والجدلية التي تشغل ذهن أي عراقي حول هذا الموضوع المصيري الذي يهدد نسيج البلاد بجميع بمكوناته:
أولا: هل يطبق السيد مسعود برزاني وحكومته الدستور في اقليم كردستان العراق؟ ألم يخرق برزاني بنفسه ليس فقط الدستور العراقي بل حتى الدستور في اقليم كرستادن وواصل بشكل غير دستوري رئاسته للأقليم منذ عام 2005 وبدون اي سند قانوني؟ الم يقمع برزاني أي صوت معارض له حتى وصل به الأمر الى تعطيل البرلمان في الاقليم منذ عام 2015 ومنع هو وحزبه (الحزب الديمقراطي الكردستاني) منذ عامين رئيس برلمان إقليم كردستان يوسف محمد (الذي ينتمي الى حركة التغيير الكردستانية) من الدخول الى مدينة اربيل وعطل المؤسسة التشريعية في إقليم كردستان الى يومنا هذا؟
ثانيا: ان الاستفتاء المزمع عقده في الخامس والعشرين من الشهر الحالي في شمال العراق بناءا على أي قانون وعلى أي بند في الدستور العراقي؟ ألا يشكل اجراء هذا الاستفتاء نقضا صريحا وواضحاً للدستور العراقي الذي يتهم بغداد بخرقه؟
ثالثاً: من ناحية أخرى أليس الاجدر بمسعود برزاني الذي يعيب على الحكومة العراقية خرقها للدستور العراقي أن يتوقف هو نفسه عن خرقه؟ اذ يتذرع المسؤولين في اقليم كردستان العراق بتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي التي تنص على تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، بكافة بنودهاعلى أن تنجز كاملةً (التطبيع، الاحصاء، وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها، لتحديد ارادة مواطنيها)، ولكن وبسبب انشغال الحكومة العراقية بالحرب على الارهاب فان اي الاجراءات السابقة لم تكتمل بعد، والمناطق التي كانت تحت مسمى "مناطق متنازع عليها " أصبحت بيد قوات البيشمركة، وبالتالي يريد مسعود برزاني اجراء الاستفتاء في تلك مناطق وفرض سلطة الأمر الواقع عليها، قبل أن تحل مشكلة هذه المناطق مع الحكومة المركزية وتحديد حدودها الادارية، وبعدها يقرر فيما اذا كانت ضمن اقليم كردستان او يتم الحاقها بالمحافظات التي كانت هذه المناطق تابعة لها في السابق او يبقى تحت سلطة الحكومة العراقية، اي ان حسم قضية هذا المناطق هو الأولوية.
رابعاً: ألا يدرك مسعود برزاني أن اجراء الاستفتاء في هذا الوقت بالذات ناهيك على أنه غير دستوري، سيولد انفجارا ليس في "المناطق المتنازع عليه" فحسب، بل في العراق برمته؟ و إذا كان موضوع حق الشعوب في تقرير مصيرها سيؤدي إلى نوع من الفوضى والهرج والمرج في أي بقعة من الأرض، هل يحق للبرزاني اذا السير فيه والسير بالبلاد نحو الانفصال والتقسيم والشرذمة، والعراقيين بمختلف قومياتهم بأمس الحاجة الى ما يوحدهم ويعيد بناء بلادهم بعد تحريرها من الارهاب؟.
خامساً: من الضروري ايضا تذكير الأخوة في أقليم كردستان العراق أن تنظيم داعش الارهابي هجر الكثير من العراقيين عن ديارهم ومناطقهم لاسيما في تلك المناطق التي كانت تقع خارج الحدود الادراية لاقليم كردستان العراق والمتكونة من نسيج قومي متعدد الاعراق، ومن الطبيعي أولاً وبعد استكمال تحرير تلك المناطق، العمل على عودة الاهالي الى تلك المناطق بعد تحريرها والسعي لعودة الانسجام والتأخي بينها قبل الدخول في اي عملية استفتاء، ولكن المسؤولون في اقليم كردستان العراق يستغلون تلك الاوضاع الغير مستقرة على أمل قضم المزيد من الاراضي التي تخص القوميات العراقية الأخرى واجراء استفتاء صوري فيها، وهو ما يشكل انتهاكا صارحا للقانون والدستور العراقي.
وفي ظل كل ما يحصل بأمور العراق وموضوع الاستفتاء يحق لنا الاستفسار عن الدور الامريكي الخفي في هذا الموضوع، فعلى الرغم من تصريحات المسؤولين الأمريكيين التي تطالب بتأجيل الاستفتاء، الى ان ما تقوم به واشنطن في السر يناقض ما تجاهر ويناقض دعوات للتريث الكاذبة، اذ كشفت صحيفة المونيتور الأمريكية ان واشنطن تدعم رئيس اقليم كردستان ،مسعود بارزاني، في اجراء الاستفتاء المزمع الشهر الجاري في الاقليم، و التمرد على الحكومة المركزية في بغداد، وتؤكد مصادر الصحيفة ان أمريكا غير جادة في منع إقليم كردستان من إجراء الاستفتاء، مشيرة في الوقت ذاته الى أن امريكا تمتلك الكثير من الأدوات لممارسة الضغط على رئيس اقليم كردستان(المنتهية ولايته)، مسعود بارزاني، لالغاء الاستفتاء الا انها تتعامل وفقا لمصالحها في المنطقة وخوفا من خسارة حلفائها الأكراد.
وعليه فان واشنطن كانت وماتزال تلعب بقضية كردستان العراق كورقة ضغط دائم على الحكومة المركزية في بغداد، وتحفز شخصيات في الاقليم مثل مسعود برزاني للتمرد الدائم على الحكومة الاتحادية والدفع باتجاه الانفصال، وبالتالي فأن المحرك لقضية الاستفتاء معروف وهو أمريكا التي سعت منذ احتلالها للعراق على تقسيمه وذرع بذور الفتنة الطائفية والعرقية فيها، والمطلوب من جميع أطياف الشعب العراقي الانتباه والحذر، والحوار البناء هو السبيل لحل الخلافات وسبيل الخلاص لجميع العراقيين.