الوقت- يبدو أن رياح قانون العقوبات الأمريكية الأخيرة على روسيا ضربت أوروبا قبل وصولها إلى موسكو، حيث انبرت الدول الأوروبية للدفاع عن موسكو ضد العقوبات ورفعت الصوت في وجه الأمريكي الذي بات وحسب رأيهم لا يحترم القوانين الدولية فما هي أبعاد هذه العقوبات على أوروبا وهل تلوح في الأفق بوادر صراع أوروبي أمريكي دفاعا عن القوانين الدولية؟
بعد تصريحات كثيرة أوروبية جاء دور وزيرة الاقتصاد الألمانية "بريجيت زيبريس" التي علقت على العقوبات الأمريكية الجديدة على روسيا معتبرة أنها تتنافى مع القوانين الدولية، وطلبت أن يقوم الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات مشابهة اتجاه واشنطن.
الوزيرة الألمانية لم تكن الوحيدة التي صرحت بهكذا تصريحات بل أن مسؤولين في الاتحاد الأوروبي أيضا كانوا قد حذروا من قوانين العقوبات الأمريكية الجديدة التي تمس بالمصالح الأوروبية.
أضافت زيبريس، إن أمريكا أوجدت بابا لإقامة عقوبات على ألمانيا والدول الأوروبية من خلال فعلتها هذه. لتؤكد أن هذه الخطوة الأمريكية تعتبر من قبلهم نقضا واضحا للقانون الدولي. كما أن الأمريكيين لا يمتلكون الحق بتوجيه ملاحظات لشركاتنا العاملة حول العالم بهدف تنبيه شركات تابعة لدول أخرى.
هذا وكانت قد علت بعض الأصوات المنددة بالعقوبات الأمريكية على روسيا خلال الأسبوع الماضي، حيث صرح مسؤولون حكوميون وصناعيون أن هذه العقوبات التي أقرها الكونغرس ومجلس السنا يمكن لها أن تمنع بعض الشركات الألمانية من المشاركة في مشاريع مرتبطة بالطاقة ومنها مد خط أنابيب غاز يعتبر أساسيا وحياتيا للبلاد.
الأوروربيون والألمان قلقون من نتائج هذه العقوبات بسبب تأثيرها المباشر على مشروع خط الغاز الروسي "نورد ستريم 2".
في الواقع إن الاعتراض الألماني العلني والكبير على الخطوة الأمريكية وتأكيد وزيرة الاقتصاد على الأمر يؤشر إلى مسألة أكبر من العقوبات الحالية وهي الخوف من سريان القوانين الداخلية الأمريكية على المستوى الدولي وهذا الأمر من المسلم أنه سيمس بمصالح بقية دول العالم وخاصة الدول الكبرى والدول الأوروبية.
وبالعودة إلى الخلافات التي تحكم العلاقات الأمريكية الأوروبية بخصوص اتفاقات المناخ والتجارة العالمية الحرة، فإن العقوبات الأمريكية الجديدة على موسكو ستكون نقطة اختلاف جديدة بين أوروبا وواشنطن وستؤدي للتباعد أكثر في الرؤى بين طرفي المحيط الأطلسي.
كما أن روسيا لا زالت واحدة من أكبر منتجي ومصدري الغاز الطبيعي في العالم، ورغم الأزمات التي حكمت العلاقات فيما بينها وبين الاتحاد الأوروبي إلا أنها لا تزال تؤمن 30% من الغاز الذي تحتاجه أوروبا. وأي عقوبات تستهدف قطاع الطاقة الروسي سيكون له تبعاته على الدول الأوروبية بشكل وبآخر.
إضافة إلى ذلك فإن أمريكا واحدة من منافسي روسيا الأساسيين في هذا القطاع، ولذلك فإن هذه العقوبات زادت الانتقادات لأمريكا التي تستخدم هذا السلاح من أجل تأمين مصالحها الاقتصادية تحت غطاء تهم سياسية مختلفة.
يعتقد المسؤولون والمحللون الأوروبيون أن واشنطن لها أهداف أبعد من تحقيق مصالحها الاقتصادية، فهي تريد إضعاف الشركات الأوروبية وضرب فرص استثماراتها لإخراجها من السوق العالمي، ومن أجل تحقيق هذه الغاية تتوسل بعقوبات وقوانين تحت شعارات سياسية مختلفة، وهذا الأمر يشكل نقضا واضحا وصارخا للقوانين الدولية التي ترعى مصالح دول العالم المختلفة.
يقول "فرنسيس برين" الخبير في مركز باريس للأمور الدولية والاستراتيجية: "على الدول الأوروبية أن تضع خلافاتها جانبا وتقول لأمريكا بصراحة أنها ضد أي عقوبات جديدة من طرف واحد".
إذا اليوم يمكن توقع زيادة الخلاف بين بروكسل وواشنطن، وهذه المرة سيكون عنوان الخلاف العقوبات الجديدة والواسعة على روسيا مما سيزيد التباعد بين ضفتي المحيط الأطلسي وسيشكل حجر زاوية في توسيع نطاق الخلافات القديمة الموجودة أصلا بين الطرفين.
العقوبات الأمريكية الجديدة على روسيا في حقيقتها هي باب للضغط الاقتصادي على الاتحاد الأوروبي، ومن الأكيد أن آثارها على العلاقات بين الجانبين ستكون واضحة وستشكل ضررا حقيقيا على العلاقات وقد بدأت بالظهور فعليا على شاكلة تصريحات بنبرة حادة من هنا وهناك.
كما أنه ومن خلال تتابع الأحداث وفي حال لم تصل بروكسل وواشنطن لتفاهم جدي حول العقوبات الجديدة فإن الاتحاد الأوروبي سيبادر في خطوات رد على الخطوات الأمريكية.
تبقى الأسابيع والأشهر المقبلة كفيلة ببلورة ما ستصل إليه الأمور بين الطرفين، ولكن وضمن النهج الذي تتبعه أمريكا فإن الأمل شبه معدوم باستقرار الأمور. وأوروبا باتت تجد نفسها ملزمة على مواجهة النفوذ الأمريكي الذي بات لا يميز بين حليف وعدو.
