الوقت- على الرغم من حجم الإذلال الذي وقع فيه الجيش الإسرائيلي نتيجة عملية الأقصى الأخيرة، وفشله في إثبات حجم القوة التي يمتلكها، خرجت أصوات فلسطينية تناقض خيار المقاومة. وهو الأمر الذي لا يتوافق مع الواقع الحقيقي الذي تُعبِّر عنه نتائج العمل المقاوم، والذي بات يمتلك مقومات القوة، لا سيما العمليات الإستشهادية والصواريخ. وهنا فإن محاولات إعطاء تل أبيب أوراق قوة فشلت في تحقيقها في الصراع، هو أحد أهم المخاطر التي تُعبِّر عنها تصريحات السلطة الفلسطينية. فكيف خرجت هذه التصريحات لتُناقض خيارات الشعب الفلسسطيني؟ وكيف تُعتبر خيارات الشعب الفلسطيني بالمقاومة من أهم نقاط ضعف الكيان الإسرائيلي؟
السلطة الفلسطينية تناقض شعبها: الحلول بشكل سلمي!
بشكل يتناقض مع خيار الشعب الفلسطيني، ندَّد الرئيس محمود عباس بعملية القدس المحتلة والتي قتل فيها شرطيان إسرائيليان واستشهد منفذوها الثلاثة. وطالب عباس بإلغاء الإجراءات التي اتخذتها تل أبيب عقب العملية، لا سيما غلق المسجد الأقصى ومنع صلاة الجمعة فيه لأول مرة منذ 1969. ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية أن عباس عبر خلال اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس عن رفضه الشديد وإدانته للحادث الذي جرى في المسجد الأقصى المبارك، ورفضه أي أحداث عنف من أي جهة كانت، خاصة في دور العبادة. وطالب عباس نتنياهو، بإلغاء غلق المسجد الأقصى أمام المصلين، محذراً من تداعيات هذه الإجراءات أو استغلالها من أي جهة كانت لتغيير الوضع الديني والتاريخي للأماكن المقدسة، في إشارة إلى وضع المسجد الأقصى وغيره من المقدسات الإسلامية التي تسعى سلطات الاحتلال لتهويدها. من جهته أكد نتنياهو لعباس أنه لن يتم تغيير الوضع القائم للأماكن المقدسة الذي يمنح المسلمين دون غيرهم حق الصلاة في المسجد الأقصى.
من جهة أخرى، نقل الإعلام الفلسطيني سعي الرئاسة الفلسطينية لحل الأزمة الحالية بشكلٍ سلمي حيث أجرى الطرف الفلسطيني اتصالات مع الأردن من أجل العمل على إلغاء الإجراءات الإسرائيلية التي تم فرضها عقب العملية. واعتبرت الرئاسة أن هذا الإجراء الإرهابي الإسرائيلي من شأنه أن يُعطل المساعي الأميركية والدولية لإحياء عملية السلام
المقاومة الفلسطينية وخياراتها العديدة: نقاط ضعف الكيان الإسرائيلي!
عدة مسائل يمكن طرحها كدلائل على نجاح المقاومة الفلسطينية بالمقارنة بالسياسات الطبيعية التي يطرحها البعض والتي لا تناسب الشارع الفلسطيني، نُشير لها في التالي:
أولاً: خلال شهر حزيران من العام 2008، ونتيجة للفشل الذريع الذي أصاب جيش الإحتلال في عمليته العسكرية شمال قطاع غزة، خرجت قيادة الجيش الصهيوني لترفع توصيات قاسية، تحدثت التقارير العسكرية عن عدم كونها أقل عن نتائج لجنة تقرير "فينوغراد" الخاصة بحرب لبنان الثانية، والتي بينت حجم الكارثة التي مرَّ بها الجيش الإسرائيلي وتعاظم قدرة المقاومة، وامتلاكها العديد من الوسائل والأساليب في مواجهة العدوان الاسرائيلي. وكان من نتائج ذلك، طلب المسؤولين الإسرائيليين الدخول في مفاوضات عبر الوسطاء المصريين.
ثانياً: تطورت عقلية المقاومة الفلسطينية والتي بدأت تدمج بين الخيارات الإستراتيجية والخيارات التكتيكية حيث أصبحت تمتلك أكثر من وسيلة ناجحة لتحقيق أهدافها وفرض الواقع الذي يريده الشعب الفلسطيني وتحديداً تفعيل أسلوب العمليات الإستشهادية في الصراع بالإضافة الى عملية إطلاق الصواريخ على المستوطنات الصهيونية لتحقيق ما يطلق عليه توازن الرعب. وهو ما نجحت المقاومة في فرضه.
ثالثاً: مثَّلت العمليات الإستشهادية عامل ردع أساسي في التعامل مع الكيان الصهيوني خلال سنوات الجهاد الفلسطيني، الأمر الذي دفع السلطات الإسرائيلية لإيجاد سُبل لمنع تأثير هذه العمليات أو الحد منها، من خلال عملية السور الواقي التي نفذها الكيان الصهيوني عام 2002 وإعادة احتلال عدة مدن فلسطينية إلى جانب بناء الإحتلال لجدار الفصل العنصري حول المدن الفلسطينية. وهو ما كان يستهدف الحد من العمليات الإستشهادية.
رابعاً: على الرغم من حجم الأهمية التي رسختها العمليات الإستشهادية في معادلات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تخرج أصوات لتُنادي بمساعي الحلول السلمية بعيداً عن استخدام العنف، على اعتبار أن العمل المقاوم يضرب مساعي السلام. وهو ما لا يُعبر عن توجهات الشارع العربي والإسلامي ولا خيارات الشعب الفلسطيني.
خامساً: أثبت تاريخ الصراع مع الكيان الإسرائيلي، أن خيار المقاومة هو الخيار الأمثل، وهو السبب في قهر العدو الإسرائيلي. كما أن تكتيكات المقاومة وقدرتها على فرض المعادلات أفرغ القوة الإسرائيلية من فحواها. فيما يُعتبر تصريح الرئيس الفلسطيني محاولة سياسية لإعطاء تل أبيب ما لم تحصل عليه في العسكر.
إذن، لم تعد توجهات التطبيع السلمية مقبولة لدى الشارع الفلسطيني، الذي بات يؤمن بخيار المقاومة. في حين يتساءل الكثيرون عن السبب الذي يجعل البعض، يُعطي تل أبيب سياسياً ما لم تنجح في تحقيقه عسكرياً. وهو ما لا جواب له، إلا أن القضية الفلسطينية باتت جزءاً أساسياً من مؤامرةٍ كبيرة تطال الأمة.