الوقت- لم تكن ردة الفعل الإسرائيلية على العملية الفلسطينية التي جرت مفاجِئَة، خصوصاً أنها جاءت لتُعبِّر عن حجم الأثر الكبير الذي تركته العملية، وهو ما يعني نجاحها في تحقيق المطلوب وإيصال الرسائل. وهنا فإن تل أبيب التي سارعت كعادتها لاستخدام القوة على قاعدة إثبات الوجود، وقعت مرة جديدة في الفخ الفلسطيني، الذي سيأتي بنتائج لن تكون كما تشتهي السلطات الإسرائيلية. فكيف يمكن قراءة العملية؟ وما هي المقاربة الصحيحة للرد الإسرائيلي؟
قرار السلطات الإسرائيلية!
قررت السلطات الإسرائيلية إلغاء صلاة الجمعة، وذلك لأول مرة في تاريخ المسجد الأقصى منذ الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس عام 1967. وجاء القرار بعد أن أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مشاورات أمنية مع ما يسمى بوزير الأمن الداخلي جلعاد أردان، ورئيس الشاباك ومفتش الشرطة ومنسق شؤون المناطق بولي موردخاي حيث قرروا إغلاق المسجد الأقصى المبارك على أن تقوم شرطة الإحتلال الإسرائيلي بعملية تمشيط وبحث للتأكد من عدم وجود أسلحه داخل الحرم القدسي والمسجد الأقصى. وهو ما قوبل بدعوة مفتي الديار المقدسة الشيخ محمد حسين جميع المقدسيين للنزول لصلاة الجمعة وعدم تمرير سياسة العدو الإسرائيلي بمنع الصلاة في المسجد الأقصى المبار، الأمر الذي دفع سلطات الإحتلال لإعتقاله.
ما هو المطلوب كحد أدنى؟
إن السقف الأدنى رداً على ما قامت به سلطات الإحتلال هو كالتالي:
أولاً: يُعتبر اغلاق المسجد الأقصى ومنع اقامة صلاة الجمعة تصعيد خطيراً ومرفوضاً ومداناً، وهو ما أكدت عليه كافة الفصائل الفلسطينية التي توحَّدت بالموقف ودعت لدراسة الخطوات المضادة.
ثانياً: يمكن القول أن ما جرى، هو محاولة لتنفيذ مخطط اسرائيلي معد سلفاً على غرار ما جرى في المسجد الابراهيمي في الخليل، الأمر الذي يجب أن يُقابل بالرفض الإقليمي والدولي وعدم السكوت مهما كلَّف الأمر.
ثالثاً: يجب على العالم العربي والإسلامي، التحرك في وجه هذا المخطط وهذه الخطوة الخطيرة. خصوصاً أن سقف التصعيد الإسرائيلي يخشى ويأخذ بعين الإعتبار أي تحرك عربي وإسلامي واسع، لما للقدس من قيمة ورمزية عربية وإسلامية مقدسة.
كيف يمكن تحليل الخطوة بدلالاتها كافة؟
عدة دلالات يجب الوقوف عندها في مقاربة العملية وردة الفعل، نُشير لها في التالي:
أولاً: استطاعت المقاومة بهذه العملية التقليل من أهمية المنظومة الأمنية الحديدية للعدو وفي المكان الذي تريد تل أبيب أن يُصبح عاصمة للإحتلال. وهو ما يجب الوقوف عنده لما له من دلالات تتخطى العمل الأمني المُحكم، لا سيما مسألة التقليل من أهمية الإجراءات الإسرائيلية المتخذة.
ثانياً: جاءت العملية لترد على سياسة التهويد والإستيطان والقتل التي تسلكها حكومة العدو. وهو ما يعني فشل كل محاولات الكيان لفرض السياسات التهويدية الخاصة بالإحتلال وإخضاع الواقع الفلسطيني. حيث تُعتبر العملية جواباً يُعبر عن رأي كافة الشعب الفلسطيني الرافض للغة الإخضاع.
ثالثاً: بناءاً لما تقدم، تُعتبر ردة الفعل الإسرائيلية طبيعية كنتيجة للصدى المُدوي الذي تركته عملية الأقصى، والتي تُعتبر مهمة من حيث التوقيت والمكان والرمزية، الى جانب ما حملته من دلالات عسكرية وأمنية وسياسية ودينية. خصوصاً ما يتعلق بمكان العملية أي المسجد الأقصى وما يعنيه ذلك فيما يخص الذاكرة العربية والإسلامية ومركزية القضية الفلسطينية.
رابعاً: شعرت تل أبيب أن العملية أحدثت صدمة إيجابية للأمة والشعوب العربية والإسلامية ولحركات المقاومة كافة. الأمر الذي سيُفشل كل ما سعت وتسعى له تل أبيب منذ فترة ويتعلق بمحاولتها إستمالة الشارع العربي. مما جعل السلطات تذهب لفرض حصار عسكري كرد فعل لإثبات الوجود والقوة.
خامساً: يمكن أن تستفيد السلطات الإسرائيلية من حالات التطبيع العربي، والذي تعتبره تل أبيب نقطة قوة لها. في حين كسرت العملية من أهميته، حيث أعادت البوصلة للقدس، وأدخلت السلطات الإسرائيلية في نفق التصادم مع قضية الشعوب العربية والإسلامية المركزية.
سادساً: لا شك أن السلطات الإسرائيلية قد تستغل الحدث لأخذ خطوات تنفيذية لمشروع تقسيم القدس زمانياً ومكانياً، ومحاولة تهجير الفلسطينيين، وإستقطاب المشاريع الإستيطانية، تمهيداً لتغيير الديموغرافيا وجعل القدس عاصمة للكيان. وهو ما يحتاج لوقفة تضامن وموقف من قبل العالم العربي والإسلامي كخطوة مبدئية دعماً للقضية الفلسطينية قضية الشعوب المركزية.
إذن، وقع الإحتلال الإسرائيلي في فخ المقاومة الفلسطينية. فلن تكون ردة الفعل الإسرائيلية إلا سبيلاً لوحدة الفلسطينيين ووقوفهم خلف خيار المقاومة. في حين سيكون المسار التصاعدي الذي يسلكه الإحتلال سبباً لشد عصب الشارع العربي والإسلامي، تجاه الخيارات الإسرائيلية المتعدية على مقدسات الأمة. مما يعني أن المقاومة نجحت في استدراج العدو الإسرائيلي الى المكان الذي تريده. استدرجته الى النقطة التي لن تستطيع معه كل مساعي التطبيع العربي أو نداءات السلام، من تغيير الوجه الحقيقي البشع للكيان الإسرائيلي. هكذا كانت رسائل عملية الأقصى سبباً في استفزاز الكيان الإسرائيلي، وأوقعت تل أبيب في الفخ الفلسطيني!