الوقت- حصل ما كان متوقّعاً في السعودية، وقضي الأمر. الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز عزل ولي العهد الأمير محمد بن نايف، وعيّن ابنه الأمير محمّد بن سلمان بدلاً منه.
أوجس سلمان خيفة من قراره بتعيين ابنه محمد في ولاية العهد وخير دليل على ذلك جملة من التغييرات ( 16 مرسوم ملكي) التي أجراها سلمان بدءاً من إعادة جميع البدلات، مروراً بتمديد العطلة لتصل مدّتها إلى 23 يوماً، وليس انتهاءً بشكل مبايعة بن نايف إلى ابن سلمان، كما ظهر في الفيديو.
ما يعزّز هذه الرؤية أن ظاهر الأمر بدا من خلال هيئة البيعة التي صوّتت بالأغلبية الساحقة لصالح ابن سلمان (31 من أصل 34)، ليتبعها سلمان بقرار تغيير نظام الحكم الأساسي في البلاد، أي أن ملك السعودية القادم في حال لم يكن من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز، وكان من أحفاده، فإن ولي عهده يجب أن يكون من فرع آخر من ذرية الملك عبد العزيز، فيما يعني أن الملك (لو كان من أحفاد الملك عبد العزيز) لا يستطيع تعيين نجله وليا للعهد. وبناء عليه، فإن الأمير محمد بن سلمان حال توليه حكم المملكة مستقبلا لن يستطيع أن يورث الحكم لأحد أنجاله، حيث لا بد أن يكون ولي العهد من فرع آخر. أي أن ما كان محلّلاً على سلمان اليوم، هو محرّم غيره غداً.
مجتهد تحدّث عن اعتقالات في الأسرة الحاكمة، إلا أن التغييرات التي أجراها الملك في وزارة الداخلية، وكذلك امساك بن سلمان بقرار الحرب والجيش، إضافةً إلى تعيين مدير مكتبه السابق العميد ركن أحمد العسيري كنائب لرئيس الاستخبارات العامّة، يقضي على أيّ تحرّك أو محالة انقلاب من داخل العائلة الحاكمة في مهدها. يدرك أمراء العائلة أنّ أي تحرّك خلافاً للوضع الجاري سيدفع بهم نحو السجن، فضلاً عن خسارتهم الحصّة الدسمة التي يتلقّاها هؤلاء من الأموال، ما سيدفع الأغلب للسكوت، وجزء كبير للتملّق.
يبدو المشهد ضبابياً بعض الشيئ، ولعل تمديد العطلة أحد أهداف هذا السيناريو لناحية إرضاء الشعب السعودي عن الولي العهد الجديد، أو لتنصيبه ملكاً بعد تنحّي أبيه، أو الاثنان معا، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه إلى أين؟ وما هو مستقبل الحكم السعودي؟
قرارات اليوم هي بمثابة البداية الفعلية لانتقال الحكم في السعودية من جيل أبناء إلى جيل الأحفاد، ولعلّها أحد أبرز إفرازات ترامب الذي أعطى الضوء الأخضر بعد استلامه لفاتورة النصف ترليون دولار في زيارته إلى المنطقة، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى جملة من النقاط، أبرزها:
أوّلاً: يعتقد كثيرون أن"رجل كل شيء"، كما يصفه بعض الدبلوماسيين، المعروف "بطموحه الشديد وسلوكه العدواني"، وفق بروس ريديل، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، يعتقدون أنه سيمضي في نهج المملكة العدواني سواءً في الحرب على اليمن، العلاقة مع قطر، الأزمة السورية والعلاقة مع ايران.
ثانياً: مقابل هذا الرأي هناك آخر يشير إلى أن كلّ أفعال بن سلمان كان تصب في السعي نحو إيصاله إلى ما هو عليه اليوم. عسكرياً، شنّ العدوان السعودي على اليمن لإثبات نجاحه وقدراته العسكرية، وكذلك الأمر بالنسبة للتحالف العسكري الإسلامي، إقتصادياً وضع سياسة الطاقة وقدّم رؤية 2030، فضلاً عن دوره الرئيس في العلاقات السياسيّة الخارجيّة للمملكة. بعبارة أخرى، بن سلمان لن يجد نفسه مضطراً للمضي في حروبه الخارجية، وبالتالي قد يعمل على إنهاء حربه الخاسرة على اليمن.
ثالثاً: إن التغيير في نظام الحكم هو شكلي لا أكثر، أي أنه باستطاعة الملك الجديد استصدار قرار جديد ينسخ هذا القرار، إلا أن الخوف داخل العائلة من أي تحرّك، لاسيّما من رئيس الحرس الوطني متعب بن عبدالله، دفع بسلمان لاستصدار هذا القرار. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن متعب بن عبدالله سيكون عنوان للقرارات الملكيّة القادمة في البلاد.
رابعاً: بن سلمان الطامح لإثبات نفسه في إدارة المملكة رغم صغر سنّه، سيكون حصان الطروادة الأمريكي في المنطقة، وهذا ما يدفع به للتقرّب أكثر وأكثر نحو الكيان الإسرائيلي والمضيّ في قضيّة التطبيع سواءً بذريعة الحج والطيران المباشر، أو بسبب جزيرتي تيران وصنافير بعد تنازل مصر عنهما لصالح السعوديّة.
خامساً: ما ترسّخ اليوم هو أن التهور بات عنواناً عريضاً في المملكة، أي أن الأمير الصغير البالغ 31 عاماً، سيكون في غضون الأيام المقبلة أول ملك للسعودية من جيل أحفاد المؤسس عبدالعزيز آل سعود، بحسب تغريدات "مجتهد". ولعل أدقّ تعبير صدر بحق بن سلمان عن الاستخبارات الألمانية في العام 2015 "المقامر الطائش الذي بيده سلطات هائلة".
نختم بالإشارة إلى أن منصب ولي ولي العهد يبدو أنّه قد خرج من التداول وفقد دوره بعد ضمان وصول الأمير محمد بن سلمان إلى العرش، ما يؤكد النفاق السياسي في نظام الحكم لعائلة آل سعود.