الوقت- نقلت الولايات المتحدة منظومات إطلاق صواريخ تابعة لها من الأردن إلى منطقة التنف على الأراضي السورية، في إجراء رأى فيه البعض أن واشنطن باتت تعتبر هذا الجزء من سوريا أرضا امريكية استراتيجية تستفيد منها في أي اعتداء مقبل. والاعتداء المتكرر على القوات السورية يكشف عن النوايا الامريكية للسيطرة على هذه المنطقة وتأمين الظروف المناسبة لتشكيل قاعدة عسكرية لأمريكا وحلفائها.
الإعتماد على الأكراد
لم يعد مخفيا على أحد أن التواجد الأمريكي على الأراضي السورية لم يكن بغية مواجهة الإرهاب، فقد كان هدف إدارة اوباما الإطاحة بالنظام السوري، وتحقيق الديمقراطية على حد زعمها، وادارة ترامب اليوم لا تتحدث عن الديمقراطية في سوريا، بل تسعى لتحقيق مكاسب متوازنة لها، وتعمل على الإستفادة من وسائل عديدة لتحقيق أهدافها. منها المجموعات الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني التركي، التي قامت بتأمين العتاد المتطور لها.
الناتو العربي
تسعى الولايات المتحدة إلى تشكيل ناتو عربي - سني في منطقة الشرق الأوسط، لكن يمكن القول أنها لم تنجح في ذلك من الخطوة الأولى، والخلافات الحالية بين الدول السنية هي خير شاهد على ذلك. إلا ان هذه الخلافات تساعد أمريكا على تشكيل كتل عسكرية عربية - سنية في الشرق الأوسط، لتحولها فيما بعد إلى بروكسل عربي، تديره من التنف او من دير الزور، وبالتالي ستشهد الفترة المقبلة معارك عنيفة.
يبدو أن توجيه الضربات الأمريكية إلى شرق وشمال شرق سوريا، هدفه توسيع مناطق السيطرة الامريكية في النقاط الأكثر بعدا عن العاصمة السورية الخاضعة لسيطرة الجيش السوري المدعوم روسيا.
ومع الأخذ بعين الاعتبار أن المجموعات الكردية ستسيطر على الرقة في الأيام القليلة المقبلة، حيث يخرج منها الإرهابيون بعد توافق مع الطرف الأمريكي، وفي الوقت نفسه يتقدم الأكراد من الناحية الشمالية من مدينة دير الزور، يمكن الاستنتاج أن الأكراد اخذوا وعودا بالسيطرة على شمال شرق سوريا. وإن شيئا كهذا سيكون النواة الأولى لتشكيل دولة كردستانية مستقلة، ومن البديهي ان الأكراد حاضرين ان يدافعوا عنها حتى آخر شخص منهم، وإذا كانت امريكا قد أعطتهم وعدا بتأمين الحماية لهم، فسيصبحون حليفا لأمريكا في المنطقة حتى عشرات السنين.
الأكراد أداة أمريكية
إذا استطاع الاكراد السيطرة على دير الزور، فسينقسم محور مواجهة الارهاب في سوريا الى شقين، شمال شرقي وجنوب شرقي، وإن إخراج الجيش السوري من هذه المنطقة، سيؤدي الى تحكم القوات الأمريكية بالحدود العراقية السورية، الحائزة على اهمية استراتيجية من الدولة السورية.
وقد نشرت بعض المواقع الاخبارية الروسية، ان القوات الامريكية لم تفرض سيطرتها على الحدود، وان القوات الروسية ستساعد الدولة السورية كي لا تفقد السيطرة على تلك المنطقة، وبالتالي يمكن القول ان هذا هو السبب وراء الضربة الامريكية في التنف.
المجموعات الكردية المدعومة امريكيا ليست مصدر قلق للدولة السورية وحسب، بل لتركيا ايضا، التي لطالما خالفت الدعم العسكري الامريكي للأكراد. الذين يحاولون بشتى السبل الحصول على دولة خاصة بهم، وحاضرين ان يكونوا اداة أمريكية في المنطقة بغية تحقيق هدفهم.
كوسوفو جديد
وإن الكلام الذي يدور في الفترة الراهنة حول تشكيل هذه الدولة، يأخذ الأنظار الى جمهورية كوسوفو شرق أوروبا، التي تشبه بشكل تام الكيان الذي يسعى الأمريكيون الى تشكيله. فلتنفيذ المخطط الأمريكي في المنطقة، على الدولة الأمريكية ان تؤمن تغطية قانونية لتواجدها. كما حصل سابقا مع صربيا، حيث قام الغرب بتكثيف الغارات الألبانية وبعدها وبحجة تنامي النزعات العدائية، استدعيت قوات تدخل الناتو، والتي استقرت فيما بعد في كوسوفو. وبعدها شُنت غارات عنيفة على بلغراد، انتهت بترحيل الصربيين من المناطق الخاضعة للسيطرة الالبانية، وبعدها تشكلت دولة كوسوفو. وان تواجد قوات الناتو فيها آنذاك، ساعد على حضور الـCIA فيما بعد.
اللآن وفي وقت انعدم فيه الالتزام بالقانون الدولي، تستطيع امريكا ان تفعل ما تريد على الحدود السورية العراقية دون اي تبرير قانوني، وهي أدخلت الأكراد في اللعبة كي تجر الأمور الى نقطة لا مجال للعودة فيها الى الوراء.
المخالفة السورية والعراقية
من الواضح أن العراق وسوريا يخالفان مخطط التقسيم الذي تسعى إليه أمريكا، إلا أن واشنطن لا تأبه لذلك، وتعمل على تقسيم العراق الى ثلاث دويلات شيعية، سنية وكردية حيث يتم ذلك بعد استفتاء على استقلال اقليم كردستان العراق في الخامس والعشرين من شهر ايلول المقبل، وتسعى الى تشكيل اقليم كردي مستقل في سوريا ايضا.
ومن المعلوم أن تركيا تخالف هذا الاستقلال ايضا، حيث اكد اردوغان ان اجراءا كهذا ليس من مصلحة أحد. وإيران تخالف ذلك وتؤيد الموقف التركي أيضا. كذلك المسؤولون العراقيون، فهم يرفضون فكرة التقسيم.
وإن الوعود الأمريكية للأكراد بتشكيل دولة مستقلة، ليس فقط في الشمال العراقي بل في شمال شرق سوريا هدفه فصل قوات التحالف الأمريكي عن الإرهابيين في مختلف الأراضي السورية.