الوقت- رغم انتهاء الحرب الباردة، إلا أن المنافسة الإستراتيجية لا زالت تسيطر على العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وإن تعاقب الادارات الأمريكية المختلفة من جمهوريين وديمقراطيين، أثر على تلك العلاقات وأخضعها لمدّ وجزر في الفترات الأخيرة. امّا الآن فالإدارة الحالية وعلى رأسها ترامب جعلت المحللين يذهبون بالتفكير بعيدا حول مستقبل العلاقات الأمريكية الروسية، خصوصا أن فوز الأخير العام الماضي لاقى رضا روسيّا عارما حسبما رأى محللون. ترامب الذي أشاد ببوتين خلال حملته الإنتخابية، وأعلن ان شبه جزيرة القرم هي جزء من الدولة الروسية، وانه سيكون لديه وجهة نظر حول الحصار المفروض على روسيا.
أما فترة ما بعد الانتخابات لم تكن كما قبلها، فإدارة ترامب قامت ببعض الاجراءات التي جعلت عدم الثقة بين البلدين تظهر جلية امام الجميع. وحول هذا الموضوع، يمكن الحديث عن نقاط التقارب والاختلاف بينهما.
نقاط الاختلاف
يجب الأخذ بعين الإعتبار أن هدف أمريكا الاستراتيجي يتمحور حول فرض هيمنتها على العالم، وتعزيز النظام الذي تبتغيه وبالتالي تحقيق جميع مصالحها. ولأن نمط المنافسة هو السائد بينها وبين روسيا، ترفض الأخيرة هذه السياسة، ولذلك نشهد خلافات دائمة بين البلدين حول المسائل العالمية. التي يمكن القول أنها تتمركز في الوقت الحالي حول الأزمة السورية، أوكرانيا والملف النووي الإيراني.
دخلت روسيا الى الأزمة السورية في أيلول من العام 2015، ومنذ ذلك الحين يعتبرها الائتلاف الأمريكي منافسا له على الساحة السورية. فهي التي لطالما أكدت على بقاء الأسد في السلطة، وساعدت القوات السورية على محاربة المجموعات الإرهابية المسلحة عبر دعم جوي متواصل. أما ترامب الذي كان قد تحدث في حملته الانتخابية عن تعاون روسي - أمريكي وحتى تعاون مع الأسد بغية القضاء على تنظيم داعش، قام بسلسلة أعمال منافية لذلك، من جملتها قصف القوات السورية في التنف والشعيرات تحت ذرائع مختلفة.
وروسيا تقف منذ حوالي السنتين الى جانب الرئيس الأسد وحلفائه في المنطقة، في مواجهة الائتلاف الأمريكي وحلفائه، كالمملكة السعودية، وفي المجال الدبلوماسي أيضا وفي المساعي المطروحة لحل الأزمة السورية، لطالما اعلنت روسيا أن التحركات الأمريكية تعمل على عرقلة الحلول وتعقيد الأزمة.
موضوع آخر من المسائل المختلف عليها بيت أمريكا وروسيا هو الأزمة الأوكرانية. فلا يمكن تجاهل أن هذه الأزمة هي التي أوصلت الإحتدام بين البلدين إلى اقصى درجاته منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. فبحجة الإعتراض على ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، ودعما للأصوات المطالبة باستقلال شرق اوكرانيا، فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات مختلفة على موسكو، وكان التعويل على إدارة ترامب بأن ترفع العقوبات، لأن الأخير تحدث عن سبل لحل الأزمة الراهنة بمساعدة روسية. أما بعد فوزه، جعل ترامب من تغيير موقف روسيا تجاه أوكرانيا شرطا لرفع العقوبات، ولم يظهر أي تعديل على السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا، التي لا تمتلك أهمية في السياسة الخارجية الأمريكية، إلا انها تؤثر كثيرا على علاقتها بموسكو.
وهناك إختلاف آخر حول الموقف من الملف النووي الإيراني، فترامب خلال حملته الإنتخابية هاجم الإتفاق النووي، وبعد قدومه أيضا قام بعدة إجراءات للوقوف في وجهه. وعلى الرغم من الإدعاء الأوروبي بأن إدارة ترامب لم تخالف الإتفاق حتى الآن. إلا أنها تسعى للحصول على دعم دولي للضغط على البرنامج النووي الإيراني. أما روسيا فتؤكد على استمرار تنفيذ خطة شاملة مشتركة بين البلدين، وهي تعتبر إيران حليفا دوليا لها، وتتعاون معها في سياستها الخارجية. أما أمريكا فتعتبرها خطرا يجب الحد منه على مشاريعها في المنطقة.
نقاط التقارب
على الرغم من المنافسة القائمة بين البلدين، إلا أن بعض المخاطر تحتم على الكرملين والبيت الأبيض التعاون فيما بينهم. واحدة من هذه الأمور هي الخطر المتمثل بالتكفير والإرهاب، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة اخبار عن مساعدات امريكية لروسيا في مجال جمع المعلومات حول داعش. وقد اعلن ترامب سابقا أن التطرف هو تهديد يمكنه التقريب بين أمريكا وروسيا.
ودون أدنى شك، إن موضوع الطاقة هو أحد النقاط المشتركة بينهم أيضا، فقد شهدنا مؤخرا اتفاقات بين أكبر شركتين في مجال الطاقة، روسنفت الروسية و إكسون موبيل الأمريكية. بعبارة أخرى، إن تنسيق الانتاج بهدف الحفاظ على استقرار السوق هو احد أوجه التقارب بينهما. فروسيا هي مصدر قوي للنفط والغاز، وحاضرة لتسهيل مفاوضات في هذا المجال، وامريكا تمتلك رؤوس أموال هائلة وامكانات ادارية كبيرة، وروسيا من جهتها لديها مشاريع هيدروكربونية ذات منفعلة عالية تجلب رؤوس الأموال تلك.
بالتالي إن العلاقات الروسية الأمريكية مرهونة بتفاصيل عديدة، وعلى الرغم من الإدعاءات المطروحة بأن ترامب يسعى إلى تحسين العلاقات، إلا أن الثقة معدومة بين البلدين، ولذلك يمكن القول أن من الصعب تغيير العلاقات بسهولة، خصوصا أن أفعال ترامب لا يمكن تنبؤها، وسياسته الخارجية غير واضحة بعد.