الوقت- تتزايد المخاوف الدولية بشأن الوضع الصحي للأطفال في أفغانستان، بعدما أصدر فريق «متطوعي الأمم المتحدة» العامل تحت مظلة الأمم المتحدة تحذيراً شديد اللهجة يؤكد أن نحو 12.9 مليون طفل في هذا البلد يقفون على حافة خطر كبير، معرّضين للإصابة بأمراض معدية ومتفاقمة أبرزها الحصبة والإسهالات الحادة، ويأتي هذا التحذير وسط واقع صحي هشّ يهدد بانهيار شامل إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة.
أرقام مقلقة تكشف عمق الأزمة
حسب البيان الأممي، فإن الوضع الصحي للأطفال «مقلق للغاية»، حيث يعاني الملايين من غياب التطعيمات الأساسية والرعاية الصحية الأولية، فيما تعجز المرافق الصحية الحالية عن تلبية احتياجاتهم بسبب نقص التمويل والمعدات والكوادر.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن أفغانستان سجّلت أكثر من 55 ألف حالة اشتباه بالحصبة منذ بداية العام الحالي، أدّت إلى وفاة 357 شخصاً، معظمهم أطفال، وتعتبر هذه الأرقام مؤشراً خطيراً على توسع رقعة انتشار الفيروس وتراجع برامج الوقاية التي كانت تقلل نسب الإصابات في السنوات الماضية.
بدورها، أشارت منظمة «أطباء بلا حدود» إلى أن طفلاً واحداً على الأقل يموت يومياً بسبب الحصبة، وهو رقم يعكس ضعف قدرة النظام الصحي على حماية أكثر الفئات هشاشة، فالحصبة التي تُعد مرضاً يمكن الوقاية منه بسهولة عبر اللقاح، تحولت إلى مصدر رئيسي للوفيات نتيجة غياب حملات التطعيم المنظمة.
أما صندوق الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» فأعلن تسجيل أكثر من 100 ألف إصابة بالإسهال الحاد خلال الأشهر القليلة الماضية، نتج عنها 48 وفاة، غالبيتها بين الأطفال دون سن الخامسة، وتشير المنظمة إلى أن سوء التغذية ونقص المياه النظيفة يلعبان دوراً حاسماً في انتشار هذه الأمراض.
سوء التغذية... أزمة تُفاقم المخاطر
المشهد الصحي في أفغانستان لا يمكن فصله عن الأزمة الغذائية المتفاقمة التي تضرب شرائح واسعة من السكان، فبسبب الفقر المدقع، وانعدام الأمن الغذائي، وارتفاع أسعار المواد الأساسية، يعاني مئات الآلاف من الأطفال من سوء تغذية حاد يضعف مناعتهم ويجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن سوء التغذية بات أحد أهم الأسباب التي تزيد من مضاعفات الحصبة والإسهالات، إذ يفقد الأطفال القدرة على مقاومة العدوى أو التعافي منها، ومع غياب برامج الدعم الغذائي بشكل كافٍ، تزداد احتمالات الوفاة بين الأطفال وخاصة في المناطق الريفية.
إلى جانب ذلك، لا يزال ملايين السكان، وخاصة الأطفال، يعانون من عدم توفر مياه الشرب النظيفة، وهو ما يسهم في انتشار الأمراض المنقولة بالمياه مثل الإسهالات الحادة، التي تُعد أحد أكبر أسباب الوفيات بين الأطفال دون الخامسة في البلاد.
تداعيات التحولات السياسية وانهيار التمويل
تُجمع التقارير الدولية على أن التحولات السياسية التي شهدتها أفغانستان في السنوات الأخيرة أثرت بشكل مباشر على النظام الصحي، فمع انسحاب الجهات المانحة وتقليص التمويل الدولي، فقدت المؤسسات الصحية جزءاً كبيراً من مواردها، إضافة إلى مغادرة عدد كبير من الكوادر الطبية الماهرة للبلاد.
هذا التراجع أدى إلى إغلاق العديد من المراكز الصحية أو العمل بقدرات منخفضة للغاية، بينما تعاني المستشفيات التي ما زالت تعمل من نقص شديد في الأدوية الأساسية والأجهزة الطبية.
كما أن القيود المفروضة على بعض المنظمات الدولية حدّت من قدرتها على الوصول إلى المناطق الأكثر تضرراً، في وقت تحتاج فيه هذه المناطق إلى تدخل عاجل لتفادي كارثة صحية.
عقبات أمام المنظمات الإنسانية
رغم الجهود التي تبذلها وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، إلا أن الوصول إلى الأطفال في المناطق النائية لا يزال يمثل تحدياً كبيراً، وتشير الأمم المتحدة إلى أن القيود الإدارية واللوجستية تعرقل تنفيذ برامج التطعيم والتغذية ومشاريع المياه، ما يزيد من اتساع الفجوة بين الاحتياجات والقدرات.
وتطالب المنظمات الدولية بالسماح الكامل وغير المشروط لفرقها بالدخول إلى جميع المناطق، إضافة إلى توفير بيئة عمل آمنة ومستقرة لضمان تنفيذ البرامج الحيوية.
خطر الانهيار الكامل للنظام الصحي
يحذر الخبراء من أن استمرار الوضع على حاله قد يؤدي إلى انهيار كامل للنظام الصحي في أفغانستان، ما سيعني ارتفاعاً أكبر في معدلات الوفيات بين الأطفال، وانتشاراً لأمراض جديدة قد تعيد البلاد إلى مستويات كارثية صحياً وإنسانياً.
ويشير متخصصون في الصحة العامة إلى أن التداخل بين سوء التغذية، وفقدان مياه الشرب النظيفة، وضعف البنية التحتية الصحية، يخلق حلقة خطيرة تعرض الأطفال لمخاطر مضاعفة، وتجعل أي وباء جديد قادراً على الانتشار بسرعة كبيرة.
خطوات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه
في ظل هذه المعطيات، تؤكد الأمم المتحدة أن الحلول موجودة لكنها تتطلب إرادة سياسية ودعماً مالياً وعملاً ميدانياً واسعاً.
من أبرز هذه الخطوات:
- إعادة إطلاق حملات التطعيم بشكل شامل وسريع في كل الولايات.
- توفير مراكز صحية متنقلة للوصول إلى المناطق البعيدة.
- دعم برنامج التغذية للأطفال والحوامل لتعزيز المناعة وتقليل الوفيات.
- إعادة تأهيل شبكات المياه والصرف الصحي التي تدهورت خلال السنوات الماضية.
- تعزيز التمويل الدولي للمؤسسات الصحية لمنع توقف أنشطتها.
- رفع القيود أمام عمل المنظمات الدولية لضمان وصول الخدمات إلى جميع المحتاجين.
الأزمة الصحية التي يعيشها الأطفال في أفغانستان اليوم ليست مشكلة محلية فحسب، بل هي جرس إنذار عالمي يهدد بوفاة آلاف الأطفال إذا لم يتم التحرك سريعاً، فالأرقام تكشف عن واقع مأساوي، لكن الأسوأ قد يكون قادماً إذا استمر الانهيار الصحي وعدم الاستقرار السياسي.
إنّ ما يقرب من 13 مليون طفل ينتظرون تدخلاً عاجلاً ينقذ حياتهم، ويضمن لهم حقاً أساسياً من حقوق الإنسان: الحق في الصحة والبقاء، وفي ظل هذا المشهد القاتم، تبدو الحاجة ملحّة لتكاتف دولي يعيد للأمل مكانه في حياة هؤلاء الأطفال الذين يواجهون واحداً من أصعب التحديات الصحية في العالم.
