الوقت- في الأشهر الأخيرة، تصاعدت التوترات بين باكستان وأفغانستان في ظل حكم طالبان، وأجبرت هذه الظروف المتوترة الجهات الفاعلة الإقليمية على السعي لإيجاد حل لإنهاء هذه الخلافات طويلة الأمد، وفي الأسابيع الأخيرة، استضافت دول مثل تركيا وقطر، نظرًا لعلاقاتها النسبية مع كلا الجانبين وموقعها الإقليمي، عدة جولات من المفاوضات بين المسؤولين الباكستانيين وحركة طالبان، في محاولة لوضع أسس لإرساء سلام دائم، ومع ذلك، لم تُفضِ هذه الجهود إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد بسبب انعدام الثقة المتبادلة والضمانات العملية، ولا تزال الخلافات قائمة.
وفي ظل هذه الظروف، دخلت إيران المشهد بإعلانها استعدادها للعب دور الوسيط بين أفغانستان وباكستان، وقد لاقى هذا الموقف السياسي ترحيبًا من كلٍّ من إسلام آباد وحكومة طالبان، ومن المقرر عقد اجتماع إقليمي مستقبلًا لإجراء محادثات بوساطة طهران مع مسؤولين من الجارتين، ما يُظهر أن طهران لديها القدرة على لعب دور محوري في تخفيف التوترات، ولا يُعد إعلان إيران عن استعدادها رسالة سياسية فحسب، بل هو أيضًا مؤشر عملي على قدرة طهران على استضافة وتسهيل المفاوضات بين البلدين الجارين.
قدرات إيران السياسية والثقافية على الوساطة
تعتمد قدرة إيران على الوساطة بين كابول وإسلام آباد على مجموعة من القدرات والمزايا الفريدة التي تضعها في مكانة متفوقة مقارنةً بالجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى.
ومن أهم هذه القدرات وجود حسن جوار وعلاقات طيبة مع كلا البلدين، فإيران، بحدودها الطويلة مع أفغانستان وباكستان ومعرفتها الدقيقة بالجغرافيا والظروف الاجتماعية والقضايا الأمنية في هاتين المنطقتين، تتمتع بقدرة فريدة على إدارة التوترات، لقد دفع هذا الجوار طهران ليس فقط إلى مراقبة القضايا الأمنية عن كثب، بل أيضًا إلى تصميم وتنفيذ التدابير اللازمة لمنع الأزمات بسرعة.
وتُعدّ المصالح الأمنية المشتركة بين إيران وأفغانستان وباكستان عاملًا مهمًا آخر يجعل طهران خيارًا فعالًا للوساطة، لطالما كانت التهديدات الإرهابية، وخاصة في المناطق الحدودية، أحد الشواغل الرئيسية للدول الثلاث، إن قدرة إيران على تبادل المعلومات الأمنية مع كابول وإسلام آباد، وتاريخها في التعاون في مواجهة التهديدات الإرهابية، ودوافعها المشتركة لضبط الحدود، قد وضعت طهران في موقع يُمكّنها من لعب دور بنّاء في بناء الثقة بين الأطراف.
تُوفّر خبرة إيران في إدارة القضايا الأمنية على حدودها الشرقية والتعاون مع باكستان في مواجهة الجماعات الإرهابية والانفصالية المسلحة أساسًا للمفاوضات السياسية وبناء السلام، وتزيد من احتمالية تخفيف التوترات، يمكن لإيران تشجيع الأطراف على مزيد من التعاون والتقارب من خلال تسليط الضوء على العواقب المدمرة للتهديدات الإرهابية على أمن أفغانستان وباكستان، وهي تهديدات غير ملموسة على الإطلاق لأطراف مثل تركيا وقطر، اللتين لا تُدركان هذه المخاطر الأمنية بقدر طهران.
وتمثل العلاقات الدبلوماسية بين إيران وكلا البلدين قدرة مهمة أخرى لإيران، التي حاولت دائمًا إقامة علاقات قوية مع إسلام آباد وكابول، وقد أدت هذه العلاقات المتبادلة إلى الاعتراف بإيران باعتبارها جهة فاعلة موثوقة وموثوقة في نظر كلا الجانبين، ومثل هذا الموقف يضمن أن الوساطة الإيرانية ستلقى ترحيباً حقيقياً من قبل الأطراف وستزداد فرص نجاح المفاوضات مقارنة بالمحاولات السابقة.
ويكمن تفوق إيران على الجهات الفاعلة الأخرى في أن هذه الدول لا تتمتع بالحياد الفعال والنظرة الشاملة لجذور وأبعاد الخلافات في أي اجتماع وساطة بسبب بعدها الجغرافي وتركيزها على مصالحها الاقتصادية والسياسية، وتعتبر إيران المصالح المشتركة مع كابول وإسلام آباد، وتعلم أن أي توتر على الحدود سيكون له تأثير مباشر على أمن المنطقة وجيوسياستها، ولذلك تحاول إيقافه قبل أن تخرج الأوضاع عن السيطرة.
ومن ناحية أخرى، توفر العضوية المشتركة مع أفغانستان وباكستان في المنظمات الإقليمية مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة التعاون الاقتصادي آليات عملية وقانونية للتعاون وبناء الثقة بين الدول وتمكن إيران من تنفيذ عملية الوساطة بشكل أكثر عملية وفعالية من الجهات الإقليمية الفاعلة الأخرى.
إن تجربة إيران في استضافة المحادثات الإقليمية حول أفغانستان والمشاركة في الاجتماعات المتعددة الأطراف التي ركزت على حل أزمات البلاد في السنوات الأخيرة تظهر أن طهران لديها القدرة على إدارة المفاوضات الحساسة والمعقدة بين جارتين ويمكنها توجيه مسار التفاعلات بدقة وثقة، كما تعد الخلفية اللغوية والثقافية والتاريخية والدينية المشتركة في المناطق الحدودية أدوات لبناء الثقة والتفاعل الفعال بين الدول الثلاث، وتسمح هذه القواسم المشتركة لإيران بقيادة المفاوضات بشكل بناء من خلال الفهم العميق لعقليات ومواقف الأطراف وتوفير أساس للتفاهم الدائم.
كما أن وجود مجتمع كبير من المهاجرين الأفغان في إيران يعزز أيضًا العلاقات الإنسانية، وسجل طهران الإيجابي في المساعدات الإنسانية لأفغانستان، ودور إيران في إدارة المهاجرين وأزمات الحدود، كلها تتحدث عن قدرات طهران الملموسة للعب دور الوساطة وحل النزاعات بين إسلام آباد وكابول.
القدرات الاقتصادية
ومن الممكن أيضاً أن تلعب قدرات إيران الاقتصادية وقدرات العبور دوراً حاسماً في عملية حل النزاعات بين أفغانستان وباكستان.
باعتبارها طريق عبور رئيسي، تمتلك إيران مرافق نقل مناسبة وبنى تحتية اقتصادية يمكن أن تلعب دورًا رادعًا وبناءً في تقليل التوترات في شكل حزم تعاون اقتصادي أو خلق حوافز مشتركة، إن موقع إيران على الطريق الذي يربط الشرق بالغرب، وإمكانية الوصول إلى الخليج الفارسي والمحيط الهندي، يمكن أن يشكل نقطة اتصال حيوية لأفغانستان وباكستان.
وتضمن هذه القدرات أن الاتفاقيات بين الطرفين ليس لها بعد سياسي فحسب، بل تشمل أيضا جوانب اقتصادية وتشغيلية وترسيخ الثقة المتبادلة، ومن خلال توضيح فوائد طرق العبور وفرص الأعمال، يمكن لإيران أن تمهد الطريق لتقليل التوترات وزيادة حافز الأطراف للتعاون.
إن قدرات إيران الجيوسياسية والأمنية والدبلوماسية والاقتصادية جعلت من هذا البلد خيارًا فعالاً وعمليًا للوساطة بين أفغانستان وباكستان، وتظهر هذه الميزات أن إيران يمكنها استخدام خبرتها وقدراتها ليس فقط لخفض مستوى التوترات على الحدود، ولكن أيضًا لخلق سلام مستقر وقوي بين البلدين الجارين، وسوف تعود هذه العملية بالنفع على كافة الجهات الفاعلة الإقليمية، بل حتى من خارج المنطقة، لأن الاستقرار في هذه المنطقة الحساسة له آثار واسعة النطاق على الأمن، والتنمية الاقتصادية، والتعاون الإقليمي.
لذلك، يمكن أن يقدم هذا الإجراء نموذجًا لحل النزاعات الأخرى في المنطقة، ويظهر أن الجهات الفاعلة الإقليمية قادرة على إدارة الأزمات ومنع انتشار التوترات من خلال التفاهم المتبادل واستخدام القدرات الداخلية والتفاعل البناء، وإذا نجحت هذه الوساطة، فسوف ترسخ إيران دورها كلاعب رئيسي في أمن واستقرار المنطقة، كما ستفتح أفغانستان وباكستان طريقا جديدا للتفاعلات البناءة والتعاون المستقبلي من خلال الحوار والتعاون.
