الوقت- منذ اللقاء التاريخي بين فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز عام 1945 إلى العصر الجديد للتعاون الاستراتيجي، مرت العلاقات السعودية الأمريكية بالعديد من التقلبات، هذه العلاقات، التي استمرت لعقود من الزمن، كانت دائما تقوم على ركيزتين أساسيتين: النفط وأمن الخليج الفارسي.
وتعود جذور هذا الاتحاد إلى الأربعينيات، أسس الملك عبد العزيز آل سعود، المعروف في الغرب بابن سعود، المملكة العربية السعودية عام 1932 بعد توحيد قبائل نجد والحجاز، وبعد قمع المعارضة، قام في العام نفسه بتسليم امتياز التنقيب عن النفط لشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (شيفرون الآن)، تم اتخاذ هذا الإجراء في وقت لم يكن فيه للولايات المتحدة أي وجود تقريبًا في المنطقة وكانت القوة الأجنبية الوحيدة المعروفة للسعوديين هي بريطانيا.
والثقة الأولية في الأمريكيين تشكلت جزئياً من قبل المبشرين المسيحيين المقيمين في البحرين، أولئك الذين، دون أن يحاولوا التحول، قدموا ببساطة الخدمات الطبية للجنود السعوديين، بل عالجوا الملك نفسه في وقت ما، هذا الاختلاف في النهج جعل عبد العزيز يرى الأمريكيين بشكل مختلف عن البريطانيين.
وبعد سنوات، وفي لقاء مع نائب وزير الخارجية الأمريكي جورج ماكجي، كشف عبد العزيز أن السبب الرئيسي للتعاون مع واشنطن هو الخوف من تهديد عائلة الهاشمي؛ العائلة المالكة التي كانت لديها ضغينة قديمة ضد آل سعود بعد طردهم من مكة والمدينة في عشرينيات القرن الماضي، ولهذا السبب أعطى الامتياز النفطي للأمريكيين وأصدر الإذن ببناء قاعدة الدمام الجوية ليظهر أن أمن السعودية أمر حيوي لكلا البلدين.
ومع اكتشاف النفط في الدمام عام 1938، أصبحت أهمية المملكة العربية السعودية بالنسبة لأمريكا واضحة، أعلن روزفلت في عام 1943: "إن الدفاع عن المملكة العربية السعودية أمر حيوي للدفاع عن الولايات المتحدة"، وكانت هذه الجملة هي البداية الرسمية لرؤية أمريكا الإستراتيجية للمملكة، وفي عام 1944، تأسست شركة النفط العربية الأمريكية (أرامكو)، ولم تكتف أرامكو باستخراج النفط، بل كانت في الواقع الممثل الأمريكي في المملكة العربية السعودية، بل قدمت القروض للملك، وفي عام 1948 تم اكتشاف كنز من الذهب، واكتشفت أرامكو حقل غوار النفطي الذي يضم أكثر من 170 مليار برميل من الاحتياطي النفطي المؤكد؛ أكبر حقل نفط في العالم والذي يظل العمود الفقري للاقتصاد السعودي حتى اليوم، ويقال إنه يستخرج منه 5 ملايين برميل من النفط يومياً.
وفي عام 1950، ولحل مشكلة كيفية إيصال النفط السعودي إلى الأسواق الأمريكية والغربية، قامت شركة بكتل الأمريكية، ومقرها كاليفورنيا، ببناء خط أنابيب بطول 1000 ميل مباشرة من حقول النفط في المملكة العربية السعودية عبر الأردن ومرتفعات الجولان إلى صيدا في لبنان لنقل النفط مباشرة إلى البحر الأبيض المتوسط عبر خط الأنابيب، تم تشغيل خط الأنابيب هذا في العام التالي واستمر في العمل حتى أوائل السبعينيات، آخر عام حققت فيه الولايات المتحدة الاكتفاء الذاتي في إنتاج النفط كان عام 1970.
وفي الـ 14 من فبراير 1945، التقى روزفلت بالملك عبد العزيز على متن السفينة يو إس إس كوينسي بعد مؤتمر يالطا، ومن المثير للاهتمام أن محادثاتهم لم تكن حول النفط، بل حول فلسطين ومستقبل اليهود الأوروبيين، وكبادرة حسن نية، أهدى روزفلت طائرة من طراز DC-3 للملك، الذي أصبح فيما بعد مؤسس الخطوط الجوية السعودية، وأصبح هذا اللقاء التاريخي أساس العلاقات التي استمرت عليها الحكومات الأمريكية اللاحقة.
وفي الخمسينيات والستينيات، توسعت العلاقات العسكرية والاقتصادية، وكانت اتفاقية الدفاع المشترك (1953)، وزيارة الملك سعود إلى أمريكا (1957)، واجتماعات الملك فيصل مع جونسون ونيكسون، كلها علامات على التقارب بين البلدين، امتد التعاون المبكر إلى البنية التحتية، وقام المهندس المعماري الأمريكي مينورو ياماساكي بتصميم محطة الظهران للطيران المدني في عام 1958.
وفي عام 1973، قادت المملكة العربية السعودية حظراً نفطياً ضد الولايات المتحدة. وتضاعف سعر النفط أربع مرات، وارتفع دخل السعوديين من 8.5 مليارات دولار إلى 35 مليار دولار، أدت هذه الثروة الجديدة إلى وصول العلاقات العسكرية إلى ذروتها، وبهذه الأموال، بدأوا في بناء وشراء الدبابات والطائرات والبنية التحتية الأمريكية، قامت الشركات الأمريكية بشكل أساسي ببناء البنية التحتية العسكرية الكاملة للمملكة العربية السعودية كما هي اليوم، وعلى مدى السنوات العشرين التالية، أنفق السعوديون حوالي 85 مليار دولار على الأسلحة الأمريكية.
ومع ذلك، في عام 1973، بسبب الحرب بين "إسرائيل" والدول العربية، بدأ السعوديون في الاستيلاء على أرامكو، وأصروا على 25% من أسهمها، مدفوعة الثمن من النفط، لكنهم لم يحاولوا تأميم أرامكو دون تعويض، وبحلول عام 1980، أصبحوا يمتلكون 100% من شركة أرامكو، لكنهم عاملوا شركاءهم الأمريكيين بشكل جيد، لقد أعطوا الأفضلية للشركاء الأمريكيين - شيفرون، وإكسون موبيل، وتكساكو - في مبيعات النفط وقدموا خصومات خاصة لإرضاء واشنطن والشركات، ولذلك ظلت العلاقة بين السعودية وشركات النفط قوية ووثيقة.
في الثمانينيات، وقفت المملكة العربية السعودية بنشاط إلى جانب الولايات المتحدة في الحرب الباردة، انضم السعوديون إلى "الحملة الصليبية" التي شنها رونالد ريغان ضد الشيوعية: فقد قاموا بتمويل المجاهدين الأفغان الذين كانوا يقاتلون السوفييت، وساعدوا ريغان عندما قطع الكونغرس المساعدات عن الكونترا في نيكاراغوا، كما قدموا الأموال لحركة يونيتا في أنغولا.
وذروة هذا التعاون كانت في عهد رئاسة جورج بوش الأب، ووقعت حرب الخليج الأولى (1990-1991)، وسمحت السعودية لنصف مليون جندي أمريكي بدخول أراضيها لحماية المملكة وتحرير الكويت، أدى هذا الإجراء إلى إرساء الدور الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية في الدفاع الإقليمي ورفع التعاون العسكري بين البلدين إلى ذروته.
لكن في بداية إدارة جورج دبليو بوش (2001)، واجهت العلاقات مع السعودية أزمة، وكان السعوديون يعلقون عليه آمالاً كبيرة لأنهم كانوا على علاقة وثيقة بوالده، لكن هجمات الـ 11 من سبتمبر غيرت كل شيء: خمسة عشر من الخاطفين التسعة عشر كانوا سعوديين، وكان أسامة بن لادن من أصل سعودي، هذا الحدث غيّر وجهات النظر بقوة ضد السعودية، لقد تغير موقف الجميع تجاه المملكة العربية السعودية بشكل كبير.
أصبحت الوهابية قضية لأول مرة في أمريكا، وكانت المملكة العربية السعودية تعتبر المصدر الروحي للإرهاب والممول المالي للإرهابيين، وكانت هناك مناقشات في الكونجرس ووسائل الإعلام حول ما إذا كانت المملكة العربية السعودية صديقة أم عدوة، لماذا شارك الكثير من السعوديين في هذه القصة؟ لقد أصبح الأمر خطيرًا للغاية لدرجة أن وزارة الخزانة ومكتب التحقيقات الفيدرالي صادروا جميع المستندات المالية للأمير بندر في السفارة لمعرفة أين تم إنفاق الأموال السعودية داخل الولايات المتحدة، لقد تعقبوا أنشطة الجمعيات الخيرية لأنهم كانوا قلقين من أن السعوديين كانوا يمولون الإرهابيين داخل الولايات المتحدة.
وفي عام 2002، بدأ الملك عبد الله حواراً استراتيجياً جديداً في مزرعة بوش في كروفورد بولاية تكساس، بهدف زيادة التعاون في مجالات مكافحة الإرهاب، والطاقة، والتعليم، والاقتصاد، لكن الهجوم الأمريكي على العراق عام 2003 وجه ضربة قوية لثقة السعوديين، لقد راقبوا بفزع بينما قامت حليفتهم القديمة، الولايات المتحدة، بتثبيت حكومة شيعية موالية لإيران في بغداد، وكان هذا الإجراء غير مفهوم بالنسبة للسعوديين وتسبب في تضرر العلاقة بشدة.
وبعد سقوط صدام، طرد السعوديون القوات الجوية الأمريكية من أراضيهم وأوقفوا مفاوضات النفط مع الشركات الأمريكية، وبدلاً من شراء الطائرات الأمريكية، اشتروا طائرات تايفون بريطانية وذهبوا إلى الصين وروسيا وأوروبا للتعاون النفطي، ومع ذلك، في عام 2005، زار الملك عبد الله كروفورد مرة أخرى وحاول إصلاح العلاقات، تم إطلاق برنامج الملك عبد الله للمنح الدراسية وتوجه آلاف الطلاب السعوديين إلى أمريكا، واستمر هذا التعاون في السنوات التالية، وحدثت تفاعلات رفيعة المستوى مثل زيارة لورا بوش (2007) والزيارة الرئاسية الأولى لباراك أوباما إلى المملكة العربية السعودية (2009).
لكن سياسة أوباما تجاه مصر والربيع العربي خلقت اختلافات جديدة. وشعر السعوديون بالغضب من تخلي أوباما عن حسني مبارك في مواجهة الاحتجاجات، ووصفوا ذلك بأنه خيانة لحليف قديم، وبعد سقوط مرسي، عندما هددت الولايات المتحدة بقطع المساعدات عن مصر، دفعت المملكة العربية السعودية 5 مليارات دولار للقاهرة؛ ثلاثة أضعاف المساعدات السنوية للولايات المتحدة.
ورغم هذه الخلافات، انحازت الولايات المتحدة بشكل كامل إلى جانب الرياض وضد ثورة الشعب اليمني الوليدة في قضية الصحوة الإسلامية والثورة الشعبية في اليمن، مما خلق الحالة الإقليمية الأكثر أهمية للسعودية، وبضوء أخضر من واشنطن، هاجم التحالف السعودي اليمن، قُتل خلاله أكثر من 100 ألف يمني نتيجة الأزمة الإنسانية التي سببتها الحرب، وأصبحت واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في القرن الحادي والعشرين. زادت مبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية في عهد أوباما، بين عامي 2009 و2016، اشترى السعوديون أسلحة بأكثر من 115 مليار دولار، كما بلغت استثمارات المملكة العربية السعودية في سندات الخزانة الأمريكية 116.8 مليار دولار في مارس/آذار 2016، وفي الفترة نفسها، أنشأ مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة منتدى استراتيجيا مشتركا.
ومع تنصيب دونالد ترامب، دخلت العلاقات مرحلة جديدة. وتبنى ترامب سياسة عدوانية ضد إيران، وأعلن في مايو 2018 انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، كما استأنف بيع الأسلحة المتطورة، وخاصة الصواريخ الموجهة بدقة، للسعودية وأكد دعمه للحرب في اليمن، وفيما يتعلق بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، ذكر ترامب أن الولايات المتحدة لن تسعى إلى فرض أسلوب حياتها على الآخرين.
وخلال رحلة إلى الرياض في مايو/أيار 2017، عُقدت ثلاث قمم مهمة، ركزت على توسيع العلاقات العسكرية والتجارية، وفي أغسطس 2018، بلغ استثمار السعودية في سندات الخزانة الأمريكية نحو 169.5 مليار دولار، وتسبب مقتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول (2018) في أزمة كبيرة، وتصاعدت الضغوط المحلية والدولية على ترامب لمعاقبة الرياض، لكنه أعلن في بيان دعمه لولي العهد الأمير محمد بن سلمان وتحدى المعارضة الداخلية.
واليوم تسعى المملكة العربية السعودية إلى تغيير شكل اقتصادها وتفاعلها العالمي مع رؤية 2030، وتظل أمريكا أيضًا شريكًا مهمًا في مجالات مثل تحول الطاقة والتكنولوجيا النظيفة والتحول الرقمي، لقد تغيرت صيغة "النفط مقابل الأمن" التقليدية: فقد خفضت أمريكا اعتمادها على النفط الصخري، ولكنها لا تزال في احتياج إلى الدور الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في السيطرة على أسعار النفط العالمية، ومن ناحية أخرى، بالإضافة إلى شراء الأسلحة الأمريكية، عززت السعودية علاقاتها مع روسيا والصين وأوروبا، وتظهر هذه التغيرات أن التحالف التقليدي يعاد تعريفه، لكنه لم يصل بعد إلى مرحلة الانهيار.
