الوقت - لم تقتصر حرب الأيام الاثني عشر التي شنّها الكيان الصهيوني على إيران، علی الإخفاق في تحقيق مآرب المعتدين فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى قلب موازين المشهد الإقليمي بصورة مغايرة تماماً لمصلحة طهران، فقد أظهرت الجمهورية الإسلامية صمودها الأسطوري في مواجهة عدوان متغطرس مدجّج بأحدث الترسانات العسكرية وأشدّها فتكاً، وبرهنت بما لا يدع مجالاً للشك أن معرفتها النووية المتجذرة في أرض الوطن، لا يمكن أن تطويها رياح القصف العاتية.
حول تداعيات هذه المعرکة وآثارها على خارطة المنطقة، أجرى موقع “الوقت” التحليلي حواراً مع الدکتور “سعد الله زارعي”، الخبير البارز في شؤون غرب آسيا، وفيما يلي نص هذا الحوار:
الوقت: ما قراءتكم لدوافع حرب الأيام الاثني عشر ومرامي الكيان الصهيوني من هذا العدوان السافر؟
الدکتور سعد الله زارعي: في شرح هذه الحرب، طرح العدو هدفين متباينين مراراً وتكراراً: أولهما أنه للتغلب على جبهة المقاومة ينبغي اقتلاع أغصانها المتفرعة، والثاني يرتكز على فلسفة الاشتباك المباشر مع إيران، فإذا أمكن إضعاف الجذع، تذوي الأغصان تلقائياً، تارةً يزعمون ضرب الأذرع، وطوراً يدّعون قطع رأس المقاومة.
سعى العدو جاهداً لتطبيق النظرية الأولى بضرب أذرع المقاومة في غزة ولبنان وسوريا واليمن، بيد أنه لم يظفر سوى بنجاحات تكتيكية باهتة، ففي غزة، احتلوا شبراً من الأرض المقدسة، بينما تتصاعد الأصوات داخل أروقة تل أبيب متسائلةً: أنبقى في غزة أم ننسحب منها مدحورين؟ ما يؤكد أن الاحتلال لم يعدُ كونه حدثاً تكتيكياً عابراً، لم تبلغ "إسرائيل" غايتها في استئصال شأفة المقاومة من غزة الصامدة.
وفي لبنان أيضاً، وُجّهت ضربات لحزب الله، غير أنها أشبه بوعكة صحية عارضة سرعان ما يتعافى منها الجسد المقاوم، لذا لم تحقق "إسرائيل" مأربها هناك أيضاً، وظلت التهديدات الأمنية من الشمال شوكةً في خاصرتها، وفي سوريا، اقتنصت "إسرائيل" نصراً تكتيكياً هزيلاً، ورغم تقويض البنية التحتية العسكرية، فإنها كالعنقاء قابلة للنهوض من رمادها، وفي اليمن، تعرضت أنصار الله لضربات وضغوط على موانئهم، بيد أن التهديد الأمني من الجنوب لم يُحسم، وبقيت قدرات أنصار الله شامخةً.
إن سبب الهجوم على إيران هو وصول "إسرائيل" إلى نفق مظلم مسدود في نظريتها الأولى لضرب أذرع المقاومة، وإذ أخفقت في بلوغ هذا المرمى، أضحت مهاجمة رأس المقاومة على رأس أجندتها، وعلى نقيض الهجمات ضد لبنان وسوريا واليمن، افتقرت "إسرائيل" إلى الجرأة في مواجهة إيران منفردةً، فاحتاجت لمشاركة أمريكية مباشرة وعملية في الحرب، وهذا يكشف النقاب عن شعور تل أبيب بالضعف والوهن واعتمادها على قوة عسكرية بحجم أمريكا في مواجهة الجمهورية الإسلامية.
امتداد لهيب المواجهات من شواطئ البحر المتوسط إلى مياه الخليج الفارسي، كشف عن توسع رقعة الحرب، ما أفضى إلى عزلة "إسرائيل" الدبلوماسية، ذلك أن توسيع دائرة النار يعني تورط عدد وافر من الدول، وهذا أفضى إلى انزواء "إسرائيل" وتكبدها تكاليف باهظة، حيث سارعت العديد من الدول إلى إدانة العدوان الإسرائيلي الغاشم، وبما أن الهجوم على إيران كان مجرداً من أي غطاء شرعي، اعتُبر اعتداءً صارخاً على الأعراف القانونية وسيادة دولة ذات سيادة، ما أثار فزع طيفٍ واسع من الدول، حتى المصريون اعتراهم القلق من احتمال امتداد نيران العدوان إلى أراضيهم! فحين داست "إسرائيل" بأقدامها على كل المبادئ والأعراف، أصبح تكرار هذا السيناريو ضد أي دولة احتمالاً وارداً.
لذلك، اعتُبر هجوم 23 يونيو 2024 على مواقع في إيران وهجوم أمريكا في اليوم الحادي عشر ضد منشآت فوردو وأصفهان ونطنز النووية، عملاً عدوانياً سافراً ضد المنظومة القانونية الدولية، ولم يجرؤ أحد على تأييده، وهذا يشي بعزلة "إسرائيل" على الساحة الدولية، وبينما كانت "إسرائيل" تواجه سؤال “لماذا الحرب؟” داخلياً ودولياً، لم تواجه إيران هذا الاستجواب، ما رفع عتبة تحملها وصمودها، لو استمرت نيران الحرب لسنوات، لما تصدعت شرعية إيران، واستمرت الجمهورية الإسلامية في خوض غمار المعركة بظهير شعبي صلب، بينما رزحت "إسرائيل" تحت وطأة ضغطٍ داخلي وخارجي لإخماد أوار الحرب، وعندما أعلنت أمريكا انتهاء المعركة، هرولت "إسرائيل" نحو وقف إطلاق النار وقبلته بلهفة، على خلاف موقفها المتصلب في غزة.
الوقت: ما التحولات والتداعيات التي شهدتها خارطة المنطقة بعد حرب الأيام الاثني عشر؟
الدکتور سعد الله زارعي: طرحت مؤسسة أمريكية سؤالاً جوهرياً: هل تبدلت هوية اللاعب المهيمن في المنطقة بعد الحرب؟ وخلصت إلى أن الحرب الأخيرة أماطت اللثام عن حقيقة أن "إسرائيل" ليست المهيمن الإقليمي كما كانت تدّعي، الهمس المتصاعد عن حرب جديدة يفضح زيف ادعاء ترامب و"إسرائيل" بتحقيق النصر في حرب الأيام الاثني عشر، في الواقع، يتنافر ادعاء انتصارهما المزعوم مع الحديث المتواتر عن حرب جديدة ضد إيران.
قبيل اندلاع الحرب، وتحديداً قبل أسبوعين من اشتعالها، ساد اعتقاد لدى أمريكا و"إسرائيل" أنهما بضربة عسكرية واحدة قادرتان على إركاع إيران وإجبارها على الاستسلام، وردّد ترامب هذه الأمنية مراراً وتكراراً، إن هدف استسلام إيران هو ما خاضت من أجله "إسرائيل" وأمريكا غمار الحرب ودفعتا تكاليفها الباهظة دون أن تظفرا به، والآن يلحّون على جلوس إيران إلى طاولة المفاوضات مع ضغطٍ أوروبي متصاعد، حتى في أتون الحرب، أرسل الأمريكيون رسائل للتفاوض، ووفقاً لما كشفه السيد عراقجي، ألحّ الممثل الأمريكي على التفاوض مراراً وسط دوي المعارك، ما يشي بأنهم أخفقوا في تحقيق مآربهم عبر لغة النار والحديد.
لذا، فإن التوسل بالمفاوضات يعني أنه يستحيل احتواء إيران بالقوة والقصف. وبما أنهم عجزوا عن ترويض إيران بالحرب والمفاوضات، انعطف الأمريكيون نحو نظريةٍ جديدة تسعى لتطويق إيران من خلال تشييد جدار وتحالف ضدها مع قصف منشآتها النووية على فترات زمنية محددة، وهذا ضرب من السذاجة الأمريكية تجاه إيران، لأن واشنطن عاجزة عن إقامة حاجز وجدار حصار حول إيران. مع أي دول سيُشيّد هذا الجدار والحصار حول إيران؟ أمع روسيا أم الصين أم السعودية وتركيا؟ هل صمد الجدار الذي شُيد في عهد بوش ضد إيران؟ يستحيل إقامة مثل هذا الجدار حول إيران، لأن لا تركيا ولا السعودية ولا باكستان ستنخرط في تحالف مناوئ لإيران، وليس ثمة سوى أوروبا التي يمكنها أن تكون شريكة أمريكا في تحالفٍ مناهض لإيران، بيد أن أوروبا أيضاً عاجزة عن فعل شيء ذي بال.
المعضلة الثانية تكمن في ادعاء أمريكا أنها ستستأنف القصف كلما استأنفت إيران البناء النووي، لكن السؤال الجوهري: ماذا بوسع أمريكا و"إسرائيل" أن تفعلا إذا نُقلت المنشآت النووية الإيرانية إلى أعماق الجبال الشامخة؟ إذا تحصنت المنشآت النووية في معاقل منيعة وغير قابلة للاختراق، فماذا يمكن للأعداء أن يصنعوا؟ في الحرب الأخيرة تضررت منشآت الكعكة الصفراء النووية الإيرانية، لكن لو نُقلت هذه المنشآت إلى معقلٍ آمن آخر، فأي سلاح يمكنهم استخدامه لضرب المنشآت النووية المتحصنة في معاقل منيعة تستعصي على الاختراق؟ هل حقّقوا مآربهم في القصف الأخير؟ إنهم لا يدركون حتى ماهية ما جرى في نطنز، العدو أعمى البصيرة، منقطع الصلة بالواقع تماماً.
لقد صرح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو في حقيقة الأمر عين للطرف الآخر، أنه يجهل ما حدث في نطنز، وطالب بتفتيش المنشآت النووية الإيرانية عقب القصف، رغم امتلاك الطرف الآخر لترسانة هائلة من المعدات المتطورة، فإنهم يتخبطون في مواجهة إيران. لماذا ينبغي أن نمنح الوكالة حق الدخول إلى منشآتنا؟ لماذا نشيّد مراکزنا في سهول أصفهان ونطنز المكشوفة؟ إذا استحالت الوكالة أداةً للتجسس، فما الذي يدفعنا لإخضاع أنشطتنا لعين رقيبها الكاشفة؟ لقد استبان لنا جلياً أن انضواءنا تحت معاهدة حظر الانتشار النووي لم يجلب لإيران سوى سراب الأمن الزائف، لماذا ينبغي أن نمنح الوكالة حق الدخول؟ يتعين علينا نقل منشآتنا إلى معاقل محصنة لتبقى في مأمن من يد العابثين.
لذلك، أخفق العدو في تحقيق مآربه ضد إيران في المرحلتين الأولى والثانية، تزعم المراكز الغربية أن إيران تمتلك القدرة على إنتاج 10 قنابل نووية، لا نؤكد هذه المزاعم ولا ندحضها، لكن مع 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، تستطيع إيران نظرياً صنع 10 قنابل محدودة القوة، لذا فإن الطرف الآخر محاصر بين خيارين أحلاهما مرّ، ووصل إلى حالة من اليأس والقنوط في مواجهة إيران، رغم وجود تكاليف وأضرار تكبدناها نحن أيضاً، لكن الطرف الآخر سيذوق مرارة أضرارٍ أشدّ وطأةً، ولن يبلغ مراميه المنشودة.
الوقت: هل أسهمت الحرب ضد إيران في تحسين موقف نتنياهو داخل الأراضي المحتلة؟
الدکتور سعد الله زارعي: أجّجت حرب الأيام الاثني عشر حماسةً في أوساط المجتمع الإسرائيلي في الأيام الأولى، بيد أنها كانت سحابة صيفٍ عابرة، كانت الإثارة بالنسبة للإسرائيليين تكمن في أن "إسرائيل" أخيراً تجرأت على مهاجمة إيران، وكانت هذه الصورة خلابةً في نظرهم ورسّخت موقف نتنياهو مؤقتاً في الداخل، لكن مع استمرار أوار الحرب ضد إيران، وجد الإسرائيليون أنفسهم مضطرين لدفع فاتورة باهظة، سيسائلون نتنياهو بمرارة: لماذا أشعل فتيل حربٍ تفوق قدراته؟ لأن تلك النشوة الأولية تبخرت حين تمكنت إيران من توجيه ضربات موجعة للمنشآت المدنية والمنازل والمجمعات البتروكيماوية والثكنات العسكرية، لذلك سيُستجوب نتنياهو: ما الذي دفعك للهجوم؟ وإذا كنت تدعي تدمير المنشآت النووية، فلماذا تسعى للهجوم مرةً أخرى؟ لذا فإن حماسة الحرب لمصلحة نتنياهو كانت قاصرةً على الأيام الأولى فحسب، وعقب رد إيران المزلزل، استحالت هذه الحماسة إلى تساؤلات لاذعة وانتقادات مريرة له.
الوقت: لماذا لم تنبرِ فصائل المقاومة في المنطقة لنصرة إيران بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية والأمريكية ضدها؟
الدکتور سعد الله زارعي: ثمة مسألتان جوهريتان حول هذا النقد: أولاهما، أن أولئك الذين ينتقدون عدم انخراط فصائل المقاومة في الحرب لنصرة إيران، يقرّون ضمناً بأن فصائل المقاومة في لبنان والعراق واليمن وفلسطين لا تزال حيةً نابضةً، في حين أن "إسرائيل" تزعم أنها قوّضت أركان فصائل المقاومة. لذا فإن الانتقاد لعدم انخراط فصائل المقاومة في الحرب لنصرة إيران، يناقض تماماً ادعاء "إسرائيل" بتدمير هذه الفصائل خلال العامين المنصرمين.
ثانيتهما، أن منتقدي عدم انخراط فصائل المقاومة في الحرب لنصرة إيران، يقرّون ضمناً بأن إيران خاضت غمار الحرب منفردةً ودافعت عن حياضها بمفردها، أي إن إيران لم تستظل بقوة فوقها، ولم تستند إلى قوة تكافئها، ولم تعتمد على قوة دونها، بل ذادت عن حماها بشموخ واستقلال، إيران وحدها أرغمت العدو على وقف إطلاق النار، حيث أجبرت إيران الطرف الآخر على الإذعان لوقف إطلاق النار في غضون 12 يوماً فقط، وحين نقارن حرب الأيام الاثني عشر بالحرب المستعرة في أوكرانيا أو حرب الإبادة في غزة، نرى أن نيران الحرب خمدت بسرعة مذهلة بإرادة إيران الفولاذية، لم تتوسل إيران وقف إطلاق النار، بل أظهرت بأسها الشديد وفرضته على الطرف الآخر فرضاً.
أكد سماحة القائد قبل اندلاع الحرب أن إيران لا تعتمد على قوات بالوكالة، وأن القوة الوحيدة بالوكالة في المنطقة هي "إسرائيل" التي تشعل نيران الحروب وتثير الاضطرابات، نمتلك ترسانةً هائلةً للذود عن حياضنا، وإذا اندلعت الحرب، ستوظّف إيران إمكانيات ظلت طيّ الكتمان حتى الآن، بينما استنفدت" إسرائيل" أقصى طاقاتها، أي الدعم الأمني والعسكري الشامل من أمريكا، لذلك، ستكون جعبتنا حافلةً بالمفاجآت في الحرب المقبلة، بينما ستفتقر "إسرائيل" إلى هذه المفاجآت لأنها كشفت كل أوراقها واستخدمت كل ما في ترسانتها في حرب الأيام الاثني عشر بدعم أمريكي سافر.
في خضمّ حرب الأيام الاثني عشر، ألحّت فصائل المقاومة بإصرارٍ بالغ على الانخراط في المعركة، فقد كان حزب الله اللبناني وقوات المقاومة في العراق بإمكاناتهما الهائلة على أهبة الاستعداد للدخول في أتون الحرب وأصروا على ذلك إصراراً شديداً، لأنهم يؤمنون إيماناً راسخاً بأن إيران هي الحصن المنيع وأم القرى، وإذا نالت إيران أي ضرر، فستتضرر جميع قوات المقاومة في المنطقة، لذلك، رغم إلحاح فصائل المقاومة على الانخراط في المعركة، ارتأت إيران بحكمتها أنه من غير المصلحة أن تدخل هذه الفصائل ميدان المعركة.
الوقت: بنظرة شاملة، ومع استحضار حدث الأربعين الحسيني العظيم، كيف تستشرفون آفاق المقاومة في المنطقة؟
الدکتور سعد الله زارعي: لاقى الرد الصاروخي الإيراني المزلزل ضد "إسرائيل" ترحيباً منقطع النظير في أوساط المسلمين، الذين نظروا إلى هذه المعركة على أنها صراع بين الإسلام والكفر، هذا التأييد الجارف لإيران في مواجهة "إسرائيل"، يمثّل إجماعاً نادراً بين شعوب البلدان الإسلامية ومواطنيها من إندونيسيا إلى المغرب. لذا فإن العالم الإسلامي برمته يقف صفاً واحداً خلف إيران.
خلال أتون الحرب بين إيران و"إسرائيل"، اندلعت مئات المظاهرات الحاشدة في البلدان الإسلامية لإدانة العدوان الإسرائيلي الغاشم، وقُدمت النذور، وأُعلن الاستعداد للانخراط في المعركة. هذا يعني أن الشعوب المسلمة لم يعتريها الخوف أو الوجل، وأن الحرب الأخيرة أذكت جذوة الحماس والأمل والثقة بالنفس في نفوس المسلمين في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية، يهتف المسلمون الآن: مرحى لإيران التي تبوأت موقع الخط الأمامي للعالم الإسلامي، هذا المشهد المهيب يقضّ مضاجع أمريكا، والأجواء الإيرانية المهيمنة في ربوع العالم الإسلامي، تثير الرعب في قلوب الأمريكيين وتبعث في نفوسنا الأمل والاعتزاز.
كان موقف أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا، في مساندة إيران غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين البلدين، قبل عامين، أصدر أنور إبراهيم أمراً باعتبار التشيع مذهباً غير قانوني، لكنه في خضمّ الحرب الأخيرة أعلن افتخاره بالضربات الإيرانية المسددة، هذا التحول الجذري في الموقف يصبّ في مصلحة إيران، والأربعين الحسيني أيضاً يمثّل فضاءً لتجميع هذه الطاقات المتفرقة، وقد خلق فرصةً ذهبيةً للمسلمين للتعبير عن هويتهم وانتمائهم.
تكلفة رحلة الإيراني في العراق للمشاركة في مراسم الأربعين لا تقل عن 11 مليون تومان (حسب العملة الإيرانية)، وبعضهم أنفق 30 مليوناً، ينفق كل زائر بين 11 و30 مليون تومان لاجتياز هذا الطريق في قيظ الصيف اللاهب من النجف إلى كربلاء، وقد تجاوز عدد الزوار الإيرانيين عتبة 3 مليون و300 ألف زائر. هذا الحشد الهائل من إيران وحدها بذل المال والنفس ليشهد عطش وحرارة أربعين العراق، لو فُتحت الدروب أمام الدول العربية الأخرى، فقد يشارك ما يربو على 100 مليون إنسان في كل أربعين، وهذا العدد يعادل عدة فيالق جرارة، هؤلاء يتكبدون عناء السفر في ظروفٍ قاسية إلى العراق ليرفعوا أصواتهم بـ “لبيك يا حسين” ويرفعوا صور قائد الثورة الإسلامية في إيران بكل فخر واعتزاز، هذا المشهد المهيب له دلالات عميقة في نظر الأمريكيين ويبعث في نفوسهم الرعب والهلع، بينما يمثّل لإيران منبعاً للأمل والعزة والكرامة.