الوقت- في الآونة الأخيرة، تواترت التقارير عن ارتفاع ملحوظ في عدد حالات الانتحار بين العسكريين الصهيونيين، وخاصةً أولئك الذين شاركوا في حرب غزة، ويرفض الجيش الإسرائيلي، رغم طلبات وسائل الإعلام، تقديم أي معلومات شاملة عن حجم حالات الانتحار بين قواته وأسبابها.
الواقع المُرّ للمجتمع الإسرائيلي الذي يُخفيه الصهاينة
قبل دراسة البيانات والأدلة المتعلقة بارتفاع حالات الانتحار بين العسكريين الصهيونيين، لا بد من النظر إلى واقع مهم أثّر بشكل كبير على المجتمع الصهيوني وهو "الحرب"، وفي هذا الصدد، شرح بن كاسبيت، المحلل الصهيوني المعروف، الوضع الراهن في "إسرائيل" في مقال له بصحيفة معاريف العبرية، مؤكدًا: "النتائج واضحة جلية: دمار، دمار، آلاف القبور المجهولة، عشرات الآلاف من الجرحى، عائلات مفككة، اقتصاد مفلس، ومجتمع مجزأ"، لكن يبدو أن هذا لا يكفي، فرغم مقتل الجنود الإسرائيليين بمعدلات مقلقة، وانتحار أربعة منهم خلال الأسبوعين الماضيين، وانخفاض معدل العائدين الإسرائيليين بنسبة 50%، وتزايد موجة هجرة الإسرائيليين إلى الخارج، وخاصةً المهنيين والعاملين في الوظائف الأساسية، إلا أنه لا يُتخذ أي إجراء لمعالجة هذا الوضع.
وقبل أيام، نشر موقع "تايمز أوف إسرائيل" العبري تقريرًا عن أهم العوامل المؤثرة في تحديد نتائج الانتخابات المقبلة في الكيان الصهيوني، يُظهر أن حرب غزة كانت الأكثر تأثيرًا على الإطلاق، أظهر استطلاع أجرته صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أنه على الرغم من إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفائه على الترويج لشعار "النصر المطلق"، إلا أن وضع المجتمع الإسرائيلي مختلف:
- 82% من الإسرائيليين قلقون بشأن الوضع العام.
- 84% قلقون بشأن الوضع الأمني.
- 25% يخططون للهجرة دون العودة.
- 40% قلقون بشأن هجرة أقاربهم.
- 60% يعانون من اضطرابات نفسية.
- 60% يشعرون بعدم الأمان.
- 27% يفكرون في الانتحار.
- تشير تقارير من مصادر إسرائيلية إلى أن ما لا يقل عن 100,000 شخص تقدموا بطلبات إلى قسم إعادة التأهيل في الجيش للحصول على مساعدة نفسية، على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي أعلن رسميًا أنه يراقب حالة 60,000 شخص، خلف كواليس انتشار الانتحار في الجيش الإسرائيلي.
وتناول إيتامار غراف، نائب المدير العام ورئيس قسم التخطيط في وزارة الحرب الإسرائيلية، قضية الانتحار في الجيش الإسرائيلي، قائلاً: "لقد قدمنا حلولاً في مجال الانتحار، وشكلنا فرقاً من الأطباء النفسيين لمتابعة حالات الجنود، ولكن للأسف، هناك حالات انتحار ملحوظة بين القوات الإسرائيلية، ونشهد تزايداً في هذه الظاهرة، وكل حالة انتحار تُعتبر فشلاً لنا".
وفي الـ 18 من يوليو/تموز، نشر آفي أشكنازي، المراسل العسكري لصحيفة معاريف العبرية، تقريراً عن كيفية تعامل الجيش الإسرائيلي مع ظاهرة الانتحار في صفوفه، وكتب: "حاول جندي إسرائيلي آخر الانتحار بسبب الاضطراب النفسي والذهني الناتج عن وجوده الطويل في حرب غزة، حدث ذلك بينما كان قائده يقف أمامه، ووضع الجندي فوهة بندقيته في فمه أمام قائده"، ثم لاحظ رقيب الحادثة فتدخل بسرعة وسحب السلاح منه، لكن الحالة النفسية للجندي استمرت في التدهور وحاول الانتحار مجددًا.
وأضاف المحلل الصهيوني: "لا يزال الجندي الإسرائيلي المعني في حالة نفسية سيئة للغاية، وقرر قائده تسريحه فورًا، وظهرت الأزمة النفسية لجنود إسرائيليين آخرين واحدًا تلو الآخر".
الأزمة النفسية العميقة التي عانى منها الجنود الصهاينة في حرب غزة
كما تناول موقع "فالا" العبري سلسلة من حالات الانتحار في صفوف الجيش والمجتمع الصهيوني، وأعلن: "يتزايد الانتحار في الجيش الإسرائيلي بشكل مقلق؛ حيث انتحر 17 جنديًا في عام 2023 و21 جنديًا في عام 2024، ومنذ بداية عام 2025، انتحر 16 جنديًا، كان آخرها هذا الأسبوع؛ حيث حاول جندي الانتحار أثناء تدريبه".
وحذّر البروفيسور إيال فروشر، الرئيس السابق لقسم الصحة النفسية في الجيش الإسرائيلي، من تجاهل الوضع المزري الحالي، وقال: "يرى جنود الاحتياط أنفسهم معرضين لمخاطر عديدة، بما في ذلك فقدان وظائفهم وانهيار حياتهم الأسرية، ومشاعر الانفصال، والتجارب المؤلمة الناجمة عن الحرب".
يقول ناداف ورش، وهو جندي إسرائيلي أصيب في الحرب: "في السابق، كان منع الانتحار في الجيش ممكنًا، وكان الجنود يتواصلون مع مراكز إعادة التأهيل ويطلبون المساعدة"، لكن للأسف، الكيان بطيء للغاية ويتجاهل حالة الجنود، لذا، حتى الجنود الذين يرغبون في تلقي الخدمات الطبية بأنفسهم لا يحصلون على الدعم الكامل.
تقول عالمة النفس الإسرائيلية رونا أكرمان إن الحرب تترك ندوبًا ظاهرة، وأن الضرر النفسي يدوم طويلًا، وخاصة بين الجنود، لأنهم مضطرون لإظهار قوتهم، ولذلك يصعب عليهم إدراك الضعف الذي نشأ في نفوسهم؛ لدرجة أنه يصل إلى حد إيذاء النفس، ما يدفع عددًا منهم إلى الانتحار.
في غضون ذلك، أفاد موقع "فالا" العبري بأنه خلال الشهر الماضي وحده، تلقى خط المساعدة النفسية الإسرائيلي أكثر من 6000 مكالمة من عسكريين، وتُظهر البيانات أن حوالي 28% من المكالمات كانت مرتبطة بضائقة نفسية شديدة، و20% بالقلق والصدمة، و32% بالوحدة الشديدة، وأبلغ 10% من الجنود عن مشاكل في علاقاتهم الاجتماعية.
يقول البروفيسور هاجاي هيرمس، الطبيب النفسي ومؤسس جمعية "من أجل الحياة": إن الإحصائيات المُقدمة عن حالات الانتحار في الجيش الإسرائيلي ليست سوى غيض من فيض، وأن ما بين 500 و700 شخص ينتحرون سنويًا، وهي أرقام تبقى طي الكتمان عن وسائل الإعلام، إن انتحار العسكريين يُقلقني كثيرًا؛ فقد انتحر ابني أثناء خدمته العسكرية، وأعتقد أن أحد الحلول الرئيسية للوقاية من الانتحار هو توفير معلومات دقيقة ونشر بيانات دقيقة عن أبعاد ظاهرة الانتحار في الجيش الإسرائيلي والمجتمع.
انتحارات متكررة للجنود الصهاينة
ويوم الاثنين من الأسبوع الماضي، أُعلن عن انتحار جندي صهيوني في قاعدة عسكرية، ليكون ثالث جندي إسرائيلي ينتحر خلال أسبوع، يوم الأربعاء الماضي، انتحر جندي صهيوني آخر في إحدى القواعد العسكرية للكيان، وقبل أيام قليلة، أنهى دانيال إدري، وهو جندي صهيوني آخر، حياته بعد أشهر من المعاناة والاضطراب النفسي، يعترف الجيش الإسرائيلي، دون تقديم إحصاءات دقيقة، بوجود اتجاه مقلق في عدد حالات الانتحار بين القوات الإسرائيلية، وأنه لم يتم اكتشاف أي طريقة مناسبة لمكافحة هذه الظاهرة.
وأفاد موقع "شوماريم" العبري: "تشير البيانات إلى أن معظم الجنود الذين انتحروا خلال العام الماضي كانوا من جنود الاحتياط، بينما يزعم الجيش أن معدل الانتحار بينهم ليس مرتفعًا، نظرًا لتضاعف عدد جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم منذ بداية الحرب تقريبًا".
وفي هذا الصدد، حذّر البروفيسور يوسي ليفي بلاز، رئيس مركز أبحاث الانتحار في جامعة روبين، من موجة انتحار كبيرة قادمة بين صفوف الجيش، نظرًا لمعدل الانتحار فيه، ووفقًا للتقرير، أكد رئيس مركز أبحاث الانتحار في جامعة روبين: "بعد الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مر الجيش الإسرائيلي بأزمات حادة وأدرك وجود عدو أجنبي أكبر"، لقد أصبح جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي أكثر عرضة للخطر خلال هذه الحرب، وما زالوا يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، وسوف نشهد موجة كبيرة من حالات الانتحار بينهم في الفترة الحالية وحتى بعد الحرب؛ لأنهم لا يستطيعون تحمل عواقب ما حدث لهم خلال الحرب.