الوقت – في غضون أقل من شهر بعد استجداء تل أبيب من طهران وقف إطلاق النار في المواجهة الأخيرة، يتجلى أن الصهاينة، بعد اندحارهم في الحرب العسكرية الشاملة، قد لجؤوا إلى تقويض الأمن عبر عملائهم المتغلغلين في النسيج الإيراني.
قبل يومين، أقدمت عناصر من زمرة إرهابية في شمال غرب إيران على إطلاق نار عشوائي نحو قاعدة للحرس الثوري قرب قرية أغلان سردشت، ما أفضى إلى ارتقاء أحد أفراد التعبئة شهيداً وإصابة آخر بجراح، عملية كشفت بجلاء أن الهدف كان تنفيذ هجوم إرهابي ضد قاعدة عسكرية تابعة للحرس الثوري في سردشت، وقد أماطت مصادر كردية، كموقع “هنكاو”، اللثام عن هوية منفذي الهجوم من خلال نشر بيان للزمرة الإرهابية “بجاك”، مؤكدةً أن إطلاق النار الأخير نفذته هذه المجموعة المسلحة.
لکن هذا العمل الإرهابي لم يكن الوحيد الذي أقدمت عليه العناصر الإرهابية لزعزعة الأمن في المناطق الحدودية الإيرانية خلال الأسبوع المنصرم، فقد نفذت عناصر من زمرة “بجاك” الإرهابية هجومين إرهابيين آخرين ضد حرس الحدود الإيراني في مدينة بانه بمحافظة كردستان الإيرانية خلال الأسبوع الفائت، ما أسفر عن ارتقاء ثلاثة من حرس الحدود شهداء وإصابة آخرين، وتفاصيل هذه الهجمات على النحو الآتي:
1- اشتباك مسلح وارتقاء أحد حرس الحدود (سينا ستاروند) من فوج حرس الحدود في مدينة بانه شهيداً أثناء مراقبة وحراسة الشريط الحدودي، في الحادي والثلاثين من تموز/يوليو.
3- كمين نصبته عناصر “بجاك” أفضى إلى ارتقاء اثنين من حرس الحدود (سجاد أديب وعلي بداق) شهيدين وإصابة حارس حدود آخر بجراح في محيط مخفر سيران بند الحدودي بمدينة بانه، في الأول من آب/أغسطس.
“بجاك” أو فرع من حزب العمال الكردستاني
يُعدّ “بجاك” في حقيقة الأمر فرعاً منبثقاً من زمرة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، ففي عام 2004، تأسس “بجاك” كفرع من “حزب العمال الكردستاني” بهدف إذكاء نار العنف ونشر بذور الإرهاب في كردستان إيران، وتكشف جميع الوثائق والمستندات وبيانات هذه الزمرة أن العناصر المؤسسة لها هم أنفسهم أعضاء “حزب العمال الكردستاني”، وجلهم من الأكراد الإيرانيين.
تکشف دراسة المصادر أن “بجاك” و"حزب العمال الكردستاني" لطالما أكدا ولا يزالان يؤكدان على شخص أوجلان كزعيم أوحد لا منازع لهما؛ فـ"بجاك" و"حزب العمال الكردستاني" زمرة واحدة تتستر خلف قناعين مختلفين، وعلى الرغم من مزاعم زمرة “بجاك” ومظلتها الداعمة، “حزب العمال الكردستاني” بزعامة عبد الله أوجلان، التي تطلق دوماً بضجيج وصخب بيانات وقف إطلاق النار وتدّعي أنها نصيرة للديمقراطية وحرية الشعب الكردي، نشهد كل يوم أعمال عنف وإرهاب تقترفها هذه الزمرة التي تتبنى لاحقاً مسؤوليتها بصورة رسمية.
وفي الواقع، استحال “بجاك” و"حزب العمال الكردستاني" كزمرتين كرديتين إلى مصدر تهديد لأمن الشعب الكردي نفسه، وقد تسببت العديد من أعمالهما المقوضة للأمن في إلحاق الضرر بالمناطق الكردية وقاطنيها.
ويجدر أيضاً الالتفات إلى أن تبادل العناصر بين مجموعتي “بجاك” و"حزب العمال الكردستاني" يتم بيسر وسهولة، فعادةً ما يتلقى العناصر المجندة تدريباتها مباشرةً في معسكرات HPG (الجناح العسكري لـ"حزب العمال الكردستاني")، وبعد إتمام الدورة، مع مراعاة الاعتبارات الأمنية والسياسية والفكرية، يتم إيفاد بعضهم للعمل في صفوف “بجاك”؛ أي إن هاتين المجموعتين تتبعان نظاماً تدريبياً موحداً.
كما أن الأيديولوجية الماركسية - اللينينية ليست فقط الجذر الفكري والعملي لـ"بجاك" و"حزب العمال الكردستاني"، بل إن النظام الأساسي وبرنامج العمل المتطابق للزمرتين يقوم على أساس “الكونفدرالية الديمقراطية”، وقد قُدم هذا النظام الأساسي من قبل أوجلان كخط فكري لجميع الأحزاب المنبثقة عن “حزب العمال الكردستاني”، و"بجاك" يسعى أيضاً إلى تطبيقه في إيران دون أي نقصان، أي إن الاستراتيجية السياسية لكليهما تقوم على تنفيذ نظام “الكونفدرالية الديمقراطية” في المناطق الكردية.
وقف إطلاق النار الصوري لأوجلان
تكررت العمليات الإرهابية التي نفذها “بجاك” كفرع إيراني لحزب العمال الكردستاني في المناطق الحدودية الإيرانية خلال الأيام القليلة المنصرمة، في حين أعلن قادة حزب العمال الكردستاني خلال الشهرين الماضيين عن نزع سلاحهم بالاتفاق مع الجهاز الأمني والسلطة التركية، وبالنظر إلى أن “بجاك” يُعد فرعاً من حزب العمال الكردستاني، يثير هذا الأمر تساؤلاً جوهرياً حول سبب عدم انصياع “بجاك” لأجندة أخيه الأكبر في نزع السلاح؟
يبدو أن استمرار الأنشطة المسلحة لـ"بجاك" رغم نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، يشي بأجندة جديدة لهذه الزمرة الإرهابية، وبالنظر إلى عملياتها المقوضة للأمن عقب الحرب الأخيرة بين إيران و"إسرائيل" وإخفاق تل أبيب في تحقيق مآربها في الحرب، يتجلى أن عناصر “بجاك” قد استحالوا إلى أذرع للكيان الصهيوني لزعزعة الأمن في إيران، فتقويض أمن إيران هدف مشترك للكيان الصهيوني وأمريكا، و"بجاك" يسعى لتحقيق هذا الهدف المشترك لتل أبيب وواشنطن من خلال مهام إرهابية في المناطق الحدودية غرب البلاد.
وثمة وثائق وتقارير متعددة تميط اللثام عن علاقة “بجاك” بالأمريكيين، فقد صرح بهروز طهماسبي، أحد كبار الأعضاء السالفين في حزب العمال الكردستاني ثم “بجاك”، لوسائل الإعلام قائلاً: “تشكيل بجاك في أحشاء حزب العمال الكردستاني تزامن مع توغل أمريكا في الشرق الأوسط. كان هذا الإجراء ثمرة اتفاقٍ سياسي بين حزب العمال الكردستاني وأمريكا، عندما تقهقر حزب العمال الكردستاني عن النشاط العسكري عقب اعتقال عبد الله أوجلان عام 1999، لم يكن قادراً على مجابهة أمريكا مباشرةً؛ لذلك، من خلال تشكيل بجاك وتوجيهه نحو مناوأة إيران، منح نوعاً من الضوء الأخضر لواشنطن".
كما صرح عثمان أوجلان، أحد القادة السالفين لحزب العمال الكردستاني، في هذا المضمار: “سعى حزب العمال الكردستاني، من خلال تأسيس بجاك وبمؤازرة أمريكية، إلى التغلغل في أحشاء إيران، بعبارة أخرى، تشكّل بجاك بغية التدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية، كانت أمريكا مغتبطةً بتشكيل هذه المجموعة وأعلنت دعمها الكامل له، كما حالت دون إجراءات حكومة إقليم كردستان العراق ضدها وأتاحت لحزب العمال الكردستاني وبجاك العمل بحرية في جبال قنديل، قرب الحدود الإيرانية التركي".
كما توجد وثائق تكشف أن الصهاينة يسعون منذ أمد بعيد لاستخدام “بجاك” لتحقيق مآربهم المعادية لإيرا، إحدى هذه الوثائق، التي أماطت ويكيليكس اللثام عنها، هي تقرير عن لقاء بين مئير داغان (الرئيس السالف للموساد) ونيكولاس بيرنز (نائب وزير خارجية إدارة بوش).
في هذا اللقاء، اقترح داغان أن الصراعات العرقية والأنشطة الانفصالية يمكن أن تكون استراتيجيةً ناجعةً لمجابهة إيران، وقد ركّز بشكل خاص على الجماعات الكردية الانفصالية، وخاصةً “بجاك”، مصرحاً بأن هذه الزمر مستعدة للاضطلاع بأعمال إرهابية.
تأتي العلاقة الوثيقة بين أمريكا و"بجاك" في حين أن هذه المجموعة مدرجة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الأمريكية، لكن يبدو أن هذا الإجراء يساعد أمريكا على تحصين نفسها ظاهرياً ضد الانتقادات الأخلاقية. وفي الواقع، لم يحل وجود اسم “بجاك” ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الأمريكية قط دون المؤازرة والاتصالات بين عناصر الأمن الأمريكي وقادة “بجاك”، وقد استمرت هذه العلاقة بصورة غير رسمية بغية متابعة مآرب واشنطن.