الوقت - تطرق “مجيد تخت روانجي”، نائب وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في حوار أجراه يوم السبت مع أحد المنابر الإعلامية التركية، إلى فحوى المباحثات الأخيرة التي جمعت إيران بالدول الأوروبية الثلاث: بريطانيا وفرنسا وألمانيا، المعروفة بالترويكا الأوروبية.
وصرح في حديثه مع منصة “خبر ترك” (Haberturk) الإعلامية قائلاً: “تمثّل تركيا محوراً دبلوماسياً تفضّله إيران والدول الأوروبية على حد سواء”.
وأردف تخت روانجي مؤكداً: “قبل الانخراط في جولة مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة، لا بد من استحصال ضمانات وافية تؤمن عدم تعرضنا لاعتداءات مشابهة في المستقبل”.
ورداً على استفسار بشأن مضمون المباحثات التي جرت يوم الجمعة الماضي بين إيران والترويكا الأوروبية، أوضح نائب وزير الخارجية الإيراني قائلاً: “كما تعلمون، عُقدت جولة جديدة من المفاوضات مع الترويكا الأوروبية على مستوى نواب الوزراء، وهذا المسار متواصل منذ فترة ليست بالقصيرة، نحن نتدارس مختلف أبعاد الملف النووي، وقد تناولنا في لقاء يوم الجمعة الجوانب الفنية للقضية النووية ومدى رفع العقوبات المفروضة”.
واستطرد قائلاً: “فيما يخصّ المفاوضات النووية، شددنا على ضرورة أن يشكّل التخصيب جزءاً لا يتجزأ من أي اتفاق مرتقب، هذا هو المرتكز الجوهري في مفاوضاتنا، كما أثيرت قضايا أخرى ذات صلة بالملف النووي”.
رفع العقوبات.. ركيزة أساسية في المطالب الإيرانية
أكد تخت روانجي بلهجة حازمة: “فيما يتصل بمسألة رفع العقوبات، فقد أكدنا مراراً وتكراراً أن أي اتفاق مرتقب يجب أن يتضمن في صلبه رفعاً شاملاً للعقوبات، هذا محور جوهري وعنصر لا غنى عنه في أي تفاهم مستقبلي، إن إزالة القيود العقابية من قبل واشنطن وعواصم أوروبا، تمثّل قضيةً محوريةً في مقاربتنا الدبلوماسية، وفي مباحثات يوم الجمعة، تطرقنا أيضاً إلى ممارسات الكيان الصهيوني والعدوان الأمريكي الغاشم الذي يتنافى مع كل الأعراف الدولية ضد الجمهورية الإسلامية".
وأضاف: “أوضحنا للدول الأوروبية الثلاث أن ما حدث يمثّل عدواناً صارخاً وانتهاكاً سافراً لحرمة الشعب الإيراني، فقد أزهقت أرواح ما يربو على ألف شهيد في هذه الهجمات، غالبيتهم العظمى من المدنيين الأبرياء، فضلاً عن إصابة قرابة ستة آلاف جريح، هذا العدوان الفاضح لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال، إنه يتعارض جملةً وتفصيلاً مع المواثيق الدولية وميثاق الأمم المتحدة، ويستوجب إدانةً قاطعةً من المجتمع الدولي بأسره، وقد بادرت العديد من الدول بالفعل إلى استنكار هذا العدوان الآثم، ويتعين علينا أن نبذل قصارى الجهود لضمان عدم تكرار مثل هذه الأحداث المؤسفة في المستقبل، وقد أثرنا هذه القضية بكل وضوح".
وفي معرض رده على استفسار حول المفاوضات المرتقبة بين إيران والترويكا الأوروبية، صرح نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية: “توافقنا على مواصلة المسار التفاوضي مع الترويكا الأوروبية، بيد أنه لم يُحدد موعد بعينه حتى الآن، ولم يتضح بعد المكان الذي ستنعقد فيه الجولة القادمة، نحن نعرب دوماً عن امتناننا لاستضافة تركيا لنا حتى هذه اللحظة، لقد عقدنا اجتماعنا في مقر قنصليتنا، غير أن هذا المبنى يقع في نهاية المطاف ضمن الأراضي التركية، ونحن نثمن عالياً الدور البنّاء الذي تضطلع به أنقرة في تيسير هذه المباحثات وتهيئة الأجواء المناسبة لها".
وشدّد قائلاً: “لقد توجهنا في السابق إلى إسطنبول بناءً على مقترح إيراني، نشعر بأريحية بالغة في تركيا، لا علم لنا بعد بموعد ومكان انعقاد الجولة القادمة، لكن تركيا تظل وجهةً مفضلةً لدى إيران والدول الأوروبية على حد سواء".
الهجوم الأمريكي والإسرائيلي على إيران.. طعنة نجلاء في خاصرة الدبلوماسية
أفصح تخت روانشي، في معرض رده على استفسار بشأن إمكانية استئناف المباحثات بين طهران وواشنطن، قائلاً: “تتناقل بعض الدول الوسيطة رسائل متبادلة بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة، ثمة دول تضطلع بدور الوساطة بين الجانبين الإيراني والأمريكي، وكما هو معلوم، كنا منخرطون في مسار تفاوضي برعاية عُمانية، بيد أننا فوجئنا أولاً بعدوان صهيوني، ثم أعقبه هجوم أمريكي سافر، لقد وقعت هذه الاعتداءات في قلب العملية التفاوضية، كان ذلك غدراً بالمسعى الدبلوماسي وطعنةً نجلاء في خاصرة الحوار”.
وأضاف: “ولهذا، قبل الشروع في جولة مفاوضات جديدة مع الجانب الأمريكي، يتعين علينا الحصول على تعهدات راسخة تكفل عدم تعرضنا لهجمات مماثلة مستقبلاً، ومن الضروري لنا ألا تُغتال الدبلوماسية مرةً أخرى، لقد باغتتنا "إسرائيل" والولايات المتحدة بهذه الاعتداءات الغادرة، لا نريد أن يُعاد تمثيل المشهد ذاته، على واشنطن أن تقدّم لنا براهين قاطعة بأنها لن تنتهج هذا المسلك مجدداً”.
وشدّد الدبلوماسي الإيراني قائلاً: “فضلاً عن ذلك، ينبغي أن ترتكز ثمار المفاوضات على قاعدة رابح-رابح، يجب أن يستشعر الطرفان أنهما حققا مكاسب ملموسة، لا يمكننا القبول بأي إملاءات أمريكية، ولذا، يستحيل علينا الانخراط في حوار جاد دون التيقن من أن الولايات المتحدة لن تفرض إرادتها، ما لم نكن على يقين من استمرارية المسار التفاوضي”.
واستطرد قائلاً: “لسنا بصدد الانخراط في حوار لمجرد "استيفاء الشكل الدبلوماسي"، يجب أن يُفضي الحوار إلى نتائج تُرضي الطرفين، نحن نُجري تقييماً دقيقاً لهذه المسألة في الوقت الراهن، إن مسيرةً تفاوضيةً جديدةً مع الولايات المتحدة لن تبصر النور إلا إذا تأسست على مبدأ المنفعة المتبادلة، وكما أسلفت، يجب ألا نُفاجأ مرةً أخرى باعتداءات عسكرية بينما عجلة المفاوضات تدور”.
وفي معرض رده على سؤال يتعلق بحجم الأضرار الناجمة عن الأعمال العدوانية الأمريكية والكيان الصهيوني ضد إيران، أوضح تخت روانجي: “الأضرار التي لحقت بنا بالغة الجسامة، لست مخولاً بإطلاعكم على تفاصيل حجم الخسائر، غير أنني أستطيع التأكيد أن الضرر فادح وعميق الأثر، تقع مسؤولية التقييم على عاتق منظمة الطاقة الذرية الإيرانية وهي تضطلع بهذه المهمة حالياً”.
وأردف رداً على استفسار آخر بشأن مصير مخزون إيران من اليورانيوم المخصب: “كما أشرت سابقاً، كان مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية على دراية بمواقع تخزين المواد النووية، وبعد تحديد نطاق الأضرار في هذا المجال، ستقدّم منظمة الطاقة الذرية لدينا الإيضاحات الوافية في حينها”.
إيران ستواصل تخصيب اليورانيوم
أفصح نائب وزير الخارجية الإيراني، في معرض رده على استفسار بشأن المطالب الأمريكية المجافية للشرعية الدولية بوقف برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني ومزاعم الكيان الصهيوني الواهية حول سعي طهران للظفر بالسلاح النووي: “فتوى المرشد الأعلى ما زالت قائمةً، لم يطرأ أدنى تبدل على رؤيتنا المبدئية، لسنا من الساعين وراء سراب الأسلحة النووية، إن المنظومة النووية العسكرية لا موطئ قدم لها في منظومتنا الدفاعية، ما نضطلع به هو تخصيب اليورانيوم لمقاصد سلمية على أرض وطننا وفق ما تقرّه معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، أما التخصيب الصفري فهو أمر متعذر بالنسبة لنا ومرفوض جملةً وتفصيلاً".
وأضاف: “لقد أكدنا هذا المبدأ مراراً وتكراراً، نعتزم مواصلة التخصيب في إيران لأننا كنا في الماضي مضطرين لاستيراد المواد النووية من الخارج للأغراض السلمية، نحن اليوم في موقف يتيح لنا الاضطلاع بهذه المهمة على أراضينا، فلِمَ ننكر على أنفسنا هذا الحق المشروع المتساوق مع استحقاقات إيران بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية؟ إن برنامجنا النووي يتسم بالطابع السلمي المحض، ونحن على أتم الاستعداد لإقناع المجتمع الدولي بأن هذا النهج سيظل قائماً لا محيد عنه".
وفيما يتعلق بالرد الإيراني الصارم على العدوان الأمريكي الغاشم، صرح تخت روانجي قائلاً: “لم يكن هذا الرد علامة وهن أو ضعف، كان لزاماً علينا أن نرد الصاع صاعين، وقد أوفينا بهذا الالتزام، لم تكن هذه المسألة ذات صلة بأشقائنا في قطر، تربطنا علاقات وثيقة للغاية مع جميع أصدقائنا في منطقة الخليج الفارسي، ولا سيما مع قطر التي تُعد من أقرب حلفائنا في المنطقة، ما قمنا به كان رداً حازماً على الاعتداء الأمريكي على أرض الجمهورية الإسلامية، وقد حرصنا على التواصل مع الجانب القطري بشأن هذه المسألة، لذا، فإن ما أقدمنا عليه يندرج ضمن إطار حقنا المشروع في الدفاع عن النفس".
إيران ستتخذ كل التدابير اللازمة للدفاع عن نفسها
وأفصح المسؤول الإيراني البارز، في معرض رده على استفسار حول مدى هشاشة الهدنة الراهنة بين طهران والكيان الصهيوني: “إن وقف إطلاق النار قائم في الوقت الحاضر وهذا مؤشر إيجابي، لسنا من دعاة تأجيج الأوضاع، بيد أننا سنتخذ كل التدابير الضرورية لصون مدننا وحماية المدنيين من أي عدوان، وكما هو معلوم، فقد أقدم الكيان الصهيوني على استهداف المستشفيات ودور الإصلاح ومبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني بصواريخه الغادرة".
وشدد نائب وزير الخارجية الإيراني قائلاً: “هذه جرائم تندرج في إطار الجرائم ضد الإنسانية، وتمثّل انتهاكاً صارخاً للمواثيق والأعراف الدولية، ولذا، لا يمكننا أن نُباغَت مرةً أخرى بمثل هذه الاعتداءات السافرة، وفي الوقت الذي سنلتزم فيه ببنود وقف إطلاق النار، فإننا سنتخذ كل الاحتياطات اللازمة لصيانة أمن بلادنا".
واستطرد قائلاً: “لقد استُهدفت حواضرنا ومدننا، غير أننا أظهرنا قدرتنا الفائقة على الرد بحزم، لست مخولاً بالحديث عن الشؤون العسكرية، لذا لا يسعني الإفصاح عن تفاصيل قدراتنا الدفاعية الراهنة، لكنني على يقين من أن منظومتنا الدفاعية على درجة عالية من الكفاءة والاقتدار، والعدو يدرك هذه الحقيقة تمام الإدراك، لهذا السبب يتوجس من المغامرة واللعب بالنار، نأمل أن يُغلّبوا صوت العقل، لأنهم يعلمون علم اليقين أن رد إيران لن يكون هيناً".
وفي إجابته على سؤال يتعلق بالدعم الروسي والصيني لإيران، أكد تخت روانشي: “نحن على تواصل مستمر مع موسكو وبكين على شتى الأصعدة، تربطنا بهما علاقات اقتصادية متينة، كما أن بيننا تعاوناً عسكرياً ومشاورات سياسية في أروقة مجلس الأمن، ونحن أيضاً على اتصال وثيق فيما يتعلق بأنشطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومن الطبيعي، حينما تقع اعتداءات، أن نتشاور مع هاتين الدولتين، وينطبق هذا أيضاً على المسائل السياسية".
آن الأوان لإسقاط الحصانة عن "إسرائيل"
وفي سياق حواره مع الصحيفة التركية، رداً على سؤال حول استمرار آلة الإبادة الجماعية في غزة، أوضح قائلاً: “للأسف الشديد، يواصل الكيان الصهيوني حملة الإبادة الجماعية في غزة، في حين تقف المنظمات الدولية، ولا سيما مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عاجزةً عن وقف هذه المجزرة المستمرة، بات من المعلوم للقاصي والداني أن الولايات المتحدة تمدّ "إسرائيل" بمظلة حماية في أروقة مجلس الأمن، كما أن واشنطن تزوّد تل أبيب بشتى أنواع منظومات التسلح المتطورة".
وأردف تخت روانجي: “يستشعر الكيان الصهيوني أنه يتمتع بحرية تصرف مطلقة لا حدود لها. إنهم يحرمون الأطفال الفلسطينيين من مقومات الحياة الأساسية من غذاء وماء ودواء، لذلك، يتعين على المجتمع الدولي بأسره إدانة هذه الهجمات الوحشية والإبادة الجماعية، على المنظمات الدولية أن تنهض من سباتها وتتحرك بفاعلية، إذا تم التغاضي عن هذه الهمجية، فستتصاعد وتيرة الاعتداءات الصهيونية، آن الأوان لإسقاط الحصانة عن "إسرائيل"، تقف الدول الإسلامية بإجماع يكاد يكون تاماً في إدانة هذه الاعتداءات، وينبغي الحفاظ على هذا الموقف المبدئي".
وشدّد قائلاً: “إذا لم تتوحد دول المنطقة في الدفاع عن القضية الفلسطينية ولم تجهر بإدانة الممارسات الإسرائيلية، فستشعر تل أبيب بمزيد من الجرأة والتمادي، وفي الوقت ذاته، يتعين علينا ممارسة الضغط على الإدارة الأمريكية".
واختتم تخت روانجي حديثه بالقول: “تمثّل الولايات المتحدة الداعم الرئيسي والحليف الأول للكيان الصهيوني، يجب على الدول الإسلامية وسائر دول المنطقة تكثيف الضغط على واشنطن لوقف إمدادها العسكري لـ "إسرائيل"، والكفّ عن توفير الحماية الدبلوماسية لها في مجلس الأمن، وإلا، فقد تتمادى "إسرائيل" في غيها وتفكر في توسيع دائرة عدوانها لتشمل دولاً أخرى، سيكون هذا سيناريو بالغ الخطورة، ليس على منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل على المنطقة بأسرها".
