الوقت - دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أن ألمّ به تورّم طفيف في أسفل ساقيه، وجد نفسه أمام تشخيص طبي يؤكد إصابته بعارضٍ يُعرف بـ"القصور الوريدي المزمن"، وهو ما أثار عاصفةً من الجدل في الأوساط الأمريكية حول حالته الصحية، وهو على أعتاب العقد الثامن من عمره.
في بيانٍ صادرٍ عن البيت الأبيض، نقله طبيب الرئيس، أُعلن أن هذا المرض شائع بين الناس ولا يحمل خطراً يُذكر، مؤكداً أن الرئيس، الذي بلغ من العمر تسعة وسبعين عاماً، ما يزال يتمتع بعافيةٍ تُحسب له.
لكن ما هو “القصور الوريدي المزمن”؟ وما الذي يُفضي إلى ظهوره؟ وهل يوشك أن يُفضي إلى تداعيات صحية أشدّ خطورةً؟ في تقريرٍ نشره الموقع الأسترالي “The Conversation”، تتناول ترزا لاركين، وهي أستاذةٌ مساعدة في علوم الطب بجامعة ولونغونغ الأسترالية، هذا الداء، فتغوص في جذوره، وتستعرض أعراضه، وتستقصي مدى تهديده لحياة من يبتلى به.
داء الأوردة: رحلة الدم بين القلب والأطراف
الأوردة هي تلك القنوات الحيوية التي تحمل الدم منزوع الأكسجين من كافة أنحاء الجسد لتعيده إلى القلب. غير أن مرض “القصور الوريدي المزمن” يضرب هذه الأوردة، غالباً في الساقين، مسبباً خللاً في تدفق الدم نحو القلب. حين يصاب المرء بهذا المرض، تصبح عملية إعادة الدم إلى القلب عسيرةً، حيث يتكدس الدم في الساقين بدلاً من أن ينساب بسلاسة عبر الساقين والحوض والبطن نحو القلب.
هذا التجمع الدموي يؤدي إلى ارتفاع الضغط في أوردة الساقين والكاحلين، مما قد يفضي إلى تورم، تغيّر لون الجلد، ظهور الدوالي، بل وحتى قرح جلدية. فالجلد، تحت وطأة هذا الضغط المتزايد، يضعف ويتمدد، وقد يتمزق في النهاية.
أسباب القصور الوريدي المزمن
للقصور الوريدي المزمن أسبابٌ متعددة، من بينها تلف الصمامات الموجودة داخل أوردة الساقين. عندما نقف، يتعين على الدم أن يصعد عكس الجاذبية ليعود إلى القلب، وهنا تأتي أهمية الصمامات الوريدية التي تضمن تدفق الدم باتجاهٍ واحد، وتمنع ارتداده إلى الخلف. ولكن حين تُصاب هذه الصمامات، سواء في الأوردة العميقة أو تلك القريبة من سطح الجلد، يسمح ذلك للدم بالعودة إلى الوراء، مما يؤدي إلى تراكمه في الساقين.
كذلك، يمكن أن يتسبب تلف البطانة الداخلية لجدران الأوردة في القصور الوريدي المزمن. فعندما تتعرض هذه البطانة للتلف، تفقد نعومتها، وتصبح أكثر عرضةً لالتصاق خلايا الدم بها وتكدسها. هذا التكدس قد يعوق تدفق الدم، ويمنعه من العودة إلى القلب. ومن بين الأسباب الرئيسية لهذا التلف التدخين، رغم أن التقدم في العمر قد يؤدي إلى نفس النتيجة بشكل طبيعي.
وقد تكون هناك عوامل خارجية تضغط على الأوردة في منطقة الحوض، مثل الحمل، السمنة، أو وجود أورام، مما يعيق تدفق الدم عبر هذه الأوردة ويؤدي إلى تراكمه في أوردة الساقين.
أما الإصابة بجلطة الأوردة العميقة (DVT)، فهي أيضاً تزيد من خطر القصور الوريدي المزمن. ففي هذه الحالة، تتشكل جلطات دموية داخل الأوردة العميقة، غالباً في الساقين، مما يعيق تدفق الدم أو يضر بجدران الأوردة، ما يفاقم تجمع الدم في أسفل الساق.
في دراسة حول الأشخاص المصابين بالقصور الوريدي المزمن، تبين أن حوالي 10% منهم كانوا يعانون سابقاً من جلطة الأوردة العميقة. ومع ذلك، أكد طبيب الرئيس ترامب أنه لا توجد أي دلائل تشير إلى إصابته بجلطة الأوردة العميقة.
من يصاب بهذا المرض؟
تختلف البيانات بشأن نسبة انتشار مرض “القصور الوريدي المزمن”، لكنه يُعدُّ من المشكلات الصحية الشائعة نسبيًا. ففي الولايات المتحدة، تتراوح نسبة المصابين به بين 10% إلى 35% من البالغين. هناك عوامل متعددة تزيد من احتمالية الإصابة بهذا المرض، أبرزها التدخين والإصابة السابقة بجلطة الأوردة العميقة، حيث يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بهذا العارض. وتشمل عوامل الخطر الأخرى التقدم في العمر، الحمل، السمنة، وفترات طويلة من الوقوف.
هل هو خطر؟
بحد ذاته، لا يُشكّل القصور الوريدي المزمن تهديدًا مباشرًا للحياة، لكنه مرضٌ يتقدّم تدريجيًا، وقد يرفع من خطر الإصابة بأمراض أخرى أكثر خطورةً. ومن المفارقات أن الإصابة بجلطة الأوردة العميقة تزيد من احتمال الإصابة بالقصور الوريدي المزمن، بينما يُصبح المصابون بهذا القصور أكثر عرضةً للإصابة بجلطة الأوردة العميقة. والسبب في ذلك يعود إلى أن الدم المتجمع في الأوردة لا يتحرك كثيرًا، مما يُهيئ البيئة المناسبة لتشكّل الجلطات. وإذا حدثت جلطة الأوردة العميقة، فإنها تزيد من خطر الإصابة بانسداد رئوي، وهو حالة خطيرة تنجم عن انتقال جلطة دموية إلى الرئتين، مما يُهدّد الحياة.
أما في الساقين، فإن أخطر مضاعفات القصور الوريدي المزمن تتمثل في تشكّل “القروح الوريدية”، وهي قروحٌ قد تكون مؤلمةً، عُرضةً للإصابة بالعدوى مثل التهاب النسيج الخلوي (Cellulitis)، ولها معدلات عودة مرتفعة. وقد أظهرت الدراسات أن نحو 4% من البالغين الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا فما فوق في الولايات المتحدة، يعانون من قروح وريدية نتيجة الإصابة بالقصور الوريدي المزمن.
هل يمكن علاج هذا المرض؟
إمكانية العلاج وفعاليته تعتمد إلى حد كبير على السبب الكامن وراء المرض. في البداية، يتبع العلاج نهجًا تحفظيًا يشمل رفع الساقين وارتداء الجوارب الضاغطة. رفع الساقين فوق مستوى الجسم يساعد على الاستفادة من الجاذبية، لتسهيل تدفق الدم من الساقين إلى القلب. أما الجوارب الضاغطة، فتعمل على دفع الدم عبر أوردة الساقين باتجاه القلب. كما يُوصى بممارسة الرياضة، مثل المشي، حيث يُحفّز انقباض عضلات الساقين على إعادة الدم نحو القلب. وفي الحالات التي تتطلب معالجة الوزن، قد يُنصح بتغييرات في النظام الغذائي وممارسة التمارين الرياضية.
أما في الحالات الأكثر تقدمًا أو الشديدة، فقد تتطلب التدخل الجراحي لإصلاح أي تلف في البطانة الداخلية للأوردة، وإزالة الجلطات الوريدية العميقة، أو وضع دعامة لتوسيع الأوردة المتضررة.
بصورة عامة، لقد شُخّص الرئيس ترامب بمرضٍ شائع بالنسبة لشخصٍ في عمره، وأكد أطباؤه عدم وجود أي أمراض خطيرة أو حالات مرضية أساسية تُثير القلق.
