الوقت- قبل عام، كان بعض المسؤولين الأمريكيين يتحدثون عن ضرورة سحب قواتهم من سوريا، لكن السقوط المفاجئ لحكومة بشار الأسد في دمشق غيّر الكثير من الحسابات في المنطقة، وقد وصلت هذه التغييرات إلى حدّ قيام عدد من المسؤولين الأمريكيين خلال الشهرين الماضيين بزيارة دمشق للقاء بعض كبار مسؤولي حكومة أحمد الشرع المؤقتة.
كما أعلن جوناثان باس، رجل الأعمال الأمريكي البارز والحليف المقرب للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مؤخرًا مقتطفات من لقائه الأخير مع أحمد الشرع في دمشق، يُشير جوناثان إلى نقاط مهمة حول لقائه بأحمد الشرع، قائلاً إن ماضيه المتطرف والعنيف علّمه كيف يكون.
اللافت في تقرير رجل الأعمال الأمريكي عن لقائه بأحمد الشرع هو اعترافه بماضي الشرع المتطرف، ويقول باس إن ماضيه المتطرف مكّنه من اتخاذ إجراءات ضد "داعش" من داخل سوريا، لأنه تطور من نهج ثوري في الحكم، بالإضافة إلى جوناثان باس، يُعد توماس باراك، المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، مسؤولاً أمريكياً آخر زار دمشق في الأيام الأخيرة والتقى بمسؤولين في الحكومة السورية المؤقتة، ولكن ما هو الهدف الحقيقي من زيارات الأمريكيين المتتالية إلى سوريا؟
قائمة طعام ترامب للشرع
شكّل اللقاء الأخير بين الرئيس السوري أحمد الشرع ونظيره الأمريكي دونالد ترامب نقلة نوعية وغير مسبوقة في العلاقات السورية الأمريكية، يُعدّ هذا اللقاء، الذي عُقد في الرياض بدعم من المملكة العربية السعودية، أول لقاء من نوعه بين رئيس أمريكي ورئيس سوري منذ 25 عاماً، كان آخر لقاء من هذا النوع بين حافظ الأسد وبيل كلينتون في عام 2000.
بالإضافة إلى ترامب والشرع، حضر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (مستضيف الاجتماع)، وانضم إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الفيديو، يُظهر هذا الاجتماع الأهمية التي توليها واشنطن للتطورات الجديدة في سوريا، كما يعكس استعداد ترامب لاتخاذ إجراءات غير تقليدية في بعض الأحيان، وقيل إن الاجتماع مع الشرع كان نقطة خلاف بين أعضاء الإدارة الأمريكية حتى ساعات قبل زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة.
ووفقًا لتقرير "العربي الجديد"، حدد الرئيس الأمريكي خلال المحادثات مطالبه بوضوح للحكومة السورية المؤقتة، ووفقًا لبيان صادر عن المتحدث باسم البيت الأبيض، قدم ترامب خمسة مطالب رئيسية لأحمد الشرع: أول هذه المطالب هو انضمام سوريا إلى اتفاقيات إبراهيم وتطبيع علاقاتها مع "إسرائيل".
ثانيها هو مغادرة جميع المقاتلين الأجانب سوريا، وتحديدًا الميليشيات غير السورية، المطلب الثالث يتعلق بطرد كوادر الجماعات الفلسطينية المسلحة المتواجدة على الأراضي السورية، وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي، من البلاد.
والرابع هو تعزيز التعاون مع واشنطن في مكافحة القوى الإرهابية المسلحة في سوريا، أما المطلب الخامس والأخير، فيتطلب من دمشق تحمل المسؤولية الكاملة عن مراكز احتجاز "داعش" في شمال شرق البلاد.
الشرع يُعطي الضوء الأخضر للبيت الأبيض
بعد اجتماع غير متوقع بين كبار المسؤولين الأمريكيين والسوريين، أعرب الشرع عن رغبته في انضمام سوريا إلى "عملية السلام مع إسرائيل"، وفي خطوة رمزية أظهرت رغبته في كسب ثقة الولايات المتحدة، اقترح إعطاء الأولوية للشركات الأمريكية في الاستثمار في قطاع النفط والغاز السوري.
كما أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع في مؤتمر صحفي بالعاصمة الفرنسية باريس عن وجود مفاوضات غير مباشرة مع "إسرائيل" بوساطة دولية، يأتي الحديث عن اتفاقية سلام بين سوريا و"إسرائيل" في الوقت الذي أفادت فيه خمسة مصادر مطلعة لوكالة رويترز بأن دمشق وتل أبيب على اتصال مباشر، وبأن اجتماعات وجهاً لوجه عُقدت في الأسابيع الأخيرة بقيادة العميد أحمد الدالاتي، قائد الأمن الداخلي في محافظة السويداء، بهدف تهدئة التوترات ومنع الاشتباكات في المنطقة الحدودية بين الجانبين.
يحتل النظام الإسرائيلي مرتفعات الجولان السورية منذ حرب عام 1967، ويحتل المزيد من المناطق منذ الإطاحة بالأسد، كما دمر جزءًا كبيرًا من البنية التحتية العسكرية السورية في الأشهر الأخيرة، ضاغطًا على واشنطن لإبقاء سوريا ضعيفة وغير مستقرة.
في الواقع، لدى تل أبيب وواشنطن هدف مشترك في علاقاتهما مع سوريا: القضاء على التهديد السوري لـ"إسرائيل"، ولتحقيق هذه الغاية، سعت تل أبيب حتى الآن إلى شن عمليات عسكرية في سوريا، وتسعى الولايات المتحدة إلى تطبيع علاقات دمشق مع تل أبيب، مع أنه يبدو أنه على الرغم من رغبة النظام السوري المؤقت، لا يزال نتنياهو لا يثق كثيرًا بأحمد الشرع نظرًا لماضيه.
المبعوث الأمريكي الجديد إلى سوريا
عُيّن توم باراك مبعوثًا للولايات المتحدة إلى دمشق في الـ 23 من مايو/أيار، وهو أيضًا سفير الولايات المتحدة لدى تركيا، وقد قام بأول زيارة رسمية له إلى سوريا الأسبوع الماضي، رفع باراك علم بلاده فوق مقر إقامة السفير الأمريكي في دمشق لأول مرة منذ إغلاق السفارة الأمريكية عام 2012.
كما أفادت وكالة الأنباء السورية (سانا) بأن باراك والشرع عقدا اجتماعًا ركز بشكل رئيسي على متابعة تنفيذ رفع العقوبات، أغلقت الولايات المتحدة سفارتها في دمشق في فبراير/شباط 2012، بعد مرور ما يقرب من عام على الحرب الأهلية السورية التي استمرت 14 عامًا، وعمل المبعوثون الأمريكيون اللاحقون إلى سوريا في الخارج دون زيارة دمشق.
يُعدّ دعم الولايات المتحدة المستمر لقوات سوريا الديمقراطية (SDF) حاليًا أحد أهم مصادر التوتر المحتملة بين واشنطن والحكومة السورية الجديدة، فعلى الرغم من سقوط حكومة بشار الأسد، لا تزال واشنطن تحتفظ بحوالي 900 جندي أمريكي في شمال وشرق سوريا، ما أثار مخاوف القيادة السورية الجديدة.
نتيجةً لذلك، يتضح أن دور الولايات المتحدة في سوريا ما بعد الأسد لم يتضاءل فحسب، بل تحوّل أيضًا بناءً على نهج جديد، في الواقع، انتقلت واشنطن من سياسة إدارة الصراع في سوريا إلى إدارة المرحلة الانتقالية، ومن دعم المؤسسات المسلحة غير الرسمية إلى التنسيق المشروط مع النظام المؤقت الناشئ.
الاقتصاد السوري في مواجهة تحدّي عدم الاستقرار السياسي
في الوقت نفسه، تلعب القضايا الاقتصادية دورًا رئيسيًا في الحقبة الجديدة من العلاقات السورية الأمريكية، فقد وقّعت الحكومة السورية الأسبوع الماضي اتفاقية بقيمة 7 مليارات دولار مع ائتلاف من الشركات الأمريكية والقطرية والتركية لإنتاج الكهرباء.
وجاء توقيع مذكرة التفاهم هذه بعد الإعلان عن تعليق العقوبات الأمريكية والأوروبية على سوريا، وتشمل الاتفاقية إنشاء أربع محطات توليد طاقة تعمل بالدورة المركبة (CCGT) بتكنولوجيا أمريكية وأوروبية في مناطق دير الزور، ومحردة، وزيزون، والطريفاوي (محافظتي حماة وحمص) بطاقة إنتاجية إجمالية تبلغ 5000 ميغاواط، تتضمن الاتفاقية أيضًا إنشاء محطة طاقة شمسية بقدرة 1000 ميغاواط في منطقة وادي الربيع جنوب سوريا.
أنتجت سوريا حوالي 6500 ميغاواط من الكهرباء في عام 2010، أي قبل عام من بدء الحرب الأهلية، هذا في حين يبلغ الطلب الحالي للبلاد حوالي 8600 ميغاواط، ونتيجة لذلك، تواجه سوريا نقصًا حادًا في الكهرباء، يبلغ إنتاجها الحالي من الكهرباء 1300 ميغاواط، ولديها ساعتان من الكهرباء يوميًا، ولتغطية العجز بالكامل، تحتاج البلاد إلى حوالي 6500 ميغاواط من الكهرباء في الظروف العادية، ما ينتج عنه عجز قدره 5200 ميغاواط.
ووفقًا لتقرير جلف أونلاين، تشمل اتفاقية الطاقة أربع شركات عالمية كبرى، بقيادة شركة UCC Holding القطرية، المسؤولة بشكل رئيسي عن المشروع، كما تشارك شركتان تركيتان، هما Kalyon Energy Yatirimillari وCengiz Energy، في إنتاج وتوزيع الكهرباء في المشروع.
ومع ذلك، لعلّ التحدي الأهم أمام تنفيذ هذا الاتفاق هو انعدام الأمن واستمرار عدم استقرار الوضع السياسي في سوريا. فبعد ستة أشهر من سقوط حكومة بشار الأسد، لا تزال العملية الانتخابية وانتقال السلطة في البلاد غامضين، كما لا تزال تهديدات داعش قائمة في سوريا، ما يُعرّض مستقبل أي استثمار اقتصادي فيها للخطر.