الوقت- في خضم تفاقم المأساة الإنسانية المروعة في غزة، تكشفت للعيان أبعاد جديدة من فظائع الصهاينة في القطاع المنكوب، وفي هذا المضمار، أماط أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب “إسرائيل بيتنا”، اللثام عن أن بنيامين نتنياهو قد أوعز إلى أجهزته الأمنية في تل أبيب بتسليح “عصابات الإجرام” في قطاع غزة بترسانة من “الأسلحة الخفيفة والبنادق الهجومية”، وأوردت وسائل الإعلام العبرية أن جيش الاحتلال شرع منذ أسابيع، متذرعاً بمجابهة حماس، في تسليح “مجموعات محلية” في قطاع غزة، واصفاً إياها بـ “القبائل المسلحة”.
وأفادت مصادر الإعلام الصهيوني بأن تسليح الزمر الإجرامية في غزة من قبل الكيان الصهيوني، يندرج ضمن “استراتيجية ومساعي تل أبيب المحمومة لاستئصال حماس”، وذكرت أن هذه الخطوات “تتم بإيعاز من نتنياهو ودون علم المجلس الوزاري المصغر ودون تفويض من المؤسسات الأمنية المختصة”.
تعانق المجرمين ونتنياهو
جاهر ليبرمان، بصفته وزير الحرب السابق للكيان الصهيوني، في حديث للإذاعة العبرية العامة بأن “الجيش يقوم، بأوامر مباشرة من نتنياهو، بتزويد العصابات الإجرامية في غزة بأسلحة هجومية وعتاد حربي، وهذه الترسانة ستنقلب حتماً على الكيان الصهيوني وستقوّض أركان أمنه المتداعي”.
وفي السياق ذاته، أكدت إذاعة جيش الاحتلال نقلاً عن محافل أمنية رفيعة أن “الميليشيات المسلحة في قطاع غزة تتواطأ مع الكيان الصهيوني”، وكشفت الإذاعة أن هذه الميليشيات تتشكل من عشائر ذات تاريخ حافل بالإجرام وسفك الدماء في غزة، وهي لا تنتمي لا لحماس ولا لفتح، وتخوض معارك ضارية ضد حماس.
ويشير هذا التقرير إلى أن فلسطينياً يدعى أبو شباب، من قاطني غزة “المناوئين لحماس”، يتربع على عرش مجموعة إجرامية مسلحة في منطقة رفح “تحت إشراف ورعاية قوات الاحتلال”، ويضيف التقرير إن هذه المجموعة “تعمل بسند ودعم صهيوني وفي مناطق تخضع لهيمنة واحتلال الجيش”، وتضطلع بدور في مناهضة حماس.
وقد ظهر عناصر مجموعة أبو شباب في مشاهد مصورة من قطاع غزة، وهم يرتدون بزات عسكرية إسرائيلية وخوذاً وسترات واقية، ويؤكد هذا التقرير بجلاء أن تل أبيب تتعاون بشكل وثيق مع الزمر الإجرامية في غزة.
إقرار بنيامين الصريح
جهر بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، في اليوم المنصرم عبر خطاب جماهيري بتواطؤ سلطته مع زمر الإجرام المسلحة المتغلغلة في أحشاء قطاع غزة، ووصف هذا المنحى الخبيث بأنه “جزء من التوصيات الأمنية” يبتغي من ورائه تقليص نزيف خسائر جيشه في أتون مواجهاته الضارية مع كتائب المقاومة الإسلامية (حماس).
ووفق ما تناقلته وسائل الإعلام، کشف نتنياهو في شريط مصور قائلاً: “استناداً إلى مشورة المسؤولين الأمنيين، شرعنا في نسج خيوط التعاون مع عشائر تناصب حماس العداء، أي محذور في ذلك؟ إنه مسلك محمود؛ إذ يصون أرواح جنودنا”.
مراهنة تل أبيب على المجرمين
يفضح التعاون الوثيق بين الكيان الصهيوني وعصابات الإجرام في غزة، بلوغ حرب الإبادة التي شنّها المحتل على مدار عشرين شهراً لاستئصال شأفة حماس، إلى نفق مسدود، فاستمرار نبض الحياة في عروق حماس وديمومة نشاطها في قطاع غزة قد دفع جيش الاحتلال، بالتزامن مع إمطاره القطاع بوابل من القذائف، إلى التفكير في تسخير المجرمين والعصابات لمناوأة المقاومة.
وفي المقابل، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس أن تصريحات “أفيغدور ليبرمان” تميط اللثام عن حقيقة مروعة ومفزعة، مفادها بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي يعكف على تسليح عصابات الإجرام في قطاع غزة، بغية إشاعة الفوضى الأمنية والاجتماعية وتنفيذ مخططات المحتلين لإحداث المجاعة والسطو المنظم على قوافل الإغاثة الإنسانية.
دوافع اتكاء نتنياهو على المجرمين
تؤكد استقصاءات صحيفة الشرق الأوسط تنامي أنشطة العصابات المسلحة في الأراضي الرازحة تحت نير الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وقد ذكر أن هذه العصابات تستغل الأوضاع المأساوية المتردية في غزة، وتتواطأ مع جيش الاحتلال في نهب النازحين المكلومين.
ووفقاً لما كشفته صحيفة واشنطن بوست، استناداً إلى وثائق داخلية للأمم المتحدة وشهادات مسؤولي الإغاثة وشركات النقل، تشكّل عصابات الإجرام في غزة حالياً أحد أعظم العوائق أمام إيصال المعونات إلى جنوب القطاع، وتشير التقارير إلى أن هذه العصابات تمارس نشاطها بحرية في المناطق الواقعة تحت قبضة الاحتلال.
وفي الآونة الأخيرة، تعرضت قافلة مؤلفة من 109 شاحنات محملة بالمؤن الغذائية للسلب والنهب، حيث استولى مسلحون على 98 شاحنة بعد إطلاق الرصاص على السائقين، وقد أبدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) قلقها البالغ إزاء هذه الفظائع.
كما يكشف تقرير للأمم المتحدة أن أحد زعماء العصابات الإجرامية في قطاع غزة، أقام مجمعاً عسكرياً في منطقة تخضع لهيمنة جيش الاحتلال، وقد استشرت ظاهرة النهب في غزة مع تفشي المجاعة، وأضحت الأنشطة الإجرامية المنظمة وأعمال العنف نمطاً متجذراً في نسيج القطاع.
تبدل في نهج تل أبيب بعد الإخفاق في غزة
يرى المراقبون أن تغير نهج الكيان الصهيوني يعكس تحولاً جذرياً من المواجهة المباشرة مع حماس، إلى استراتيجية الانهيار الداخلي القائمة على مؤازرة عصابات الإجرام. ويأتي دعم وتسليح “القبائل المناوئة لحماس” في غزة، كحلقة في سلسلة مخطط أوسع نطاقاً يستهدف تقويض أركان سلطة حماس، دون الاضطرار إلى خوض معارك مباشرة طويلة الأمد.
ويذهب المحللون إلى أن هذه الاستراتيجية تحاكي نماذج سبق تطبيقها في العراق وسوريا من قبل الأمريكيين والغربيين، حيث آزرت القوى الأجنبية جماعات مسلحة متطرفة مثل "داعش" والقاعدة لتقويض البنى الحاكمة، وإذكاء نيران الصراعات الداخلية.
وفي الوقت ذاته، يمثّل دعم الكيان الصهيوني للعصابات الإجرامية انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية الإنسانية، وخاصةً إذا ثبت تورط هذه الجماعات في أعمال نهب أو عنف ضد المدنيين العزل.
وفي خضم تفاقم المأساة الإنسانية وتعقد المشهد الأمني في غزة، ليس من المستبعد أن تتحول هذه الزمر الإجرامية في المستقبل القريب، إلى أعظم تحدٍّ أمني يجابه الكيان الصهيوني من الداخل.