الوقت- في تطور قانوني وسياسي غير مسبوق، تقدم المحامي المصري محمد أبو زيد بدعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري في الإسكندرية ضد الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، يتهمه فيها بارتكاب "جرائم إبادة جماعية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان"، ولا سيما في المناطق ذات الأغلبية العلوية والدروز، مشيراً إلى وجود وثائق وشهادات تدين النظام السوري الحالي.
الدعوى، التي رُفعت مطلع يونيو 2025، تطالب السلطات المصرية بتحريك الملف دبلوماسياً وقانونياً، واللجوء إلى جهات دولية مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، لإدانة ممارسات نظام الشرع.
سياق الدعوى: ماذا يحدث في سوريا؟
تشير خلفيات القضية إلى تصاعد موجة من القلق الدولي بشأن الانتهاكات المتزايدة في سوريا، وخاصة في الساحل السوري ومحافظات الوسط مثل حمص وحماة، حيث وردت تقارير حقوقية تتحدث عن حملات اعتقال جماعي، قتل خارج القانون، تهجير قسري، وتصفية طائفية.
الرئيس أحمد الشرع، الذي وصل إلى السلطة بعد فترة انتقالية أعقبت سقوط نظام بشار الأسد، واجه في الأشهر الماضية اتهامات متكررة من منظمات حقوقية دولية، ولا سيما بسبب ما وصفته هذه المنظمات بـ "فشل الدولة في منع المليشيات الموالية من ارتكاب فظائع بحق المدنيين، وتحديداً من الأقليات التي طالما اتُهِم النظام بحمايتها ثم لاحقاً بقمعها".
الدعوى القضائية: الجوانب القانونية والمطالب
المحامي محمد أبو زيد، المختص بقضايا النقض والدستورية العليا، أكد في دعواه أن لديه وثائق وشهادات من سوريين مقيمين في مصر، بالإضافة إلى تقارير من منظمات حقوقية دولية، تثبت مسؤولية الشرع عن عمليات قتل جماعي، وإدارة منظومة أمنية قائمة على القمع والانتهاكات.
ويطالب أبو زيد القضاء المصري بإصدار حكم يلزم الحكومة المصرية بتحريك دعوى قضائية دولية ضد الشرع، والتنسيق مع الهيئات الأممية لتقديم ملف متكامل للمحكمة الجنائية الدولية.
على الرغم من أن مصر ليست طرفاً موقعاً على نظام روما الأساسي (الذي ينشئ المحكمة الجنائية الدولية)، إلا أن الدعوى تعتمد على مبدأ "الاختصاص العالمي"، والذي يتيح لبعض الدول ملاحقة المتهمين بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، حتى وإن لم تُرتكب الجرائم على أراضيها.
رد فعل الشرع: اتهامات للنظام السابق ومناورة سياسية؟
لم يتأخر رد الرئيس السوري، إذ أعلن بعد ساعات من تداول خبر الدعوى عن تشكيل "لجنة وطنية مستقلة" للتحقيق في أحداث الساحل السوري، مؤكداً أن من يقفون خلف موجة العنف الأخيرة هم "فلول النظام السابق ومجموعات انفصالية تسعى إلى تقويض وحدة البلاد وبث الفتنة الطائفية".
لكن هذا الرد وُصف من قبل مراقبين بأنه خطوة استباقية لامتصاص الضغط الدولي المتوقع، ومحاولة لتوجيه الأنظار نحو خصومه السياسيين بدلاً من الاعتراف بالمسؤولية أو الاستعداد لمحاسبة المتورطين فعلياً.
أبعاد سياسية: هل تسعى مصر للعب دور جديد في الملف السوري؟
إثارة هذه الدعوى في القاهرة تفتح باب التساؤل حول ما إذا كانت مصر تستعد لتبديل موقفها الرسمي من النظام السوري، وخصوصاً بعد سنوات من دعمها السياسي لدمشق ضمن تحالفات إقليمية ودولية، وهو ما يجعل هذه الدعوى إشارة محتملة إلى تبدّل في الموقف المصري.
مصادر دبلوماسية مطلعة تحدثت لوسائل إعلام عربية عن وجود "تحولات دقيقة" في الموقف المصري، تدفع نحو الابتعاد عن الشرع تدريجياً، وخاصة مع التقارب المصري–الخليجي في الشهور الأخيرة، وتزايد التوتر بين دمشق وبعض العواصم العربية، مثل الرياض وأبو ظبي، بسبب تعثر جهود المصالحة الإقليمية.
كما أن تحريك الملف من داخل القضاء المصري يمنح القاهرة غطاءً قانونياً لتبني موقف أكثر نقدًا دون الاصطدام مباشرة بالمصالح الإقليمية الكبرى.
المجتمع الدولي: صمت أم تحرك مرتقب؟
حتى لحظة كتابة هذا التقرير، لم تصدر مواقف رسمية من الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة بشأن الدعوى القضائية، لكن خبراء القانون الدولي يعتبرون أن تحريك هذا النوع من القضايا حتى وإن لم يؤدِ إلى ملاحقة مباشرة، فإنه يساهم في تشكيل رأي عام دولي ضاغط، ويفتح الباب أمام فرض عقوبات أو اتخاذ خطوات دبلوماسية لاحقة.
وفي السياق ذاته، قال الباحث في القانون الدولي، د. أحمد فخري، إن "الدعوى القضائية في مصر خطوة رمزية لكنها ليست بلا أثر. فهي تساهم في كشف الانتهاكات، وتُذكِّر بأن المحاسبة ممكنة، حتى وإن طال الزمن".
هل يُحاكَم أحمد الشرع؟
من الناحية العملية، من غير المتوقع أن تسفر الدعوى المصرية عن محاكمة فورية للشرع، بسبب غياب الولاية القضائية المباشرة، وتعقيدات المشهد الدولي. لكن الأهم، وفقاً لمحللين، أن القضية تمثل بداية تدويل جديدة للانتهاكات في سوريا بعد سنوات من التعتيم والتجاهل، وتفتح الباب أمام ضغوط دبلوماسية متزايدة.
كما أن هذه الخطوة قد تشجّع ضحايا النظام السابق في دول أخرى، مثل ألمانيا أو فرنسا أو كندا، على تقديم دعاوى مشابهة، وخاصة أن هذه الدول تطبق فعلياً مبدأ "الولاية العالمية" في ملاحقة مجرمي الحرب.
في النهاية، تُعد الدعوى القضائية المرفوعة ضد أحمد الشرع في مصر مؤشّراً مهماً على أن ملف الانتهاكات في سوريا لا يزال مفتوحاً، وأن العدالة، حتى وإن تأخرت، قد تجد طريقها عبر قنوات قانونية غير متوقعة، وبين رد فعل النظام السوري وتردد المجتمع الدولي، يبقى السؤال الأهم: هل تتحول هذه الخطوة الرمزية إلى بداية مسار قانوني دولي حقيقي لمحاسبة المتورطين في جرائم الحرب بسوريا؟
