الوقت- في سابقة تعكس مدى اشتداد الهجمة الدعائية الموالية للاحتلال الإسرائيلي، تعرضت الناشطة البيئية السويدية الشهيرة غريتا تونبرغ لهجوم واسع من وسائل إعلام وشخصيات سياسية موالية لـ"إسرائيل"، وذلك بعد أن أعربت عن تضامنها الإنساني مع أهالي غزة خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع.
تونبرغ، التي لم تُعرف يوماً بأي نشاط سياسي خارج قضايا المناخ والبيئة، نشرت على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي رسائل دعت فيها إلى وقف القصف على غزة، وسلطت الضوء على المعاناة الإنسانية التي يعيشها السكان المدنيون، وخاصة الأطفال.
لكن هذه الخطوة، التي رآها الملايين حول العالم تعبيراً عن ضمير إنساني حي، فجّرت ردود فعل غاضبة وغير مسبوقة من قبل مناصري "إسرائيل"، حيث تم اتهامها بمعاداة السامية، وتمت مهاجمتها إعلامياً، والدعوة إلى مقاطعتها وتشويه صورتها في وسائل الإعلام الغربية.
التضامن مع غزة... ممنوع على المؤثرين؟
ما فعلته تونبرغ لا يمكن تصنيفه خارج إطار الإنسانية، فقد نشرت عبر حسابها في منصة "إكس" (تويتر سابقاً) صورة تحمل شعار "الحرية لفلسطين"، وأرفقتها بتعليق يدعو إلى إنهاء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، كما أعادت مشاركة منشورات لمنظمات إنسانية تسلط الضوء على حجم الكارثة البيئية والصحية التي يتسبب بها العدوان.
ومع ذلك، وجدت تونبرغ نفسها هدفاً لحملة تحريض منظمة، شملت:
- اتهامها بدعم الإرهاب.
- مطالبات من جهات إسرائيلية بإلغاء مشاركتها في مؤتمرات دولية.
- محاولات لتجريدها من مصداقيتها كناشطة بيئية.
هذا المشهد يعكس نمطاً بات مألوفاً: كل من يتضامن علناً مع الفلسطينيين، حتى من بوابة إنسانية بحتة، يصبح عرضة للتخوين، والنبذ، والاتهام بعدم الحياد.
أهمية أصوات المؤثرين في دعم القضايا الإنسانية
تبرز أهمية شخصيات مثل غريتا تونبرغ في كسر الحواجز التقليدية بين القضايا البيئية والسياسية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان، تضامنهم لا يقتصر على التعبير فقط، بل يشكل قوة تأثير عالمية تحرك الرأي العام وتضغط على صناع القرار، مواجهة هذه الأصوات بالهجوم والتشويه ليست سوى محاولة لمنع توسع دائرة الوعي والتضامن، لكن التاريخ أثبت أن أصوات الحق والإنسانية لا يمكن إسكاتها مهما كثرت محاولات القمع.
التضليل الإعلامي ومصادرة الضمير الإنساني
التصعيد ضد غريتا تونبرغ يدخل ضمن حملة أوسع تهدف إلى تجريم التضامن مع فلسطين، سواء كان صادراً من ناشطين، فنانين، أكاديميين، أو حتى طلاب جامعات، هذه الحملة تعتمد على تكتيكات عدة، أبرزها:
- تحميل المنتقدين تكلفة باهظة عبر اتهامهم بـ "معاداة السامية"، وهي تهمة تُستخدم في الغرب لردع أي انتقاد موجَّه لـ"إسرائيل".
- ابتزاز المؤسسات والجهات التي تدعم هؤلاء المتضامنين، ما يدفع بعضها للتبرؤ منهم أو سحب دعمهم.
- توجيه الرأي العام عبر منصات إعلامية مؤدلجة لتصوير التضامن مع غزة كتحريض ضد اليهود.
تونبرغ لم تكن الأولى، فقد سبقتها شخصيات عديدة تعرضت لحملات مماثلة، من أبرزهم: روجر ووترز، عضو فرقة "بينك فلويد"، وكين لوتش، المخرج البريطاني المعروف.
غريتا تونبرغ: بين صوت البيئة وصرخة الضمير
على الرغم من أن نشاط غريتا تونبرغ ارتبط طوال السنوات الماضية بقضايا المناخ والبيئة، إلا أن مواقفها الأخيرة تكشف عن نضج سياسي وأخلاقي متزايد، حيث باتت ترى الترابط العميق بين الظلم البيئي والظلم السياسي.
العدوان على غزة، إلى جانب كونه كارثة إنسانية، يمثل كذلك كارثة بيئية بكل المقاييس:
- تدمير البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك محطات المياه والصرف الصحي.
- قصف مراكز طبية وتعليمية، وتشريد أكثر من مليون فلسطيني.
- انتشار التلوث بفعل الأسلحة المحرمة والمخلفات السامة.
كل ذلك يضع غزة في قلب الأزمة البيئية العالمية، وهو ما يبرر اهتمام ناشطة من طراز تونبرغ، حتى لو لم يكن في جدول نشاطها المعتاد.
أزمة الغرب: حين تختلط المواقف الأخلاقية بالحسابات السياسية
ردة الفعل العنيفة ضد تونبرغ تفتح النقاش مجدداً حول ازدواجية المعايير في الخطاب الغربي، وخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحرية التعبير، فبينما يُسمح لأي ناشط، أو إعلامي بانتقاد روسيا أو الصين دون مساءلة، فإن الحديث عن "إسرائيل" يُجرّم سياسياً وأخلاقياً.
تونبرغ، بصفتها شخصية أوروبية مستقلة، لا تتبع أي تيار سياسي، بل تنطلق من موقع أخلاقي وإنساني، ولذلك فإن الهجوم عليها يكشف مدى هشاشة الموقف الإسرائيلي في مواجهة الرأي العام العالمي، وخاصة عندما يُعبّر عنه أشخاص لهم مصداقية دولية.
التضامن مع غزة... معركة وعي
ما حدث مع غريتا تونبرغ ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو مؤشر على اتساع معركة الوعي العالمي حول القضية الفلسطينية، فالصوت الفلسطيني، بعد أن ظل لعقود محاصراً ومشوّهاً، بدأ يجد صداه في قلوب النشطاء والمؤثرين حول العالم.
الهجوم على تونبرغ لن يسكت الأصوات، بل العكس تماماً: سيفضح الوجه القمعي للمؤسسات الإعلامية والسياسية الداعمة لـ"إسرائيل"، وسيدفع المزيد من الشخصيات المستقلة إلى كسر حاجز الصمت.
في النهاية، أصبح من الواضح أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية شرق أوسطية فقط، بل قضية عالمية... وأن التضامن مع غزة، وإن كان مكلفاً، إلا أنه بات خياراً أخلاقياً لا يقبل التنازل.