الوقت- توفي صباح البارحة الأحد أحد أهم أعمدة الأدب الإسباني والعالمي "خوان غويتيسولو" عن عمر يناهز 86 عاما، وذلك بعد معاناة طويلة مع المرض، وبعد عمر مليء بشتى أنواع النضال الفكري والعملي. غويتيسولو عاش ومات عاشقا للبلاد العربية ومدافعا شرسا عن قضايا الإسلام والمسلمين والقضية الفلسطينية.
فقد نعت الوكالة الأدبية الإسبانية كارمن بالسيلز البارحة الراحل خوان غويتيسولو الذي توفي في منزله في مدينة مراكش المغربية، المدينة التي عشقها فاتخذها موطنا له منذ عقود، كما أكدت مصادر مقربة من عائلة الراحل أنه سيوارى الثرى في مدينة العرائش شمال غربي المغرب.
سيرة حياة الراحل
ولد خوان غويتيسولو في الخامس من كانون الثاني يناير 1931 في مدينة برشلونة عاصمة إقليم كاتالونيا، حيث نشأ وترعرع في كنف عائلة بورجوازية مليئة بالأدباء والمثقفين. فإخوته من الأدباء الكبار فأخوه لويس من أهم الكتاب وأوغستين شاعر ذائع الصيت في الوسط الأدبي الإسباني.
درس غويتيسولو الحقوق في جامعة برشلونة، وفي هذه المرحلة كان ناشطا في حركة نضالية ضد الجنرال الدكتاتوري فرانكو، هذا الأمر أجبره أن ينتقل للعيش في باريس التي اتخذها منفى اختياري بسبب الحكم الغيابي الذي صدر بحقه في إسبانيا. بعد سقوط حكم فرانكو وعودته إلى إسبانيا بدأت تتبلور شخصيته المقربة والمحبة للإسلام والعرب والمسلمين، فكان له مواقف مبدئية متأصلة وواضحة ضد الاستعمار الفرنسي للجزائر حيث ساعد الجزائريين أثناء وجوده في فرنسا فكان يخبأهم في منزله ويوفر لهم الحماية.
كما ساند غويتيسولو المقاومة البوسنية المسلمة في سراييفو أثناء الحرب اليوغوسلافية، وقد برز ذلك في مؤلفاته ومقالاته العديدة التي نشرها حول هذا الأمر.
لم يتردد غويتيسولو في الدفاع عن المهاجرين المغاربة في إسبانيا عندما تعرضوا لاعتداءات عنصرية خطيرة في مدينة إلخيدو الإسبانية خلال أحداث شباط فبراير عام 2000، مما أدى إلى اعتباره من قبل بلدية هذه المدينة الصغيرة الأندلسية شخصا غير مرغوب فيه، هذا وكان غويتيسولو قد دافع عن مغربية الصحراء في كتاب بعنوان "مشكل الصحراء" سنة 1979 وأثار الكثير من الجدل السياسي في أواخر سبعينيات القرن الماضي عندما كانت الحرب على أشدها في الصحراء المغربية وكان الرأي العام الإسباني برمته إلى جانب جبهة البوليساريو. هذا وكان لغويتيسولو مواقف كثيرة خلال السنوات الأخيرة تؤكد وقوفه إلى جانب القضية الفلسطينية.
جمع بين الثقافات العربية والإسلامية والأندلسية والإسبانية المعاصرة واللاتينية والفرنسية إضافة إلى الإنكليزية بسبب دراسته وتدريسه في جامعات أمريكية لأعوام خلال الستينات.
وقد برز هذا الأمر في كتاباته، حيث يؤكد على الآثار العميقة للغة والثقافة العربية على المجتمع والأدب الإسباني، يشير غويتيسولو إلى وجود حوالي أربعة آلاف كلمة عربية في اللغة الإسبانية بفضل المستعربين الإسبان الذين تعلموا اللغة العربية وتكلموا بها خلال حقبة الحضارة الإسلامية في الأندلس.
ويأتي كتابه المترجم إلى العربية "إسبانيا في مواجهة التاريخ" على رأس مؤلفاته في العالم العربي، والذي يدافع فيه عن الثقافة العربية ودورها في التقريب بين الشعوب. كما يؤكد على التأثير المهم للأدب العربي على الثقافة والمجتمع الإسباني إلى اليوم.
من أهم ما يذكره المغاربة من جميل لهذا الأديب الكبير الدور الهام الذي لعبه في حشد الدعم لتصنيف ساحة جامع الفنا سنة 2001 من قبل منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي للإنسانية.
نال خوان غويتيسولو العديد من الجوائز الإسبانية والعالمية بينها جائزة "خوان رولفو" لآداب أميركا اللاتينية والكاريبي، وجائزة "نايلي زاكس" سنة 1993، والجائزة الوطنية للآداب الإسبانية، وأطلق اسمه على مكتبة "معهد سيرفانتس" في طنجة المغربية تكريما له.
كما اشتهر في السنوات الأخيرة برفضه جائزة بقيمة مليون دولار من الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، بسبب انتهاكات نظامه لحقوق الإنسان.
ألف غويتيسولو عدة مؤلفات من بينها "الإشارات" و"مطالبات الكونت السيد خوليان" و"لمحة بعد المعركة" و"إصلاحات الطائر المنعزل" و"إسطنبول العثمانية" وكتاب "من دار السكة إلى مكة".
وقد أقام الراحل لعقود في مدينة مراكش المغربية، حيث تابع دراساته وكتاباته عن الحضارة العربية والإسلامية. ليرحل اليوم من منزله الكائن قُبالة ساحة جامع الفنا. في وقت يعده الكثيرين أكبر كاتب إسباني في العصر الحديث وعده آخرون أحد أكبر الكتاب في التاريخ الإسباني منذ بدايته.