الوقت - ان السبب الرئيسي لنمو الارهاب في اوروبا والخروقات الامنية في الاماكن العامة لدول الاتحاد الاوروبي هو نتيجة الازدواجية في سياسات الدول الغربية حيال مكافحة الارهاب في غرب اسيا.
فالتفجير الانتحاري داخل قاعة مانشستر للاحتفالات في بريطانيا، اضافة الى العمليات الارهابية التي تبناها "تنظيم داعش الارهابي" في قلب اوروبا خلال السنوات الاخيرة، اثار مرة أخرى مخاوف الغرب من تخطي الارهاب والعنف والتطرف للحدود. وبناءً عليه فان الحرب لانهاء هذه الظاهرة تحتاج الى عزم وتصميم دولي، اضافة الى شفافية مطلقة في السياسات. ومن هنا يطرح هذا السؤال نفسه، ماهي العوامل والظواهر المؤثرة التي ادت الى انتشار ظاهرة الارهاب في اوروبا؟
السبب الرئيسي في الوقت الحاضر لانتشار الارهاب في اوروبا، هو اجراءات وردود فعل الدول الغربية في المحافل الدولية حول انتشار الارهاب وسبل مكافحته، قبل البحث في اصول المتطرفين وعوامل التطرف. ومن اجل تحليل نشأة وانتشار الارهاب، يجب التطرق الى ازدواجية الغرب وعدم جديته في مكافحة الارهاب، وايضاً السياسات الخاطئة للدول الغربية وعلى راسها امريكا وبريطانيا خلال العقود الماضية باعتبارهم العوامل الاساسية في نشأة الارهاب.
السياسات الغربية الخاطئة في غرب اسيا
بالنظر الى طريقة تشكيل اكبر التنظيمات الارهابية التكفيرية مثل "طالبان" و"القاعدة" في المنطقة، والتي تعتبر في الوقت الراهن الاب لاغلب التنظيمات الارهابية في المنطقة، حيث تفرع عنهما تنظيما "داعش" و"جبهة النصرة" الارهابيين. فالدول الغربية وعلى راسها امريكا، خلال مرحلة احتلال الاتحاد السوفيتي لافغانستان، عملت على ادارة وتقوية هذه التنظيمات الارهابية للاستفادة منها في محاربة الشيوعية ودول الاتحاد السوفيتي في افغانستان. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي تابعت الدول الغربية دعمها للتنظيمات الارهابية التكفيرية واستراتيجيتها المعادية للشيعة، من اجل محاربة الجمهورية الاسلامية الايرانية واهدافها التي تتعارض مع المصالح الغربية.
ومع استمرار الاحتلال العسكري لافغانستان والعراق منذ عامي 2001 و2003، اضافة الى انهيار الاوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية في هذين البلدين، كل ذلك ادى الى نشوء تنظيمات ارهابية مثل "القاعدة"، نتيجة الفراغ الامني الناشىء عن ضعف المؤسسات العسكرية والمخاباراتية، اضافة الى الارضية الخصبة لنمو الايديولوجية التكفيرية عن طريق جذب العناصر البشرية والموارد اللازمة لتطورها.
تطورات الربيع العربي إحدى مراحل تكرار هذه السياسات الخاطئة. فالاجراءات التي اتخذتها الدول الغربية للاطاحة بنظام معمر القذافي في ليبيا بالاستفادة من الهجوم العسكري على هذا البلد المهم في شمال افريقيا، مستغلة عدم الاستقرار في ليبيا، فالحرب الاهلية ساهمت في نمو التنظيمات الارهابية مثل "تنظيم القاعدة" في ليبيا. وكذلك المنحى الذي سلكته الدول الغربية ايضاً في سوريا واليمن ادى الى نفس النتيجة، على الرغم من ان الغرب لم يحصد النتائج التي كان يرمي للحصول عليها في ليبيا، فكانت هذه الازمات والسياسات عاملاً اساسياً لنمو التنظيمات الارهابية في هذه الدول.
النهج الغربي مندوب مبيعات لآفة الإرهاب
ومن الأسباب الرئيسية لانتشار التنظيمات الارهابية في الغرب ايضاً، الموقف المزدوج من قبل الغرب وحلفائهم الاقليميين تجاه قضية الارهاب والتطرف، وبناءً على ذلك فان اجراءات الدول الغربية وعلى راسها امريكا وبريطانيا لتامين مصالحهم، اضافة الى صمتهم امام مجازر التنظيمات الارهابية، وتقديمهم الدعم المالي والعسكري للارهابيين بطرق مباشرة او غير مباشرة، دون التوجه الى تعارض اعمال التنظيمات الارهابية مع المصالح الغربية كما يجري في سوريا، ادى الى توسع رقعة الارهاب وتعزيز موقفه في المنطقة.
وبحسب التقارير الاعلامية، فان "تنظيم داعش الارهابي" يعتبر قوة منظمة اوجدت عن طريق الدعم المالي والعسكري من قبل بعض الدول الغربية والعربية، اضافة الى الخدمات المخاباراتية والجاسوسية الامريكية والبريطانية والفرنسية والتركية. فحتى عام 2014 كانت تعرف "داعش" من وجهة نظر الغرب بانها قوة ضد الديكتاتورية تسعى الى تحقيق مصالح الشعب، ولكن بعد هجوم "داعش" في العراق وتنظيمها لعمليات على الاراضي الاوروبية، وضعت الدول الغربية "داعش" على قائمة الارهاب. في حين لاتزال امريكا والسعودية تستفيدان من "تنظيم القاعدة" في حربهم ضد حركة انصار الله في اليمن.
بشكل عام يمكننا ان نلخص السبب الرئيسي للوضع الامني والارهاب في اوروبا وخاصة في بريطانيا، بانه السياسة المزدوجة للحكومات الغربية خلال العقود الماضية في تعاملها مع الارهاب والتطرف في غرب آسيا، ولا يمكن للغرب ان يبقى في مأمن من عواقب تبنيه لهذا النهج. والواقع الذي تمر به الدول الاوروبية حالياً، هو نتيجة الخلل في السياسة الغربية المنافقة وغير الصادقة في تعاملها مع ظاهرة الارهاب خلال عدة عقود.