الوقت- شهدت السعوديّة، هذا الأسبوع قمماً ثلاثاً: سعودية - أمريكية، أمريكية - خليجية عربية، إسلامية - أمريكية، والرئيس الأميركي دونالد ترامب حلّ ضيفاً في هذه القمم.
الحراك السياسي تضمّن حراكا اقتصاديا تمثّل في التوقيع على عقود وصفقات بقيمة 460 مليار دولار أمريكي. تعي السعودية جيّداً أن الصفقات الأخيرة هذه ستضرّ بالاقتصاد السعودي، إلا أنها ستدعم البلاد من الناحية السياسة، وفق الرؤية المتّبعة في نظام الحكم السعودي الحالي.
ما يشكّل تحدّيا جديداً للسعوديين بعد التطورات الاقتصادية الأخيرة، وكذلك رؤية 2030، هو الاستثمار الخارجي في البلاد، فهل ستنجح السعودية في جذب رؤوس الأموال الأجنبية؟ وهل السعودية اليوم منطقة آمنة للاستثمار؟
قد يكون التوقيع على صفقات وعقود بقيمة ما يقارب نصف الترليون دولار، هو الأمر الأكثر سهولة اليوم، وربّما أرادت السعودية إيصال رسالة للمستثمرين الغربيين بالتوجّه نحو البلاد بعد صفقات ترامب، ولكن هل هناك أرضية فعليّة للاستثمار في الداخل السعودي؟
كريستوفر جونسون محامٍ ونائب رئيس مجلس إدارة "مجموعة التجارة الأمريكية في الرياض"، وهي الهيئة المسؤولة عن تعزيز المصالح التجارية الأمريكية في السعودية، يقول: "على الرغم من بعض التغييرات الإيجابية، فإن النظام الحالي لا يزال صعباً للمستثمرين الأجانب." يضيف أحد المستشارين الاقتصاديين السعوديين: "الحكومة لا تعمل بشكل جيّد، هذا هو أحد المجالات التي لم نعمل بها بشكل جيد ".
لا يقتصر الضعف السعودي على كلام الاقتصاديين، بل يؤكد مؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال الصادرة عن البنك الدولي الضعف السعودي حيث تقبع الرياض في المرتبة الرابعة والتسعين بين 190 دولة متأخرة على دول مجلس التعاون وإيران.
ما يعزز نظرية الضعف الاقتصادي السعودي رغم الأموال الضخمّة، هو صدور "رؤية 2030" الإقتصادي في العام 2016، في حين أن الدول الفاعلة إقليمياً كتركيا وإيران تكاد تنهي رؤيتها العشرينيّة. أي أن السعودية قد استيقظت متأخرّة جدّاً على الصعيد الاقتصادي بسبب التخدير الذي كان قائماً، ولا زال في جزء كبير منه، بسبب الاقتصاد النفطي المبني على بيع أكثر من 10 ملايين برميل يومياً.
أسباب عدّة تجعل من السعوديّة بلداً غير آمن للاستثمار، لاسيّما الطويل الأمد، نذكر منها:
أولاً: عندما تسأل عن السعودية في البلاد الأجنبية يجيبونك بالإرهاب، وهذا الأمر يدفع بالكثير من رجال الاستثمار للابتعاد عن السعودية، والبحث عن بلدان أخرى، سواءً في مختلف دول العالم أو في الدول الخليجية نفسها، الإمارات على سبيل المثال.
ثانياً: تعي الكثير من الشركات الاستثماريّة أن الإدارة الأمريكية سوف تستخدم ورقة قانون "جاستا" ضدّ السعوديّة، عاجلاً أم آجلاً، وبالتالي فإن تبعات هذا الأمر قد تكون كارثية على الجانب المستثمر الذي سيكون عرضة لخسارة جزء كبير من الأموال المستثمرة في الاقتصاد السعودي.
ثالثاً: يعد القطاع الاقتصادي السعودي نفطي بامتياز، ونظراً لما تعرّض له قطاع النفط منذ سنوات، فإن هذا الأمر حال دون دخول رؤوس أموال الاستثمار إلى السعوديّة، رغم أن ميزانية هذا البلد تفوق العديد من دول المنطقة مجتمعة.
رابعاً: يقول مراقبون إن السعودية لا تزال تعتبر مكاناً محفوفاً بالمخاطر للشركات الأجنبية بدءاً من تحديات القوانين الاقتصادية الداخلية كالإفلاس، مروراً بثقافة العلاقات الاقتصاديّة الفرديّة المختلفة، وصولاً إلى السياسات الحكوميّة الغير مستقرّة والتي تتغيّر فجأة. إن غياب الشفافيّة، وتحكّم أبناء العائلة الحاكمة بالكثير من التفاصيل الاقتصاديّة، إضافةً إلى مسائل قانونيّة أخرى تشكّل هاجساً لأي مستثمر أجنبي غير محسوب على أطراف وازنة في العائلة الحاكمة.
إذاً، يبدو واضحاً أن الأمن والاستقرار اللذان يعدّان أحد أبرز أسباب الاستثمار مفقودين بشكل كبير في السعودية. قد لا تكون هناك أسباب أمنية خلف هذا الأمر، بل أسباب سياسيّة واجتماعيّة، إلا أن النتيجة واحدة تقريباً. كل هذه الأسباب إضافةً إلى مسألة الحريّات الداخلية في السعودية تجعل من هذا البلد غير امنِ للاستثمار.