الوقت- لطالما كانت الحركات الطلابية عالميا هي المحرك الأساسي للثورات والدم الجاري في عروق الحركات التحررية حول العالم. حيث أن الحراك الشبابي بشكل عام هو الذي يؤمن استمرارية أي مشروع وقضية، ولا تُستثنى القضية الفلسطينية من هذه المعادلة. معادلة أثبت الشباب والطلبة الفلسطينيين أنهم في صلبها، وكيف لا؟ وقد وُلد شباب اليوم الفلسطيني من رحم المعاناة المستمرة منذ أوائل القرن الماضي.
في هذا السياق شغلت نتائج انتخابات مجلس اتحاد طلبة جامعة بيرزيت في مدينة رام الله الإعلام والرأي العام الفلسطيني إضافة إلى الإسرائيلي، أما السبب فيعود إلى فوز كتلة الوفاء الإسلامية بـ25 مقعد، و22 مقعد لكتلة الرئيس ياسر عرفات و4 مقاعد لكتلة القطب الطلابي.
هذه النتائج أرعبت الأوساط الإسرائيلية، كما أنها جاءت مخالفة لهوى السلطة الفلسطينية في رام الله، والسبب أن هذه الانتخابات أولا مؤشر على التوجه الشعبي الفلسطيني من جهة، ومن جهة أخرى فهي مؤشر أهم على وجهة الاهتمامات الشبابية التي لطالما حاول كيان الاحتلال ومن خلال أساليب ناعمة وخشنة من تحريفها وبث ثقافات دخيلة على شريحة الشباب بالخصوص.
يُذكر أن الحراك الطلابي الفلسطيني يعود إلى ستينيات القرن الماضي، وتعود مواجهته إلى تلك الحقبة حيث لم يسلم من شرور الكيان الإسرائيلي، كما أنه لا يسلم من ملاحقة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة ولأسباب سياسية تتعلق بالخلاف السياسي والأيديولوجي العميق الذي يفصل بين فكر السلطة الفلسطينية التي تبنت المفاوضات وبين حركات المقاومة التي اتخذت المواجهة سبيلا لتحرير كامل الأراضي الفلسطينية.
وليس اعتقال القوات الإسرائيلية لرئيس مجلس الطلبة أحمد العايش واثنين من أصدقائه من داخل مساكنهم بُعيد الانتخابات سوى دليل واضح على عمق الامتعاض من نتائج الانتخابات الأخيرة.
وبالعودة إلى الحراك الطلابي الفلسطيني وأسباب الخوف الإسرائيلي منه، فشريحة الطلاب الجامعيين تشكل عصب ومستقبل الشعب الفلسطيني، وقد أدركت أجهزة المخابرات الإسرائيلية مبكرا ديناميكية هذه الحركة، فوضعتها تحت المجهر، وكان لها الأولوية في عمليات الاستهداف الممنهجة للقضية الفلسطينية.
ومن أساليب مواجهة هذا الحراك والشريحة الشبابية الفلسطينية بشكل عام، أسلوب نشر الثقافة الغربية التي تتنافى مع مشرقنا الإسلامي، حتى يتفلت الشباب من قيود الدين والأعراف والأخلاق الإسلامية، كما سعى كيان الاحتلال لنشر المخدرات وأدوية الأعصاب والهلوسة وسط هذه الشريحة هذا ناهيك عن سياسة المواجهة الخشنة من خلال الاعتقالات التعسفية وغيرها من الأساليب التي يتقنها هذا الكيان.
أما السلطة الفلسطينية، ومع الأسف فهي تعمل على إضعاف الوعي الفلسطيني والذي تشكل الشريحة المثقفة جزأ مهما منه، فهذه الشريحة هي التي توجه الحراك الفكري الفلسطيني، وهي التي تصدت للقضايا التي تهم الشارع الفلسطيني، والكوادر الطلابية ستتسلم زمام القرار الفلسطيني في المستقبل، وقد عقدت العزم على مبايعة المقاومة والخوض في المواجهة مع الكيان الإسرائيلي، وهذا ما يقلق سلطة التفاوض والسبل الدبلوماسية التي وإلى اليوم لم تتمكن من تحقيق شيئ على أرض الواقع في فلسطين.
ما حصل في جامعة بيرزيت يؤكد أن المقاومة هو خيار الحركة الطلابية، خيار مورس عمليا خلال الانتفاضتين الأولى عام 1987م وانتفاضة الأقصى عام 2000، إضافة إلى انتفاضة القدس اليوم، حيث شارك المئات من الجامعيين ومنذ اغتصاب فلسطين بعمليات عسكرية ومواجهات بطولية أوقعت عشرات القتلى من صفوف الاحتلال، في مواكبة عملية للثورة ولمستوى تصعيد المقاومة، وهذا ما كان عليه حال الشعب الفلسطيني بشكل عام. كما قدمت الحركة الطلابية آلاف الأسرى في سبيل تحرير فلسطين.
الاستهداف الإسرائيلي للحركة الطلابية لم يقف عند هذا الحد، حيث يضيق الإحتلال الخناق بشكل عام على الإمكانات التقنية والعلمية التي يجب توفرها في الجامعات، ولأسباب ودوافع يقول بأنها أمنية وترتبط بالخوف من تنفيذ مشاريع علمية تخدم المقاومة.
ختاما، بالتأكيد ما حصل في جامعة بيرزيت هو مبايعة جديدة للمقاومة من مكان كان ولا زال حاضنة للقضية الفلسطينية، قضية بحاجة اليوم إلى أساليب جديدة في المقاومة، مقاومة فكرية وعسكرية وثقافية وعلمية، والجامعات هي المكان الأفضل لإبداع هذه الأساليب، فأمام المتغيرات الداخلية والعربية والدولية، والتي تصب جميعها في خدمة وأد الانتفاضة والقضية لا بد من الإسراع في التفتيش عن سبل استمرار هذه المواجهة المفتوحة حتى تحرير فلسطين كل فلسطين من عدو الله والإنسانية.