الوقت - "الكبار سيموتون والصغار سينسون" مقولة أطلقها دافيد بن غوريون، أول رئيس في الكيان الاسرائيلي، أبان حرب 1948 أو ما بات يعرف عربياً بذكرى النكبة، ولكن وبعد قرابة الـ70 عاما على تلك النكبة الفلسطينية التي ارخت بارهاصاتها على المشهد السياسي والميداني في العالم ككل، والشرق الاوسط على وجه التحديد، لم تستطع تلك السنون أن تمحي حلم العودة، اذ مايزال ملايين اللاجئين الفلسطينيين في الداخل ومخيمات الشتات يحلمون بحق العودة الى ديارهم ويستذكرون بمرارة التاريخ الذي عاشوه أو سمعوا عن قصصه من آباءهم.
وعلى العكس من مقولة بن غوريون تماما فان جيلاً بعد جيل لم ينس ولم يسامح ولن يغفر، وبقيت فلسطين شعلة في قلبه لم ولن تموت، وحق العودة ما زال الحلم الذي يدغدغ مشاعر ملايين الفلسطينيين في كل أصقاع المعمورة.
توريث القضية الفلسطينية عبر الاجيال
تعود قضية التهجير والشتات الى عام 1947 اي قبل عام من موعد النكبة منذ قرار التقسيم غير الشرعي وغير العادل الصادر عن الامم المتحدة والذي تم على حساب حقوق الفلسطينيين القومية والدينية، وجراء المجازر والحرب العدوانية التي اقترفتها العصابات الصهيونية انذاك والتي قادت بنهاية المطاف إلى تأسيس كيان الاحتلال.
ولكن يبقى يوم 15 أيار عام 1948 (وهو التاريخ الرسمي لذكرى النكبة) اليوم الاضحم من حيث عدد المهجرين، اذ تشير الاحصائيات الى أن الاحتلال وعصاباته طردوا اهالي 530 مدينة وقرية فلسطينية بالاضافة الى اهالي 662 ضيعة وقرية صغيرة، أي اكثر من 800 الف فلسطيني طردوا قسرا من قراهم وبيوتهم في هذا اليوم حيث خرجوا لا يحملون معهم سوى مفاتيح بيوتهم التي اصبحت فيما بعد رمزاً للأمل بحق العودة، وبعد تهجير السكان الأصليين، قامت دولة الاحتلال بتدمير أكثر من 485 قرية فلسطينية وأقامت مئات المستعمرات اليهودية على انقاضها وأسكنت المهاجرين اليهود في الأماكن التي لم يتم تدميرها وبشكل خاص في المدن الفلسطينية.
وبحسب الاحصائيات الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة فإن هناك اليوم حوالي 5 مليون لاجئ فلسطيني موزعين في دول الشتات، حيث ازداد العدد السابق بخمسة أضعاف عن عام 1948، وجميع هؤلاء الفلسطينيين يرون حق العودة قضية أساسية لا جدل فيها وهي عبارة عن تصحيح ضروري لإجحاف تاريخي حصل بحقهم وطردهم القسري من بيوتهم وقراهم.
ومما يلفت الانتباه ايضاً في يوم النكبة، قضية التوريث الفلسطينية ونتحدث هنا عن "توريث القضية"، اي أن كل جيل فلسطيني يورث قضية الوطن والتهجير وحق العودة الى الجيل الذي سيأتي بعده، وهذا التوريث لا يقتصر على فلسطينيي الشتات فقط، اذ دأب فلسطينيو 48 (الذين يعيشون ضمن الاراضي المحتلة قبل نكسة حزيران عام 1967) على زيارة أراضي قراهم المدمرة وأطلالها، والذي يتزامن مع اليوم الذي تحيي فيه دولة الاحتلال ذكرى قيامها، على دماء الابرياء، وبحسب التقديرات، فإن 25% من فلسطينيي 48 هم لاجئون في وطنهم، بمعنى ما يزيد على 370 ألف نسمة. ومنذ سنين طويلة أقاموا لجانا لقراهم. وفي منتصف سنوات التسعين، تمت اقامة لجنة وحدوية تجمع هذه اللجان وأطلق عليها، "لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين في وطنهم".
ذكرى النكبة والواقع الراهن:
أولاً: تتزامن ذكرى النكبة هذا العام مع اعلان حركة حماس عن ما أسمتها "وثيقة المبادئ والسياسات العامة"، والتي جاءت في 42 نقطة مقسمة على 12 عنوانا، ورغم ان الحركة أعلنت فيها رفضها "كل المشروعات والمحاولات الهادفة إلى تصفية قضية اللاجئين" الا أن ذلك لم يستطع التغطية على تأييد الحركة إقامة دولة فلسطينية انتقالية على حدود 1967، والذي شكل نقلة نوعية للأيدولوجية الفكرية لحركة مقاومة أثبتت جدارتها منذ انشائها عام 1987 في مقارعة الاحتلال لتترك باب المقاومة والجهاد ضد جيش الاحتلال، مفتوحا لفصيل فلسطيني آخر سيخلفها كما خلفت هي حركة فتح منذ اعلان الاخيرة ما بات يعرف بالنقاط العشر عام 1974، وصولا الى اتفاق اوسلو عام 1993.
ثانياً: كذلك تتزامن ذكرى النكبة هذا العام مع ملحمة جديدة يسطرها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال، الذين يتعرضون لأبشع السياسات غير الانسانية، ولتشكل حياتهم بكل معانيها "مأساتها وصمودهم" فصلا جديدًا من فصول النكبة الفلسطينية المتواصلة، لتؤكد من جديد أن القضية الفلسطينية مازالت موجودة ومازالت القضية الأولى رغم كل التطورات الاقليمية التي حصلت.
ولو أن بن غويون کان الان حيّاً يرزق لأدرك أن الصغار الذين تكلم عنهم سابقا أصبحوا اليوم كباراً وأصبحوا مقاومين وآباء لمقاومين، وأن ما راهن عليه فشل فشلا ذريعا، بفضل يقظة الأجيال الفلسطينية التي لم تنس وما فتئت عن تذكير بعضها البعض بأنهم أهل البلاد من النهر الى البحر، وحتى الأشواك والورود التي نبتت على قبور أجدادهم تذكر الکيان الاسرائيلي والعالم أجمع أنهم سكان المنطقة، قبل أن تذكرهم آثار فلسطين بانهم عربية كنعانية خالصة مهما مر على الزمن من نكبات ونكسات.