الوقت - تميزت العلاقات الأردنية - الإيرانية بالتأرجح وعدم الثبات طيلة العقود الأربعة الماضية، وتحديداً منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وإلى يومنا هذا، وليس هناك في الأفق بوادر تشير إلى إمكانية تحسن هذه العلاقات في المدى المنظور.
فما هي أسباب تأزم هذه العلاقات خلال السنوات الأخيرة، وما تأثيرها على مجمل الأوضاع في عموم المنطقة؟
يمكن تلخيص الإجابة عن هذا التساؤل بما يلي:
يعاني الأردن من قلة موارده الاقتصادية واضطراره لتأمين ما يحتاجه في شتى المجالات لاسيّما في مجالي المياه والطاقة على مساعدات وقروض الدول الأخرى خصوصاً المجاورة، وهذا الأمر جعل من سياسة هذا البلد عرضة للابتزاز من قبل القوى الخارجية "الإقليمية والدولية" لمعالجة أوضاعه الاقتصادية ومن بينها الفقر والبطالة والعجز في الميزانية وارتفاع أسعار البضائع، وهذا الأمر أدى بالأردن إلى أن لا يتمتع بسياسة مستقلة، ويبحث على الدوام عمّن يوفر له الدعم المالي من القوى الإقليمية أو الدولية، وبالتالي فإن المواقف السياسية التي يتخذها المسؤولون الأردنيون حيال الدول الأخرى باتت تتأثر بشكل كبير بالوضع الاقتصادي لهذا البلد.
ومن هنا يمكن فهم طبيعة السياسة الأردنية إزاء الجمهورية الإسلامية في إيران، والتي تمثل في الحقيقة انعكاساً لإملاءات الغرب والدول الإقليمية الحليفة له تجاه طهران ومحور المقاومة في عموم المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن الملك الأردني "عبد الله الثاني" هو أول من أطلق مصطلح "الهلال الشيعي" في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" أثناء زيارته لأمريكا في أوائل كانون الأول/ديسمبر عام 2004، والتي عبّر فيها عمّا أسماه تخوفه من وصول حكومة شيعية موالية لإيران في العراق تتعاون مع سوريا لإنشاء هلال يكون تحت نفوذ الشيعة ويمتد إلى لبنان. ومنذ ذلك الوقت بات هذا المصطلح يتردد كثيراً على ألسنة عدد من المسؤولين في بعض الدول الإقليمية وفي مقدمتها السعودية التي تسعى باستمرار لإثارة المخاوف بشأن قدرة إيران ونفوذها في المنطقة أو ما بات يعرف باسم "إيران فوبيا".
وقبل مدة وخلال مقابلة أخرى مع صحيفة "واشنطن بوست" اتهم الملك الأردني الجمهورية الإسلامية في إيران بدعم الإرهاب وجعلها في كفّة واحدة مع تنظيم "داعش" الإرهابي، ودعا في الوقت نفسه إلى التوصل إلى تسوية شاملة مع الكيان الإسرائيلي لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة بالتعاون مع تل أبيب على حد قوله. وجاءت تصريحات الملك الأردني خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن وبعد لقائه الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب".
وقد ردّت إيران على لسان المتحدث باسم خارجيتها "بهرام قاسمي" على هذه الاتهامات ووصفت تصريحات الملك عبد الله الثاني ضدها بغير المدروسة وغير المنطقية. وقال قاسمي: "يبدو أن الملك الأردني وقع في خطأ مميت وعليه مراجعة مصادر معلوماته والإحصائيات التي تتحدث عن نسبة الأردنيين المنضمين إلى تنظيم "داعش" الإرهابي".
وفي وقت سابق اتهم وزير الدولة الأردنية لشؤون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة "محمد المؤمني" إيران بالتدخل في شؤون بعض الدول العربية كاليمن والعراق وسوريا ولبنان، فيما زعم رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأردني "محمود فريحات" بأن التقدم الذي تحققه قوات الحشد الشعبي في العراق على الجماعات الإرهابية خصوصاً في قضاء تلعفر بمدينة الموصل شمال غرب البلاد وقرب الحدود السورية سيؤدي إلى إنشاء ما أسماه "حزام برّي" يصل إيران بلبنان، معبّراً عن قلق حكومة الأردن في هذا الشأن.
رئيس هيئة الأركان الأردنية المشتركة "محمود فريحات"
ويعتقد المراقبون بأن مواقف الحكومة الأردنية المتناغمة مع مواقف واشنطن وحلفائها الغربيين والإقليميين خصوصاً السعودية تجاه إيران تهدف في الحقيقة إلى كسب ودّ الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب التي أعلنت مراراً عزمها على تشديد العقوبات على إيران بحجة التجارب الصاروخية البالستية رغم الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع مجموعة (5+1) في تموز/يوليو 2015. كما يسعى الأردن إلى التنسيق مع السعودية ودول أخرى في المنطقة للتحرك ضد محور المقاومة، وذلك من خلال السعي لإضعاف موقف الجمهورية الإسلامية الداعم بقوة لهذا المحور، وقد ظهر هذا التنسيق بشكل واضح وملموس خلال القمة العربية التي عقدت مؤخراً في الأردن.
أخيراً ينبغي التأكيد على أن السياسة التي يتخذها الأردن تجاه إيران لن تخدم سوى الكيان الإسرائيلي وحماته الغربيين والإقليميين، ويبدو أن هذه السياسة ووفقاً للمعطيات المتوفرة ستتواصل في المرحلة المقبلة طالما بقي الأردن يعيش تحت وطأة الضغوط الاقتصادية ومحكوم بهواجس "الهلال الشيعي" و"إيران فوبيا" التي لن تثمر عن شيء سوى المزيد من تدهور العلاقات بين طهران وعمّان وزعزعة الأمن والاستقرار في عموم المنطقة.