الوقت- استيقظ العالم فجر يوم الجمعة على خبر الضربة الصاروخية التي استهدفت مطار الشعيرات العسكري في شرق محافظة حمص، الضربة كانت مفاجئة من حيث كونها أول تدخل عسكري أمريكي مباشر ضد الجيش السوري وقواته المسلحة، ولكنها ليست بالغريبة عن السياسة الأمريكية التي اعتادت استخدام أساليب "حرب الوكالة".
وإذا قمنا بالعودة إلى تاريخ الإدارات الأمريكية السابقة، نجد ان ما يقوم به الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، يتقاطع بشكل أو بأخر مع ما قام به الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان، في ربيع العام 1986 بقصف عدة مدن ليبية بصواريخ توماهوك لأول مرة، وعلى مايبدو أن ترامب الجمهوري تعلم من مدرسة ريغان الجمهوري أساليب الحرب بالوكالة، ولم يخفي ترامب إعجابه بريغان وأساليبه في إعادة الهيبة الأمريكية عن طريق الاستعراضات العسكرية المتعجرفة.
وهنا يأتي السؤال التالي هل ما يقوم به ترامب في الوقت الحالي من خلال اتباع تكتيك وأسلوب عسكري جديد ومباشر ومحدود مثلما وصفه في بيانه الصحفي بعد الضربة يعيد الهيبة للأمريكيين ويحقق لهم أهدافهم في الشرق الأوسط؟! وهل سيكون لهذه الضربة وقع في الميدان السوري يسمح للأمريكي بإعادة كسب ثقة الحلفاء به بعد أن خذلهم عدة مرات على حد وصفهم؟!.
أسلوب جديد
يمكن الضربة العسكرية التي قامت بها أمريكا تحت إطار" تكتيك عسكري جديد" يراد منه تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية ودبلوماسية في آن واحد، فالمكاسب العسكرية تتمثل بمحاولة أمريكية لإعادة ثقة الحلفاء وتطمينهم، فشركاء وحلفاء أمريكا الإقليميين والضالعين في أتون الحرب السورية، كانوا بأمس الحاجة إلى رسائل طمئنة من الإدارة الأمريكية الجديدة فيما يتعلق بالأزمة السورية، خاصة بعد ان عانوا الكثير بسبب الخسائر المتتالية والمتعاقبة على جميع الجبهات، منذ انتصار الجيش السوري وحلفائه في معركة تحرير حلب الكبرى، التي أعادت رسم المشهد السوري سياسيا وعسكريا، وصولا إلى الانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش في كل من ريفي دمشق وحماه، ما أجبر المعارضة المسلحة على الاستقواء مرة أخرى بالخارج، عبر التباكي واتهام الجيش السوري باستخدام أسلحة محظرة دوليا، وهذا مانفته سوريا والقوات العسكرية الروسية العاملة على الأراضي السورية، حتى التقارير الدولية والغربية نفت ذلك ولم يثبت أي دليل على تورط الجيش السوري بهذا العمل الشنيع.
ولم يكن بالأمر الغريب خروج قائد مايسمى "جيش الإسلام"، محمد علوش، بعد الضربة الأمريكية بتصريح يعبر فيه عن مدى سعادته ودعوته الولايات المتحدة بفتح حرب عسكرية مباشرة على كامل الأراضي السورية ومؤسساتها وعلى رأسها الجيش السوري، ليشاطره الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بهجته وفرحته بقصف من أذقاهم الأمرين وجعلهم ينازعون.
محدودية الضربة
رغم أن الصاروخ الواحد من التوماهوك يكلف مابين "600 ألف حتی 2 مليون دولار امريكي" ورغم غزارة عدد الصواريخ فإن الضربة تندرج في سياق عرض عضلات عسكري وإعلامي، لن يغير في معادلة الميدان وخير دليل على ذلك إبلاغ القيادة الروسية بالضربة قبل وقوعوها لسحب قوات عسكرية عاملة لها على أرض المطار، بحسب وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون".
ومن الناحية العسكرية ورغم الأضرار المادية التي ألحقت بالقاعدة الجوية ومنظومة الدفاع الجوي المسؤولة عن حمايتها، إلا أن طائرتين عسكريتين أقلعتا في الأمس من أرض المطار في ظرف أقل من 24 ساعة من توقيت الضربة، ليؤكد ذلك على محدودية الضربة وعدم جدواها وفاعليتها، وعلى ادراك أمريكا ووعيها بالامكانيات والقدرات العسكرية للجيش السوري وحلفائه، وخوف الإدارة الأمريكية من الدخول في مغامرة عسكرية جديدة لا يحمد عقباها.
مشروعية الضربة
مما لاشك فيه بأن الضربة الصاروخية تشكل اعتداء سافر على دولة ذات سيادة وتحظى بتأييد شعبي ودستوري، وخير دليل على ذلك الموقف الروسي والإيراني إزاء الضربة وتنديده بها، وكادت أن تؤدي هذه الضربة المتهورة والأحادية الجانب إلى نقل صراع القوى العالمية في سوريا إلى حدود دولية عابرة للجغرافية السورية.
وما أشبه اليوم بالأمس فعندما قدم الرئيس الأمريكي السابق، ريغان مشروع السلام الذي حمل اسمه لحل الصراع في الشرق الأوسط، والذي جعله يدخل قوات المشاة البحرية الأمريكية "المارينز" بشكل مباشر في اتون الحرب الأهلية اللبنانية المستعرة آنذاك، خدمة لأجندة الكيان الصهيوني الذي كان يحتل بيروت آنذاك، ليجبر مضطرا ومرغما على مغادرة لبنان مهزوما بعد أن قام الشهيد القائد عماد مغنية ورفاقه بتفجير مقر المارينز الأمريكي في بيروت، ريغان كان كترامب يريد إعادة الهيبة الدولية لأمريكا وكان مميزا بالخطابات الرنانة وإطلاق الوعود الخلابة.
يبدو ان ترامب لم يعي بعد ويدرك البعد الخطير ولو بالغنا في القول "العالمي" للأزمة السورية، وتأثيرها البالغ الحساسية والأهمية على السياسة العالمية.