الوقت- بينما تواصل إيران مفاوضاتها بشأن الملف النووي، بعد نجاحها في انتزاع اتفاق إطارٍ حوله، يحاول الغرب والكونغرس الأمريكي الحديث عن مخالفات لإيران في الفترة الأخيرة. وهو ما نشرته بريطانيا وقالت أنها سلمت تقريراً حوله للأمم المتحدة. في حين سارعت إدارة أوباما للتخفيف من أهمية التقرير. فماذا في تطورات الملف النووي؟ ولماذا تسعى بعض الأطراف لإثارة الشكوك حول مصداقية إيران؟
أولاً: تطورات الملف الإيراني
إستؤنفت الجمعة المفاوضات النووية بين مساعدي وزير الخارجية الإيراني ومنسقة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي وعلى مستوى الخبراء أيضاً، حول كتابة نص الاتفاق الشامل. ففي اليوم الثاني من المفاوضات النووية التي تجري على هامش مؤتمر إعادة النظر في معاهدة حظر الانتشار النووي التقى مساعدو وزير الخارجية الإيراني ومنسقة السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي للتباحث حول كتابة نص الاتفاق النووي الشامل. وكان قد عقد مساعدا وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ومجيد تخت روانجي ومساعدة منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي هيلغا شميت، الخميس جولتين من المفاوضات حول كتابة نص الإتفاق النووي الشامل استغرقت 8 ساعات.
وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد عبر عن تفاؤله حول إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران و 5+1 قبل المهلة المحددة في 30 يوليو المقبل. وقال ظريف، في تصريحات صحافية أدلى بها في جامعة نيويورك، على هامش حضوره في مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي، إن الجولة المقبلة من المفاوضات النووية بين الجانبين ستبدأ على مستوى مساعدي وزراء خارجية الأطراف المشاركة وسيواصل الجانبان المفاوضات الاثنين المقبل في أوروبا. ولفت الى ان عملية كتابة نص الاتفاق ستبدأ الخميس، موضحاً أن هناك اتفاقاً حول الخطوط العامة. وأشار ظريف الى الخطوات التي يقوم بها الكونغرس الامریكي بهدف وضع عقبات أمام المفاوضات مع ايران مذكراً بأن المفاوضات تجري مع الحكومة الأمریكية وليس مع الكونغرس. ورداً على سؤال حول آليات إزالة الحظر قال: "وفق ما نعلمه لحد الآن أنه لدى التوصل الى اتفاق لغاية 30 تموز يوليو فانه سيتم التصويت على قرار في مجلس الأمن تحت الفصل السابع".
على صعيدٍ آخر كانت بريطانيا قد اتهمت، الخميس الماضي، إيران بأنها تُحاول الحصول على معدات نووية من خلال شركتين خاضعتين لعقوبات، بحسب ما جاء في تقرير سري. ورُفعت هذه المعلومات إلى لجنة خبراء في الأمم المتحدة بعد أسابيع على إبرام القوى الكبرى اتفاقاً تمهيدياً مع ايران لتقليص برنامجها النووي، وإن ثبُتت صحتها فستشكل انتهاكاً لعقوبات الامم المتحدة. وجاء في التقرير الذي ادعت بريطانيا صحته، أن "الحكومة البريطانية أبلغت (الخبراء) في 20 نيسان الماضي أنها على علم بوجود شبكة إيرانية ناشطة للتزوّد بمعدات نووية مرتبطة بشركة إيران لتكنولوجيا الطرد المركزي وشركة كالاي للكهرباء". وتعد شركة "كالاي" للكهرباء مدرجة على لائحة سوداء بالشركات الإيرانية لدى الأمم المتحدة التي فرضت عليها عقوبات لارتباطها بالبرنامج النووي الايراني.
كما وأضاف التقرير: "نظراً لأن هذه المعلومات قُدّمت مؤخراً، لم يتمكن الخبراء من التحقّق منها بشكل مستقل". وقُدم التقرير إلى لجنة العقوبات ضد ايران في الأمم المتحدة في 21 نيسان الماضي، لكن الخبراء أشاروا إلى أنه بشكل عام تمّ الكشف عن القليل من الانتهاكات لعقوبات الأمم المتحدة على ايران. وهوّنت المتحدثة باسم الخارجية الامریكية ماري هارف من أهمية التقرير، مشيرة إلى أن انتهاكات العقوبات الايرانية "مستمرة" وأن واشنطن وضعت في القائمة السوداء مراراً كيانات إيرانية بسبب المشتريات غير المشروعة بينما كانت المفاوضات مع ايران مستمرة.
قراءة تحليلية
لا شك أن التضارب الحاصل بين الأطراف الغربية فيما بينها من جهة وبين الإدارة الأمريكية والكونغرس من جهةٍ أخرى، له العديد من الدلالات، الى جانب محاولة كيل التهم لإيران. فما هي هذه الدلالات؟
- إن التضارب الحاصل بحد ذاته دليلٌ على حجم الإرباك الذي يعيشه الغرب وأمريكا في التعاطي مع الواقع الإيراني المفروض. ويعكس حجم القلق الحاصل من وصول إيران للمرتبة النووية. وهذا ما يؤكده الاختلاف الحاصل بين الحكومة الأمريكية والكونغرس، والذي يعتبر للكيان الإسرائيلي دورٌ أساسيٌ فيه. فلم ينس أحد مسارعة أوباما لإعلان الإنجاز الحاصل مع إيران، والمواقف التي صدرت بحقه من تل ابيب الى جانب بعض المواقف الأمريكية.
- إن التقرير الشهري للوكالة الذرية أكد أن إيران لا تخصب اليورانيوم لأكثر من التركيز الانشطاري المحدد بنسبة خمسة في المئة. وأضاف التقرير أيضاً أن إيران لم تحقق أي تقدم آخر في أنشطتها في منشأتين للتخصيب ومفاعل للماء الثقيل تحت الإنشاء. وهو ما يُظهر زيف الإدعاءات البريطانية. فنجاح إيران لم يقتصر على انتزاع إتفاق إطار، بل نجحت في إظهار شفافيتها المطلقة، والتزامها بقوانين الوكالة الذرية. وهو الأمر الذي أحرج الجميع، فيما حاول البعض إثارة الخلافات عبر كيل الإتهامات لإيران.
- إستطاعت إيران أن تجعل المسألة النووية ملفاً منفصلاً عن كافة ملفات المنطقة. وصمدت أمام محاولات المقايضة بينه وبين قضايا سياسية أخرى. وهو ما لم يكن يتوقعه الغرب وأمريكا، الى جانب الكيان الصهيوني الذي لم يستطع حتى الآن، استيعاب نتائج المفاوضات النووية.
لقد استطاعت إيران أن تقدم نموذجاً للعمل الدبلوماسي المرن والصادق من جهة، والذي لا يتخلى عن مبادئ مرجعيته السياسية من جهةٍ أخرى. ولعل النجاح الإيراني الأبرز في ملف المفاوضات كان عدم مقايضة المسألة النووية بملفات أخرى في المنطقة. وهو ما يدل على حجم المناقبية السياسية التي تتمتع بها إيران. وهذا بأكمله يندرج تحت وصف الواقع وليس إبداء الرأي. وهنا يأتي السؤال الأبرز: هل يؤدي الاتفاق النووي إلی الإطاحة بمعارضيه في الغرب وأمريكا كما حصل في السعودية؟