الوقت - تقوم رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي" هذه الأيام بجولة إلى المنطقة تشمل الأردن والسعودية، في إطار مساعيها لتعزيز العلاقات مع هذين البلدين والدول الأخرى الحليفة لبلادها خصوصاً في مجلس التعاون في شتى المجالات لاسيّما في المجالين الأمني والاقتصادي.
وتعد هذه الجولة الأولى لـ "ماي" على المستوى الخارجي منذ إعلان بريطانيا رسمياً البدء بإجراءات مغادرة الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، كما تعد زيارتها إلى الأردن الأولى لهذا البلد منذ توليها منصبها في تموز/يوليو 2016.
وكانت رئيسة الوزراء البريطانية قد التقت الملك السعودي "سلمان بن عبد العزيز" على هامش قمة مجلس التعاون، والتي شاركت فيها ماي، في ديسمبر/كانون الأول 2016 بالعاصمة البحرينية "المنامة". كما أنها زارت السعودية في 2014 عندما كانت وزيرة الداخلية، وزارت الأردن بصفتها تلك في 2012.
وجاء في بيان أصدره مركز الإعلام والتواصل الإقليمي التابع للحكومة البريطانية أن ماي ستعلن خلال جولتها الحالية في المنطقة بأن مكافحة الإرهاب وتطوير قدرات جديدة لضرب معاقل الإرهاب ستكون ضمن محاور هذه الجولة.
وكانت ماي قد تعهدت أمام قمة مجلس التعاون في ديسمبر الماضي بما أسمته "الـتصدي لخطر إيران"، وشددت على أهمية التوصل إلى شراكة مع دول المجلس في المجالين العسكري والأمني، ودعت إلى بناء خطة عمل استراتيجية في هذين المجالين.
ويرى المراقبون بأن جولة ماي الحالية في المنطقة تهدف إلى تحقيق أهداف أخرى غير المعلنة من بينها:
- تبحث بريطانيا عن أسواق دائمة لدعم اقتصادها المهدد بالتراجع بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وتعتبر السعودية أكبر شريك تجاري لها في الشرق الأوسط، إذ وصلت قيمة الصادرات من السلع البريطانية إلى هذا البلد في عام 2015 إلى 4.67 مليار جنيه إسترليني (أو ما يعادل 5.84 مليار دولار)، بينما بلغت الصادرات من الخدمات 1.9 مليار جنيه (أو ما يعادل 2.38 مليار دولار)."
- عقدت بريطانيا صفقات ضخمة لبيع الأسلحة إلى السعودية خلال الأعوام القليلة الماضية. وتضمنت هذه الصفقات التي قدرت بمليارات الدولارات مختلف أنواع الطائرات والمروحيات المتطورة والحديثة ومن بينها طائرات مقاتلة. وتأتي زيارة ماي إلى الرياض في هذا الوقت بالذات لعقد المزيد من هذه الصفقات. ويؤكد الكثير من المراقبين بأن السعودية تمكنت من شراء صمت العديد من الدول الغربية ومن بينها بريطانيا عبر صفقات التسلح مقابل سكوتها عن الجرائم التي يرتكبها آل سعود في المنطقة لاسيّما ضد الشعب اليمني منذ أكثر من عامين.
- يتوقع أن تعلن ماي خلال زيارتها إلى الأردن الموافقة على تقديم دعم عسكري ولوجستي لهذا البلد ومن بينها دعم سلاح الجو الملكي.
- تأتي زيارة ماي إلى الرياض لتأكيد مكانة السعودية ودورها كحليف استراتيجي لبريطانيا في عموم المنطقة.
- من المتوقع أن تشير ماي خلال زيارتها إلى الأردن والسعودية إلى الهجوم الإرهابي الذي وقع قرب مبنى البرلمان البريطاني في 22 مارس الماضي وأودى بحياة العديد من الأشخاص، والذي يعكس بوضوح أن الإرهاب بات يقض مضاجع القادة الغربيين ومن بينهم البريطانيون.
- تسعى بريطانيا من خلال تعزيز علاقاتها مع الدول الحليفة لها في المنطقة إلى تكثيف تواجدها العسكري لمواجهة الجمهورية الإسلامية في إيران، رغم الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران في تموز/يوليو 2015 مع مجموعة (5+1) التي تضم بالإضافة إلى بريطانيا كل من أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا.
- يعتقد بعض المراقبين بأن بريطانيا بصدد إنشاء المزيد من القواعد العسكرية في عدد من دول المنطقة لاسيّما في مجلس التعاون بحجة محاربة الجماعات الإرهابية ومن بينها "داعش". وكانت بريطانيا قد بدأت في تشرين الأول/أكتوبر 2015 ببناء قاعدة بحرية في "ميناء سلمان" قرب العاصمة البحرينية، وهي أول قاعدة دائمة لها تبنيها في الشرق الأوسط منذ أربعة عقود. ويمكن القول في هذا الخصوص بأن التواجد العسكري البريطاني في المنطقة نابع في الحقيقة من السياسات العامة التي تنتهجها لندن والمتماشية مع سياسات واشنطن في عموم المنطقة.
- تهدف جولة ماي الحالية في المنطقة إلى إيصال رسالة إلى الرأي العام مفادها بأن بريطانيا قادرة على التعويض عن خسائرها الاقتصادية بخروجها من الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد رفض العديد من القادة الأوروبيين مناقشة أي اتفاق تجاري جديد مع لندن قبل إنجاز ملف الانفصال.
خلاصة القول، أن رئيسة الوزراء البريطانية تحلم باسترجاع تاريخ بلادها الاستعماري في المنطقة من خلال اللعب على الملفات المتأزمة، حيث لا شيء ممنوع في سبيل تحقيق هذا الهدف من أجل تأمين مصالحها، ولو تطلب الأمر أن تشارك أو تتغاضى على أقل تقدير بإبادة شعب بأكمله كالشعب اليمني من أجل إرضاء نزوات آل سعود أو أي حاكم موالي لها في المنطقة. ويشكل الشرق الأوسط الذي كانت الكثير من دوله مستعمرات بريطانية طيلة عقود من الزمن أفضل الخيارات بالنسبة لتيريزا ماي وحلفائها الغربيين وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الذين يريدون التصيد في الماء العكر على الساحة الإقليمية من خلال تأجیج الخلافات العربیة - الایرانیة وتأمين التبعية السياسية والأمنية لحلفائهم المستعدين لفعل أي شيء لضمان بقائهم في السلطة مدة أطول من الزمن.