الوقت- تواصل تركيا متاجرتها باللاجئين. تجارة أغدقت على الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان أبواباً اقتصادية وعسكريّة وسياسيّة عدّة.
جديد هذه التجارة "الرابحة" لأردوغان، تمثّلت في اتهامه إيران بممارسة سياسة "عنصرية" في العراق. لم تكتفِ أنقرة بكلام أردوغان، بل زعم نائب رئيس الوزراء التركي بوجود موجة جديدة من الهجرة من المهاجرين البالغ عددهم ثلاثة ملايين مهاجر في إيران صوب تركيا ومنها إلى أوروبا.
لا يمكن فصل الموقف التركي الأخيرة عن الخلافي الأوروبي التركي من ناحية، وسياسات أردوغان التوسعيّة من ناحية أخرى. إذ يعدّ ملف اللاجئين أحد الكنوز الاقتصاديّة والسياسيّة لأردوغان، وخاصّة في مواجهته مع الاتحاد الأوروبي. أوروبا، هي الأخرى تستخدم اللاجئين في سياسات غير نظيفة، وإن كانت أقل من أردوغان بكثير. فلو صرفنا النظر عن عداء اليمين الأوروبي لهؤلاء، يتحدّث الكثير من الخبراء عن أهداف استراتيجية لألمانيا من استقبال اللاجئين في القارّة العجوز، والعمل على تجنيس النخب من الأطباء والمهندسين التي صرفت الدولة السوريّة على تعليمهم مليارات (بعض الإحصائيات تتحدّث عن 20 مليار دولار) خلال العقدين الماضيين.
تركيا والمتاجرة بالمهاجرين
عوداً على بدء، كثيرة هي التقارير الغربيّة والعربيّة التي تتهم تركيا بالمتاجرة بالمهاجرين، فضلاً عن تدخّلها السياسي والعسكري مع دول الجوار، سوريا من خلال درع الفرات، والعراق من خلال معسكري بعشيقة، وفي الحالتين دون الحصول على إذن من السلطات الرسميّة.
إيران ردّت على المزاعم التركيّة، بدعوة أنقرة إلى "احترام حق سيادة دول الجوار وإرادة الشعبين السوري والعراقي اللذين انتخبا حكومتيهما. وفيما يخص الهجرة أوضحت الخارجية الإيرانية أنّ طهران تستضيف منذ اكثر من 30 عاما ملايين المهاجرين من دول الجوار، داعيةً تركيا إلى أن تتعلم من إيران كيف استضافت ملايين المهاجرين لأكثر من ثلاثة عقود، ولم توظف أبداً هذا الموضوع الإنساني لمآرب وأغراض خاصة ولم تستغلها سياسيا ضد أي بلد.
ماذا عن إيران؟
قد يعتقد البعض أن تركيا هي الدولة الأولى في استقبال اللاجئين في المنطقة، إلا أن الغوص في حقائق الأرقام يؤكد أن إيران تتصدّر المراتب الأولى على هذا الصعيد دون أن يعلم الكثيرين بذلك.
يعد الصمت السياسي والعسكري أحد أبرز سمات السياسة الإيرانيّة. هذه الجمهوريّة التي وصلت إلى التقنية النووية والفضاء بصمت وهدوء، هي نفسها التي استقبلت، وبصمت أيضاً، أيام حكم طالبان، وبعدها إبان الاحتلال الأمريكي ملايين اللاجئين الأفغان، فضلاً عن مئات الآلاف من العراقيين إبان حكم صدّام، ولاحقاً الاحتلال الأمريكي.
وبين الأخذ والردّ، والسعي التركي للمتاجرة بملفّ اللاجئين، وكذلك المزايدة على إيران، لا بد من سرد جملة من الحقائق، أبرزها:
أولاً: ورغم انتهاء حكم طالبان، وكذلك تحسّن الوضع الأمني في أفغانسان إلى أن دوافع الأفغان للجوء، الشرعي وغير الشرعي إلى إيران مستمرة. فهناك حوالي 3 مليون أفغاني في إيران، دخل منهم فقط الثلث ما يعادل مليون لاجئ بصورة قانونيّة. أي أن حوالي 12 إلى 15 بالمئة من الشعب الأفغاني يتواجدون على الأراضي الإيرانيّة.
ثانياً: على الصعيد التعليمي، هناك أكثر من 4000 طالب جامعي أفغاني، إضافةً إلى 316 ألف تلميذ يتابعون تعليمهم على مقاعد الدراسة الإيرانيّة. على سبيل المثال لا الحصر، يتواجد في محافظة خرسان رضوي (شمال شرق) 55 ألف تلميذ و 1500 طالب جامعي يتابعون دراستهم في العام الجاري إلى جانب أصدقائهم الإيرانيين. تجدر الإشارة إلى أن عدد الخريجين الحاصلين على منح دراسيّة كاملة من وزراتي العلوم والصحة في إيران فاق الـ12 ألف من الجامعات الإيرانيّة، وفي مختلف الاختصاصات من الطب والعلوم الطبيّة والهندسة والعلوم الإنسانيّة.
ثالثاً: لم تكتفِ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بإشراك الطلاب الأفغان مع الإيرانيين في مقاعد الدراسة، بل وضعت في تصرّف الجهات المختصّة حوالي 10000 صفّ، موزّعين على 800 مدرسة في مختلف المحافظات. هذه المدارس مختصّة بالطلاب الأفغان، ما أجبر وزارة التربیة والتعلیم فی ایران على تسجيل الطلاب الإيرانيين في آلاف المدارس بنوبتين، الأولى قبل الظهر، والثانية بعده.
رابعاً: لم تعمد إيران إلى ترحيل المهاجرين الأفغان غير الشرعيين، كما تريد أن تفعل ألمانيا حاليّاً، رغم مرور أكثر من عشرة سنوات على ذلك. بل أوضح الرئيس الإيراني خلال لقائة الرئيس الأفغاني عبدالله عبدالله على هامش القمة الـ13 لمنظمة التعاون الاسلامي، والتي انعقدت في تركيا أبريل الماضي، أوضح أن بلاده تعمد إلى تسجيل أسماء المهاجرين الأفغان وإعطائهم بطاقات هجرة.
خامساً: لا يقتصر تواجد اللاجئين أو المقيمين على الأفغان، بل هناك عدد كبير من العراقيين يتراوح ما بين الـ200 ألف والنصف مليون مقيم.
تبدو فوارق الهجرة واضحةً بين البلدين، تعمد تركيا إلى استخدام اللاجئين كحصان طروادة في أمور عدّة، منها: الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، الحصول على مساعدات اقتصاديّة أوروبية ودوليّة، تحقيق مكاسب سياسيّة إقليمية ودوليّة، تجنيس أصحاب الكفاءات بغية تطويعهم في خدمة الاقتصاد التركي، نقل مئات المصانع من مدينة حلب السوريّة إلى الجانب التركي. في المقابل، لم نسمع عن إيران أي من هذا القبيل، بل حتّى جزء كبير من شعوبنا العربيّة لا تعلم حتّى بوجود هذا العدد من المواطنين الأفغان على الأراضي الإيرانيّة.