الوقت- لم تمض الذكرى الأولى لهجمات بروكسل، إلا وحدث في نفس تاريخها هجوماً إرهابياً في لندن. في حين لا يجب إغفال دلالات الوقت وتفاصيل الحادث وما يعنيه الحدث البريطاني. وهنا فإن العديد من المسائل يمكن لحاظها، من مُنطلق أن بريطانيا تُشكِّل قاعدة لتصدير الإرهابيين الى العالم ومنه سوريا. فماذا في الهجوم الإرهابي؟ وكيف كانت ردة الفعل البريطانية لا سيما ردة فعل المرأة الحديدية؟ وما هي دلالات توقيت الحدث؟ وكيف يمكن تحليله بمنظارٍ شامل وموضوعي؟
الهجوم الإرهابي
وقع هجومٌ إرهابي قرب مدخل البرلمان البريطاني في العاصمة البريطانية لندن. وقتل نتيجة الحادث خمسة أشخاص على الأقل وأصيب نحو أربعين بحسب الإحصاءات الرسمية حتى الأمس. فيما كان من بين الضحايا ثلاثة طلاب فرنسيين كما أعلن رئيس الوزراء الفرنسي "برنارد كازينوف".
وحول هوية المهاجم أكدت تقارير إعلامية بريطانية أنه يُدعى "أبو عز الدين" بريطاني الجنسية من أصول جامايكية وينتمي لحركة المهاجرين المصنفة إرهابية والمحظورة النشاط منذ العام ٢٠٠٦. وهو إمام مسجد كان يحثّ على الكراهية في لندن. أشارت التفاصيل أنه قاد سيارة رباعية الدفع من طراز "هيونداي"، ودهس متعمداً عدة مشاة على جسر "ويستمينستر" قرب مبنى البرلمان قبل أن يصطدم بالجدار الخارجي للمبنى ويترجّل ويهاجم بسكين مطبخ أحد رجال الشرطة. ليُطلق رجال الأمن الرصاص عليه، ولتعلن الجهات الرسمية أنه فارق الحياة فيما بعد. فيما يتم الحديث عن احتمال وجود مهاجمٍ آخر لا يزال طليقاً حتى الساعة.
بريطانيا تحت الطوارئ وماي تختبئ
كنتيجة طبيعية للحدث الأمني فعَّلت بريطانيا حالة الطوارئ في العاصمة، وأغلقَت الطرقات في خمسة أحياء حول مبنى البرلمان، وتم إيقاف قطارات الأنفاق. فيما نُقلت رئيسة الوزراء البريطانية إلى مخبأ سريّ لتترأس اجتماعاً أمنياً. كما تم إغلاق البرلمان على النواب والصحافة الموجودين في الداخل والذين بقيوا محجوزين لساعات.
توقيت الحادث ودلالات ذلك
عدة مسائل يمكن ملاحظتها فيما يخص التوقيت:
أولاً: جاء الحدث بعد تهديدات عديدة ظهرت من خلال تسجيلات نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تضمَّنت التهديد بالقيام بهجمات على لندن. وهو ما تحوَّل اليوم من تهديد إلى واقع.
ثانياً: صادف تاريخ الهجوم في لندن، الذكرى الأولى لأول تفجيرات حصلت في بروكسل العام الماضي. وهو ما يجب الإشارة له كأحد دلالات التوقيت، خصوصاً أن الحادث يُشبه في تفاصيله ما جرى حينها.
ثالثاً: من خلال الربط بين الحدثين أعلاه، يمكن القول أن الحدث جاء في وقت تعيش فيه بريطانيا حالة من الحشد الاجتماعي إعلامياً وسياسياً ضد الأقليات الدينية والمهاجرين. وهو ما توقف عنده بعض المراقبين الذين أشاروا إلى أن الحادث لحِقَه قيام بعض الجهات المتطرفة بالاحتفال بالهجوم على مواقع التواصل الاجتماعي، رابطين ذلك بعملية الإنتقام مماا يحدث في الموصل.
رابعاً: وقع الهجوم بينما كان مجلس العموم البريطاني يعقد جلسة وبحضور "ماي"، خُصصت لمناقشة طلب الوزيرة الأسكتلنديّة الأولى "نيكولا ستورغن" حول إجراء استفتاء على الاستقلال قبل خروج بريطانيا النهائي من الاتحاد الأوروبي. الأمر الذي قد يهدف إلى دفع الأمور باتجاه تفعيل أزمة التوتر الناتجة عن طرح مسألة الاستفتاء، والتي لا تُعتبر بعيدة عن ملف الإرهاب بشكل غير مباشر.
الإرهاب يضرب بريطانيا: تحليل الحدث!
يمكن تحليل الحادث كما يلي:
أولاً: تتحمل بريطانيا مسؤولية ما يجري، خصوصاً بسبب سياساتها الخارجية والتي لها صلة مباشرة بدعم وتأسيس الجماعات الإرهابية والمتطرفة حول العالم، بل إن جهاز المخابرات العسكرية البريطانية "MI6"، وبالتعاون مع الموساد والسي أي إي، هم المسؤولين عن تطوير عمل الحركات الإرهابية وإرسالها إلى منطقة الشرق الأوسط. حيث تُشير الإحصاءات إلى أن بريطانيا صدّرت إلى سوريا، ثاني أكبر عدد من المتطرفين بعد فرنسا، من بين كل الدول الأوروبيّة.
ثانياً: تدفع بريطانيا ثمن سياساتها التحريضية، هي والغرب، والتي تتعلق بالإسلام فوبيا، والمبنية على معايير غير صحيحة، تعتمد على أكاذيب مُختلقة. الأمر الذي يجعل حالة الاستعداد أو التأهب لأي حدث إرهابي فارغة من حقيقتها وبعيدة عن الواقع الإرهابي الحقيقي. خصوصاً بعد أن فضحت العديد من التقارير الغربية، دور بريطانيا في تمويل واحتضان رجال دين يحملون الشعارات أو المظاهر الإسلامية، ويُعتبرون ناطقين باسم التطرف والتحريض المذهبي.
ثالثاً: إن توقيت وتفاصيل الحادث تدل على أن أجهزة الأمن البريطانية لم تتوقع حصوله، خصوصاً أنه جرى قرب البرلمان وفي وقت يحصل فيه اجتماع، وعبر استخدام وسائل بدائية كما أشارت التقارير، عبر استخدام سيارة شخصيّة، وسكين مطبخ. الأمر الذي يزيد من احتمال تكرار ذلك في أماكن أخرى لوجود صعوبة في ضبط هكذا أحداث.
رابعاً: قد يخدم الحدث السياسة الغربية المُحرِّضة على استقبال المهاجرين والتي باتت تدخل في التجاذبات السياسية الداخلية والتوازنات بين الدول. خصوصاً في ظل وضع متأزم من العلاقات بين أوروبا وتركيا والتي تُعتبر صلة الوصل بين قارة أوروبا وسوريا.
إذن، دخلت بريطانيا على خط ضحايا الإرهاب. لكن المفارقة أن أم الإرهاب لا يمكن أن تكون ضحية. بل إن الشعب البريطاني بات ضحية سياسات دولته الخارجية، والتي بنت أمجادها على استعمار العالمين العربي والإسلامي منذ زمن. في حين يمكن القول أن الإرهاب أثبت اليوم أن لا مذهب له ولا دين. بل هو بحق من موَّله ودرَّبه خائن. لكن الحقيقة الوحيدة التي يمكن التيقُّن بها هي أن برطانيا دخلت نفقاً مظلماً بسبب سياساتها. الأمر الذي لن تستطيع مواجهته حتى المرأة الحديدية التي اختبئت.