الوقت- يستعدّ الكونغرس الأمريكي للتحقيق في "اتصالات"ترامب مع روسيا. ويتزامن استعداد المؤسسة الدستورية الأولى في البلاد، مع الخط الإعلامي الأمريكي الجديد الذي يتحدّث عن تغيير في تعاطي إدارة ترامب مع الملف الروسي.
السؤال الأبرز الذي بات يطرح نفسه اليوم بقوّه عن مصير العلاقات بين البلدين، يتعلّق بسياسة ترامب المرتقبة تجاه روسيا، فهل ستبقى سياسة "حافّة الهاوية" بين موسكو وواشنطن قائمة، أم أن ترامب سيعمد إلى تغييرها كما وعد إبان حملته الانتخابيّة.
قد لا يكفي قرار ترامب للإجابة على هذا السؤال حيث توجد العديد من مؤسسات الضغط في أمريكا قادرة على ثني الرئيس عن موفقه، سواءً الكونغرس، الاستخبارات أم اللوبيات المتواجدة داخلل أروقة صنع القرار.
ومن خلال مراقبة المشهد الأمريكي وتطوّراته بدءاً من استعداد الكونغرس الأمريكي للتحقيق في "اتصالات" ترامب مع روسيا، وليس انتهاءً بعرض ترامب على هانتسمان(جمهوري متشدد ملقب بالكوبرا) تعيينه سفيرا في روسيا في وقت سابق من هذا الأسبوع، وأن الأمور أصبحت في مرحلة التوقيع على الوثائق الخاصة بهذا الأمر، وفق ما ذكرت صحيفة بوليتيكو الامريكية عن مصادر في البيت الأبيض، يتّضح أن هناك تغيّراً ما قد يحصل في خطّة ترامب، لناحية عدم السير بمشروعه في العلاقة مع روسيا كما يصبو.
بصرف النظر عن صحّة المعلومات المتعلّقة بتعيين هانتسمان سفيرا لأمريكا في موسكو، رغم أن التقارير الأخيرة أكّدت قبول هانتسمان بعرض ترامب، تشير عملية التحقيق التي تأتي بعد شهر ونصف شهر على تنصيب ترامب، وقبل انتهاء مرحلة الـ100 يوم الأولى، تشير إلى نيّة المؤسسات الأمريكية كبح جماح ترامب في الملف الروسي تحديداً.
لا شكّ أن إدلاءات مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي) جيمس كومي، والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي) جون برينان، والمدير العام السابق لأجهزة الاستخبارات القومية جيمس كلابر، ومدير وكالة الأمن القومي مايك روجرز، والمسؤولة السابقة في وزارة العدل سالي يايتس، أمام اللجنة في أوّل جلسة تعقدها، ستكون مصيرية لترامب، ورغم أنّه من غير المتوقّع أن تُثبت اللجنة لقاء ترامب مع السفير الروسي في واشنطن سيرغي كيسلياك، إلا أنّها قد تُبقي الباب مورباً لأي محاكمة لاحقة لترامب في حال حاول تجاوز الخطوط الحمراء.
لسنا في وارد الدخول في السجال السياسي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول العلاقة مع روسيّا، لاسيّما بعد استخدام ترامب للسلاح نفسه في مواجهة الديمقراطيين، متّهماً معارضيه السياسيين بالنفاق وداعياً إلى التحقيق مع زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر على خلفية علاقته مع روسيا.
لا شكّ أن هذا السجال لم يكن ليحصل لولا اللحن الخطابي الترامبي "اللين" تجاه روسيا، خاصّة بعد تهديده لشركاء أساسيين كأوروبا وحلف الناتو، وهو ما أثار حفيظة بقيّة المؤسسات الأمريكية، وبالتالي فإن مستقبل العلاقات ستكون رهن هيكلية النظام الأمريكي.
فيما يتعلّق بهيكلية النظام الأمريكي، قد أشرنا في مقال سابق على هذه الزاوية إلى أننا لسنا من مؤيدي قدرة الرئيس المطلقة في أمريكا، وكذلك لسنا من مؤيدي وجود نظام خفي يقود الحكم، بل نعتقد بدور الطرفين في قيادة القرار الأمريكي وتأثير كل طرف على الآخر، مع الأخذ بعين الاعتبار سيطرة النظام بشكل أكبر على القرار الأمريكي في المرحلتين الأولى والأخيرة للحقبة الرئاسيّة، في حين تعلو يد الرئيس في القرار الأمريكي بين هاتين المرحلتين. بطبيعة الحال، يسري هذا الأمر فقط على الدورة الرئاسيّة الأولى.
اليوم، نعيش في المرحلة الأولى التي تتسم بنوع من عدم الاستقرار، إلا أننا بعد فترة سنكون في المرحلة الثانية التي تعلو فيها يد الرئيس في القرار الأمريكي، فهل سيفرض ترامب رؤيته على المؤسسات الأمريكية؟
ربّما ينجح في ذلك، وربّما التحقيقات التي سيجريها الكونغرس ستكون بمثابة العصا التي تدير ترامب في الملف الروسي، إلا أن موقف ترامب نفسه قد تغيّر كثيراً بعد أقل من شهر على وصوله للبيت الأبيض، خاصّة أنه قال قبل أيّام: من القائل بأن ترامب سيكون أكثر مرونة مع روسيا بعد فوزه بالانتخابات الأمريكية؟
ورغم أن البعض وجد تراجعاً في موقف ترامب خاصّة بعد العديد من التصريحات التي تتعارض مع تلك التي أطلقها في الحملة الانتخابيّة، إلا أن الكثير من المحللين وضعوها في سياق استرضاء المؤسسات الأمريكية الكبرى، أي أن هذه المواقف تجارية من الملياردير التاجر، ولن يلبث ليتراجع عنها بعد استقرار إدارته.
في الحقيقة، من الصعب التنبؤ بمستقبل العلاقات بين موسكو وواشنطن، وتحديداً فيما يتعلّق بموقف ترامب بسبب تصريحاته المتناقضة. ربّما يحتاج ترامب لمزيد من الوقت بغية تحقيق الاستقرار في إدارته، إلا أنّه من المبكر الحديث عن مستقبل العلاقات بين البلدين قبل لقاء الرئيسين بوتين وترامب. حتّى الساعة لا يوجد موعد محدّد للقاء الرئيسين، رغم أنّه من المحتمل أن يكون هذا اللقاء أثناء قمّة مجموعة الـ20 في ألمانيا التي ستنعقد في تموز العام الجاري.