الوقت - يوما بعد يوم تزداد الحقيقة رسوخاً في الفكر الانساني وتنقشع الغمامة والاكذوبة التي سعت واشنطن وحلفاؤها في منطقة الشرق الاوسط على غرزها قسراً في منطقتنا وهي ان المسلمين ارهابيون بالفطرة. فتأبى الحقيقة الى ان تظهر للملأ.
هذا وان كانت شريحة كبيرة من عالمنا العربي والاسلامي تعرف ان ما تسعى واشنطن والدول التي تدور في فلكها لإثباته هي أضغاث أحلام ليس ألا. هذه المرة كانت الحقيقة جلية في داخل بيت الاكاذيب الاكبر اي من داخل امريكا وباعتراف المواطنين الامريكيين أنفسهم. حيث أصدر الدبلوماسي الأمريكي السابق مايكل سبرينغمان، كتاباً جديداً حمل عنوان "تاشيرات الدخول للقاعدة.. عطايا الـسي آي إيه التي هزّت العالم"، وتحدّث الكاتب فيه مطولاً عن مجموعةٍ من الحقائق التي ربّما باتت معروفةً للكثيرين اكثر من قبل، إلّا أنّها بقيت تحت إطار الاتهام والتشكيك، ليوردها الكاتب ضمن تسلسلٍ يحاول فيه إقناع العالم بصحة تلك المعلومات، والتي تشير بشكلٍ أساسي إلي تورّط امريكا بشكلٍ مباشر في خلق ونشر التطرّف والمتطرّفين والارهاب والتكفيريين فالكتاب لم يصدر عن مواطن امريكي عادي مستشرق او محلل للامور وحسب بل صدر عن من كان يوماً دبلوماسي ومقرب على الاقل من بعض السياسيين الامريكيين ان لم نقل عن صناع القرار في واشنطن.
وفي الكتاب الجديد اتهم مايكل سبرينغمان في معرض حديثه الأجهزة الرسمية في بلاده الاستخباراتية منها والسياسية والعسكرية بإدارة الجماعات الإرهابية من تنظيم "القاعدة" إلى تنظيم داعش الارهابي، ويتساءل الكاتب في معرض حديثه عن نشأة الجماعات الارهابية أن "الحرب على الإرهاب أمر أعقد بكثير من معادلة الخير ضد الشر. صحيح أن عناصر القاعدة متعصبون ومتحجرو القلب، لكن كيف وصلوا إلى هذا المستوى من الحضور الدولي والتدريب المتطور؟". واستطرد الدبلوماسي السابق، ليجيب بحكم خبرته عن السؤال الذي طرحه بالقول: "لسوء الحظ، يكمن الجواب في برنامج تدريب وتأشيرات تمتد جذوره إلى الحرب الباردة". ويتابع: "بينما دربت أمريكا ناشطين أصوليين لمحاربة القوات السوفيتية في أفغانستان، ولاحقاً سمحت لهم بالانتقال من البلقان إلى الشرق الأوسط، فإن المخططين المرتبكين في سي آي إيه سلحوا وألهموا عن غير قصد الأشخاص الذين سيصبحون فيما بعد قيادة القاعدة".
ويطالعنا الكاتب وهو دبلوماسي كما قلنا وبحكم طبيعة عمله هذه المرة عن كيفية تجنيد واشنطن للمجاميع الارهابية من سوريا فالعراق وليبيا وطبعا مرحلة التأسيس في افغانستان بالقول إن "أمريكا كانت تصدر تأشيرات لأشخاص تم إحضارهم إلى أمريكا لتدريبهم وجُنّدوا للحرب في أفغانستان ونقلتهم سي آي إيه إلى البلقان ومنها إلى العراق وسوريا وليبيا، وأصبحوا بعدها في القاعدة وفي نهاية المطاف ما يسمى حالياً تنظيم داعش الارهابي".
وتاكيدا على حجم الانخراط الامريكي بكل مؤسساته في إعداد وتجنيد وتهيئة الوسائل المناسبة للعناصر الارهابية أوضح سبرينغمان أن هناك سياسة اسمها "تأشيرات الإرهابيين" في الخارجية الأمريكية، وأن الأمر بدأ معه بـ"طلبات ثم أوامر تلتها تهديدات"، وقال: "سي آي إيه والخارجية كانتا تعملان مع بعضهما بشكل وثيق ولم يشرح أحد ما كان يحصل".
وتحدث الدبلوماسي الأمريكي عن مصلحة واشنطن في جلب الإرهابيين إلى العراق وسوريا، معتبراً أن الأمريكيين يعتقدون أنه يجب أن يكون هناك "قواعد للسيطرة في المنطقة". ويضيف: "فكروا أنه لا يمكن إعادة هؤلاء الأشخاص إلى بلادهم أو وقف منحهم النقود، فلنرسلهم إلى مكانٍ لا نحب حكومتها فيه".
وأشار سبرينغمان إلى أنه حاول الحديث مع أشخاص في الحكومة الأمريكية لكنهم رفضوا الكلام معه، مضيفاً أن "الأمريكيين يحاربون داعش لأنهم يريدون إبقاء الخوف حياً وإقناع الناس أننا بحاجة إلى قوات أكبر واستخبارات أكبر ووكالات للتجسس". وأكّد سبرينغمان في كتابه أن بلاده "سلّحت أكثر من ألفي عنصر من القاعدة في شرق ليبيا كانوا من نفس المنبت وطابقوا نفس نمط المقاتلين الذين حاربوا في أفغانستان والعراق والبوسنة".
ولا تنتهي قصة الدبلوماسي الامريكي هنا بل يذهب الا ما هو أكثر من ذلك حين لوّه سبرينغمان بأصابع الاتهام المباشر في صفحات كتابه نحو السفارة الأمريكية في بغداد ووزارة الدفاع و"سي آي إيه" بتغذية الطائفية في العراق ومن ثم إنشاء الميليشيات الطائفية وتزويدها بالاسلحة لإحراق العراق على مبدأ "فرق تسد" ومن أجل نشر الكراهية بين المكونات الأساسية في بلاد الرافدين بحيث يبقى لواشنطن الكلمة العليا في بغداد، واما عن التمويل المالي فتحدث مايكل سبرينغمان عن ما أسماه مبالغ طائلة تتلقاها وكالة الاستخبارات الأمريكية من الكونغرس وصلت الى مبلغ 3 مليارات دولار لإنشاء التشكيلات المسلحة في العراق وحده.
في الخلاصة نقول إنه يطول الحديث عن الارهاب الذي تصنعه امريكا في المنطقة وربما سعى الدبلوماسي الامريكي لإشعال شمعة في ظلام الاعلام الامريكي والعالمي الذي خلق بالتعاون مع دولته تنظيمات ارهابية هنا وهناك وسعى لتدمير الاوطان بحجة محاربة الارهاب ولكن ما نثق به أن هناك المزيد من الشموع بحاجة لإيقادها فهل تكون الايام القادمة أكثر إشراقاً بالحقيقة.