الوقت- رغم تسلم "دونالد ترامب" زمام الحكم في أمريكا، وما بدأه ومنذ الساعات الأولى من الانسحاب من اتفاقات دولية، واتخاذ إجراءات تعسفية بحق الأجانب على الأراضي الأمريكية. إلا أنه وكما يؤكد مراقبون لم يتضح إلى الآن مدى استمرار الأخير في هذه السياسات (المثيرة للجدل). في وقت يعتقد البعض أن الوعود الاقتصادية للداخل الأمريكي هي أبرز ما وعد به، والسبب أنه طرح خطة اقتصادية تتعدى الداخل الأمريكي لتنسف النظام العالمي القائم برمته، والذي بُني في الحقبة الماضية على أيدي أسلافه في البيت الأبيض.
وعندما نتحدث عن الاقتصاد الأمريكي، وهو الأكبر عالميا، تتوجه الأنظار إلى التنين الصيني وهو المنافس الأول اليوم لأمريكا، حيث أن الصناعات الصينية قد غزت الأسواق الأمريكية، إذ تشير الإحصاءات الرسمية الأمريكية عن عجز في الميزان التجاري مع الصين بلغ مستويات غير مسبوقة ليصل إلى ما يناهز 3655 مليار دولار العام الماضي. وفي هذا السياق كان "ترامب" واضحا وصريحا في تصريحاته ضد الصين. ولم يستثني ترامب فرصة إلا وأكد فيها على ضرورة أن ترضخ الصين للشروط الأمريكية، متهما إياها بأنها تقوم بـ"أكبر عملية سطو في التاريخ" متلاعبة بقيمة عملتها لتحقيق مكاسب اقتصادية وقدرة تنافسية على صعيد العالم.
وكان من أبرز الرسائل التي وجهها ترامب إلى الصين هو الاتصال الذي قام به إبان انتخابه برئيسة تايوان، معلنا في بيان أن المحادثة تطرقت إلى "العلاقات الوطيدة في مجال الأمن والاقتصاد والسياسية بين تايوان وأمريكا". وهذا الأمر اعتبره المحللون إشارة إلى جدية ترامب في نيته الإخلال بالتوازن القائم مع الصين منذ عقود، فالمس بفكرة "الصين الواحدة" التي أرساها الرئيس الأمريكي الراحل "ريتشارد نيكسون" بعد محادثات مع ماو تسي تونغ في بكين عام 1972. وكانت تلك المحادثات القاعدة الأساس لعودة العلاقات بين البلدين بعد قطيعة تخللتها حروب دموية خسرت فيها أمريكا الكثير إن في كوريا أوفييتنام أوكمبوديا.
أما المستجد اليوم فهو ما أعرب عنه وزير دفاع ترامب، الذي أكد أن زيارته الخارجية الأولى ستكون إلى سيول وطوكيو، في تأكيد جديد على نية ترامب وفريقه تشديد الخلاف مع الصين، كما ويؤكد أن احتمال تأزم الأوضاع الأمنية والعسكرية الأمريكية الصينية ليس ببعيد في المدى المنظور. وقد يكون هدف ترامب هو إيجاد حالة تأهب صينية، من خلال حراك للبنتاغون في تلك المنطقة، مما ينعكس على الاقتصاد الصيني ويضعه في دائرة الخطر. وهذا يجبر التنين الصيني على التفاوض وتقديم التنازلات وتخفيف الضغط على الاقتصاد الأمريكي.
وهنا من الجيد الإشارة إلى أن الصين لم تقف ساكتة إزاء هذه التصريحات الترامبية، فقد صرح وزير الخارجية الصيني "وانغ يي" خلال زيارة له إلى سويسرا، إن "أي شخص أو قوة في العالم تحاول النيل من الصين أو المس بمصالحها الأساسية، فسيكون ذلك كمن يزحزح صخرة ستسحق قدميه". كما بدرت مواقف صينية تشير إلى جهوزية صينية لاجتياح تايوان "الجزيرة" التي تعتبرها الصين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، مهددة بقلب الطاولة على دول المنطقة الأخرى في حال تماديها بالتحالف مع أمريكا على حساب المصالح الصينية.
ومن طرف آخر وفي نفس السياق حذرت صحيفة بلومبرغ الأمريكية ترامب من مغبة العبث والمشاجرة مع الصين قائلة إن هناك مليار و300 مليون دليل يجعلنا نتحاشى الشجار مع الصين، لأن خطابات ترامب ستروج الحس الوطني الصيني خلال فترة قصيرة، وهو ما لا مصلحة لأمريكا فيه.
كلها مؤشرات مهمة يقول البعض أنه لا يمكن لترامب تخطيها، فسوف يكتفي بالضغط على الصين من خلال حلفائها في المنطقة، إلا أنه لن يجرأ على المغامرة بخوض مواجهة مباشرة معها، وخاصة اقتصادية، والسبب أن ترامب التاجر يفهم جيدا قدرات الصين الهائلة، اقتصاديا وسياسيا، فصحيح أن النظام الاقتصادي العالمي قد بناه الأمريكيون، إلا أن الصين تمكنت من التفوق على أصحاب هذا النظام وطوعته لصالحها، من خلال إعادة إحياء طريق الحرير القديم، الذي يربطها بغرب آسيا وأوروبا، إضافة إلى التوسع الاقتصادي الذي لم يشهد العالم له من مثيل في كافة القارات. ولذلك يحذره الكثير من مغبة الاستمرار في كسر التوازنات القائمة في العالم، لأن العالم أصبح يُدرك عين اليقين أن أمريكا لم تعد القوة التي لا تهزم في العالم وأضحى العالم متعدد الأقطاب شاء ترامب ذلك أم أبى.